بغداد / تبارك المجيد
يشهد العراق سنوياً ما يقرب من 140 يوماً من العطل الرسمية وغير الرسمية، ما يجعله في صدارة دول العالم من حيث عدد أيام العطل. هذا الواقع يثير تساؤلات حول التأثيرات الاقتصادية لهذا العدد الكبير من العطل، وكيف ينعكس على الخدمات المقدمة للمواطنين وعلى الموازنة العامة للدولة. يُشير خبراء الاقتصاد إلى أن كثرة العطل تُكبّد الاقتصاد العراقي خسائر تقدر بعشرات التريليونات من الدنانير، وتُعيق جهود التنمية الاقتصادية.
في ضوء هذه الظروف، يُبرز عدد من الخبراء والمحللين الاقتصاديين أهمية إعادة النظر في آليات تحديد العطل الرسمية، حيث يُشيرون إلى أن تقليص عددها يمكن أن يُسهم في تحسين الأداء الاقتصادي ويعزز استمرارية الخدمات الحكومية.
وتشهد الأوضاع الاقتصادية في العراق تحديات متزايدة، من بينها التأثير الكبير لكثرة العطل الرسمية وغير الرسمية على الاقتصاد الوطني وتقديم الخدمات للمواطنين. في هذا السياق، يشير الخبير الاقتصادي إبراهيم الشمري إلى أن العطل المتكررة تؤثر بشكل سلبي على النمو الاقتصادي وزيادة الضغط على الموازنة العامة.
وفي حديث لـ (المدى)، أوضح الشمري أن "العراق يشهد عدداً كبيراً من العطل الرسمية، إلى جانب عطل إضافية تُقر من قبل مجالس المحافظات، مما يزيد من التحديات التي تواجه الاقتصاد الوطني، خاصة مع اقتراب فصل الشتاء الذي يشهد تكرار انقطاعات الطاقة وسوء الأحوال الجوية". وأضاف أن هذه العطل تتسبب في تأخير كبير لإنجاز معاملات المواطنين وتعطيل تقديم الخدمات الحكومية، مما يزيد من معاناة المواطنين ويفاقم من التحديات الخدمية التي تواجه البلاد.
أشار الشمري إلى أن الدولة العراقية تتحمل تكاليف ثابتة خلال أيام العطل، من بينها رواتب الموظفين، حتى في غياب الإنتاج أو الخدمات. وبيّن أن "كل يوم عطلة يتسبب في خسارة تُقدر بحوالي 34 مليار دينار عراقي"، مما يشكل عبئاً كبيراً على الاقتصاد. وأضاف أن هذه المبالغ الكبيرة يمكن استثمارها في مشاريع التنمية الاقتصادية والبنية التحتية التي تسهم في تحسين مستوى معيشة المواطنين.
وشدد الشمري على ضرورة إعادة النظر في آلية إقرار العطل الرسمية وإيجاد توازن بين حاجة المواطنين للراحة وبين متطلبات الاقتصاد، مؤكداً أن "تقليل عدد العطل وإدارة الطاقة بشكل أكثر كفاءة سيكون له تأثير إيجابي على الاقتصاد العراقي، ويخفف من الضغوط على الميزانية العامة، مما يسهم في تحقيق استقرار اقتصادي وتنموي أكبر".
عبء مالي
في ذات السياق، قال الخبير الاقتصادي نبيل المرسومي إن "الاقتصاد العراقي يتحمل كلفاً مالية كبيرة نتيجة كثرة العطل الرسمية وغير الرسمية، حيث يعتبر العراق البلد الأول في العالم من حيث عدد العطل". وأضاف المرسومي لـ (المدى)، أن "هناك 104 أيام عطلة رسمية في العراق"، يقصد المرسومي بهذه العطل، الخميس والجمعة.
وأوضح المرسومي أن "التكلفة التقديرية للعطل الرسمية تبلغ حوالي 4 تريليونات دينار سنوياً، وهي 16 يوماً مثبتة بتشريعات البرلمان"، مشيراً إلى أن "مجلس الوزراء أحياناً يضيف أيام عطلة أخرى، مثلما حدث مؤخراً عندما تم إعلان يوم 3 تشرين الأول، وهي لم تكن محسوبة ضمن العطل الرسمية التي أقرها البرلمان".
كما لفت إلى أن "المحافظين لديهم صلاحيات إعلان عطل محلية لأسباب قد تكون غير مبررة، مثل الطقس أو درجات الحرارة، وتصل هذه العطل إلى 20 يوماً سنوياً على أقل تقدير، مما يكلف الاقتصاد العراقي حوالي 5 تريليونات دينار إضافية، وهو رقم يعادل موازنة سوريا"، ويبين أن "في بعض الأحيان تستخدم العطل كوسيلة للكسب السياسي".
واضاف المرسومي بالقول: "هذه الأرقام تمثل عبئاً كبيراً على الاقتصاد وتؤثر على سير العمل في مؤسسات الدولة، لذلك يجب الالتزام بالعطل الرسمية المحددة فقط وعدم منح عطل إضافية إلا إذا كانت بموجب تشريع من البرلمان، مثل العيد الوطني العراقي".
وذكر المرسومي في وقت سابق بتدوينة على منصة الفيسبوك، أن مجموع الرواتب السنوية للموظفين وسواهم يبلغ 90 تريليون دينار (69 مليار دولار)، مشيراً إلى أن مجموع أيام الجمع والسبت (يومي الإجازة الأسبوعية) يبلغ 104 أيام في السنة، بينما تبلغ عطلات رسمية إضافية 16 يوماً، وعطلات غير رسمية 20 يوماً تقريباً، مما يجعل مجموع العطل الكلي في العراق 140 يوماً.
وفقاً للمرسومي، فإن التكلفة اليومية للعطل الرسمية وغير الرسمية مع يومي الجمعة والسبت تبلغ 246 مليار دينار (187 مليون دولار)، بينما تبلغ التكلفة السنوية للعطل الرسمية وغير الرسمية 34 تريليون دينار (26 مليار دولار).
مجاملات سياسية!
أعربت النائبة السابقة، ريزان شيخ دلير، عن قلقها إزاء تزايد عدد العطل الرسمية وتأثيرها السلبي على ميزانية الدولة وحياة المواطنين اليومية. وأوضحت دلير أن "الوضع الحالي يزيد من العبء على المواطنين الذين يحتاجون إلى استمرارية الخدمات الحكومية، مثل المحاكم والدوائر الخدمية". ولفتت الانتباه إلى أن بعض الفترات والمناسبات الدينية تتسبب في توقف الدوام الرسمي لمدة قد تصل إلى 40 يوماً في بعض المؤسسات، مما يؤدي إلى تأخير تلبية احتياجات المواطنين ويعطل الاقتصاد.
وأضافت دلير لـ (المدى)، أن "العديد من العطل الرسمية تُعطى نتيجة مجاملات سياسية"، مشيرةً إلى أن "الدول الأخرى تحدد العطل بشكل صارم، في حين يعاني العراق من تفاوت كبير في هذا الجانب". وأكدت أن كثرة العطل تتسبب في تأخير معاملات المواطنين في الدوائر الحكومية، خاصة في المحاكم، مما يترك المواطن في وضع صعب.
كما أشارت دلير إلى أن "العدد الكبير من العطل يصيب المؤسسات الحكومية والتعليمية بالشلل، حيث تُعاني المدارس من صعوبة في إكمال المناهج الدراسية". وأضافت أن ما يتلقاه الطلاب خلال العام الدراسي غير كافٍ لتطوير مهاراتهم بسبب هذه العطل المتكررة.
وتحدثت دلير عن التباين في عدد أيام العطل في العراق مقارنة بالدول الأخرى، حيث تصل بعض الأعياد مثل عيد الأضحى وعيد الفطر إلى أربعة أيام في العراق، بينما تكون يوماً واحداً فقط في بعض الدول الإسلامية. ودعت إلى تقليص عدد أيام العطل بما يتماشى مع حاجة الاقتصاد إلى حركة العمل المستمرة.
وأوضحت أن تنوع المكونات الدينية والعرقية في العراق يزيد من صعوبة وضع جدول موحد للعطل الرسمية، مما يؤدي أحياناً إلى شعور بعض المكونات بالتمييز. وأشارت إلى أن المكونات غير المسلمة قد تشعر بالظلم نتيجة عدم التوازن في عدد أيام العطل الممنوحة لهم مقارنةً بالعطل الإسلامية، داعيةً إلى إعادة النظر في هذا الموضوع لتحقيق العدالة.
العطل الرسمية: عبء مالي قيمته 34 تريليون دينار يُهدد اقتصاد العراق
نشر في: 17 أكتوبر, 2024: 12:11 ص