TOP

جريدة المدى > مقالات واعمدة ارشيف > العمود الثامن: تحية إلى رافع الناصري

العمود الثامن: تحية إلى رافع الناصري

نشر في: 18 يناير, 2011: 05:11 م

علي حسينانظر الى صورة الفنان الكبير والصديق رافع الناصري في الكتاب الذي وضعته رفيقة دربه الشاعرة والمترجمة مي مظفر  " رافع الناصري حياته واعماله "  واتذكر تلك الايام  التي كنت التقي  فيها الناصري  في بغداد،  ايام كان يزهو فيها بالحياة والفن مثلما يزهو اليوم بمنجزه الابداعي الذي يضعه في مصاف الفنانين الكبار في العالم،
  تجربة وحياة استحقت وتستحق منا أن ينظر  إليها باعتبارها تمثل نزعة إنسانية وفنية  تميزت بالحرص على الارتقاء بعين المشاهد ومن ثم تأهيل ذائقته البصرية وصولاً إلى إعادة تعريف مفهوم الرسم بما يصون رقي الذائقة الفنية.  خلال مسيرته  الفنية الحافلة انجز رافع الناصري رسوما  كثيرة وكتابات كثيرة أيضاً ولم تقف ظروف غربته، حاجزاً دون انجازاته واعماله.انظر الى صوره، واتامله في  السبعين من عمره  فاجده ينبض بالحيوية، لم تؤثر ظروفه  الصحية وآلام الغربة  في توهج الفنان فيه. يكتب غارودي: "الفن الصحيح يتخطى عصره..، و الفن الكبير لا يمثل عصره... بل ينير عصره"  ومايقدمه اليوم رافع الناصري ومعه العديد من الفنانين العراقيين انما شهادة على ان العراقيين يقدمون شهاداتهم الحقة على العصر وهي شهادة التنوير لا الظلام. اقلب صفحات الكتاب واتجول في عوالم رافع الناصري التي تحيطنا بالسعادة. وهكذا حلت السعادة باعتبارها هدفاً محل الرغبة في اكتمال العالم.  وبرغم ان رسوم الناصري  لاتخفي الشعور العميق بالاسى عند الفنان وهو يرى شوارع مدينته بغداد التي عشقها غنائم لقوى متخلفة غير أن ذلك لا يتناقض مع فائض السعادة الذي يقترحه الفنان من خلال منجزه الابداعي، هناك عالم وهمي يقول الحقيقة كلها من غير ابتذال واقعي. فالفنان هنا  يواجه قبح الواقع بقوة الجمال المستلهم من لحظة اتصال شعرية بجذور  ذلك الواقع التي يقيم خارج ما هو متداول من المؤثرات البصرية. يعيش الناصري الواقع باعتباره ورقة تشف عما تحتويه خزانتها السرية. بالنسبة الى رافع الناصري لا تناقض بين الرسم والواقع. ولكنه الواقع الذي يخلص إلى طبقاته المتراكمة، بعضها فوق البعض الآخر لا إلى السطح منه. لذلك تبدو لوحات هذا الرسام كما لو أنها محاولة في التنقيب لا يمكن تلخيصها بقدرتها على اقتفاء أثر جمالي بعينه. يبهرنا الجمال فيها، مثلما تبهرنا سيرة الفنان الذي  اراد ان يقول ان العالم لايمكن ان يعيش خارج منطق الجمال والسعادة.  يعيننا الكتاب على فهم شيء من تجربة الناصري الفنية الممتزجة   باشاراته وحروفه ورموزه التي استلهمها من التراث العربي ليمزجها بفضائه الخاص، وهو فضاء تمتزج من خلاله المعرفة المتمردة بحس جمالي نادر من نوعه.يسأل جنرال فاشي بيكاسو بعد أن رأى  جدارية  جورنيكا بفظاعة تمثيلها لمحرقة سوق القرية الأسبانية التي دكتها الطائرات:هل أنت الذي عمل  جورنيكا؟يجيب بيكاسو: بل أنتم.السؤال عن العائدية يحمل الاتهام للفاعل الحقيقي لمجزرة الواقع تحريفا لسؤال الجنرال عن مجزرة الفن.فالفاعل الحقيقي يسأل الفاعل الفني وهذا يحيل بدوره إلى المرجع أو المحرّك، فلا عمل فنياً  لولا وجود تلك المجزرة في الواقع.تأتي الحرب كحدث طارئ في الحياة البشرية وكنكوص إلى حياة ما قبل المدنية أو ما يعرف بشريعة الغاب، وحلّ المشكلات  بالحرب أو فرض الإرادات بالقوة التي تسحق الآخر وما يتصل به دون تمييز، او بالاحرى حياته كلها  تصبح قابلة للمحو وكل ما يمكن أن تصله أسلحة الخصم.بينما ينبهنا الواقع الى   ان الحروب اعلانا عن شهوة الموت،  تنبهنا لوحات رافع الناصري الى ان الفن شهوة الحياة، الحياة التي تستحق ان تعاش.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

"إسرائيل" ترفض الانسحاب الكلي من لبنان وبري يعارض الشروط

بارزاني: "قسد" لا تمثل الأكراد كافة

مقتل طالب في كلية الشرطة بهجوم مسلح

الصدر: عهداً ووعداً لن نحيد عن التمهيد والإصلاح ما حيينا

مركز الفلك الدولي يحدد الاول من شهر رمضان المبارك

ملحق معرض العراق للكتاب

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

حياتي وموت علي طالب

حياتي وموت علي طالب

غادة العاملي في لحظة تزامنت فيها الحياة مع الموت استعدت ذكريات عشر سنوات ،أو أكثر .. أختصرها الآن في ذاكرتي بالأشهر الثلاثة الأخيرة. حينما اتفقنا أناقرر هو أن يسافر ملبيا الدعوة التي انتظرها لأكثر...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram