كنت متردداً بكتابة هذا المقال والغوص في معضلة تخص مدرب منتخبنا الوطني بكرة القدم - زيكو- وإن سبب ترددي كان هو الحرص على احتواء الأزمة لتكون في نطاق محدود على غرار سياسة (المدى الرياضي) وألا تأخذ أبعاداً واسعة لكي لا تؤثر سلبياً على حالة الاستقرار التي ينبغي ان تسود في صفوف المنتخب الوطني بعيداً عن مثل تلك المهاترات والاتهامات التي لا تزال سائدة بين - زيكو - مدرب المنتخب والاتحاد العراقي لكرة القدم التي اضحت مع الأسف الشديد حديث لاعبي المنتخب وترقبهم بقلق ودهشة عمّا يحدث في بيتهم الكروي ، والأدهى من ذلك عدم تأكدهم حتى كتابة هذه السطور من المدرب الذي سيقودهم ؟!
إن الاستحقاقات القريبة القادمة وهي بطولة غرب آسيا التي انطلقت امس السبت في الكويت ودورة كأس الخليج 21 في المنامة للفترة من 5-18 كانون الثاني 2013 ، والتصفيات الآسيوية المؤهلة لكأس العالم في حزيران المقبل ، تدعو اتحاد كرة القدم ان يثبت وبشكل نهائي وسريع اسم المدرب لهذه الاستحقاقات وليس لبطولة واحدة او بطولتين لكي يضع ستراتيجيته ومتطلباته وفق تلك الاستحقاقات بعد ان تناقش من قبل لجنة فنية مختصة لإقرارها ومصادقتها من الاتحاد.
إن اختيار - زيكو- الاستقالة في هذا الوقت بالذات غير مناسب مطلقاً وكان الأجدر به ان يواجه اتحاد الكرة المعني ويناقش كل المشاكل التي تخص المنتخب بموضوعية وعقلانية قبل اللجوء الى الاستقالة ، ولكن يتضح وبكل تأكيد انه بعيد كل البعد عن السمات العقلانية والتربوية والاخلاقية لأنه لم يفكر بالجوانب السلبية النفسية التي تنعكس على اللاعبين في هذه المرحلة المهمة وهم بأمس الحاجة حالياً للاستقرار الفني والذهني والنفسي .
إن مدرباً محترفاً ولاعباً كبيراً مثل - زيكو- كان المفروض ان يعي قبل غيره ماذا يعني تدريب منتخب وطني لأي مدرب خاصة للمدرب الاجنبي ؟! انه شرف كبير له ان يحظى بتلك الثقة وينبغي ان يكون مؤتمناً على هذه المسؤولية لا مخيباً لها ، ويقدِّر مشاعر الملايين من محبي الكرة في العراق الذين يتابعون بشغف وحرص ومحبة صادقة مسيرة منتخبهم الوطني لتحقيق الإنجاز المطلوب للتأهل الى كأس العالم المقبل التي تضيِّف مبارياته البرازيل عام 2014 .
واذا ما تحقق هذا الحلم للكرة العراقية فسيكون انجازه للمدرب - زيكو - وهذا ما يتمناه اي مدرب ان يتأهل فريقه للمونديال الكروي وقيمة هذا التأهل ستكون كبيرة جداً للمدرب وتضاف الى سيرته الذاتية وتاريخه الرياضي، لاسيما وان منتخب العراق بلاعبيه الغيارى قادرون للصعود والوصول الى كأس العالم كما فعلوها عام 1986 حينما تأهلوا الى نهائيات مونديال المكسيك برغم الظروف الصعبة منها الحظر الدولي والحصار الظالم وظروف قاسية اخرى لا أود التطرق اليها حالياً لأنني عشت احداث اعداد المنتخب الوطني ومبارياته آنذاك بحكم مسؤولياتي كمدير للمنتخبات الوطنية وأمين سر للاتحاد العراقي المركزي ، وفخور أني أسهمت مع قسم من زملائي في ذلك الإنجاز الذي تحقق للمرة الأولى في تاريخ العراق الكروي وهو الصعود والتأهل الى نهائيات كأس العالم 1986.
فيا زيكو ، ان الإرادة العراقية المتمثلة بلاعبينا المخلصين المتميزين بروح التحدي سيعيدون التاريخ ويحققون ما يصبون اليه، وستبقى انت – وميلان - المخادع الذي درب مع الاسف المنتخب العراقي عام 2000 ولم يحقق اية نتائج جيدة وتركه في ظرف صعب كما فعلت انت، ستكونان في وادي النسيان وهذا هو (ديدن المافيا) لبعض المدربين المحترفين الذين لم يُحسن اختيارهم وتورطت بهم اتحاداتنا السابقة والحالية!
إن الواجبات والمسؤوليات الملقاة على عاتقك يا زيكو هي ليست كونك كمدرب فقط وانما كتربوي وتعني الكثير في قاموس اخلاق المدربين الحقيقيين والمبدئيين الذين يحترمون شرف مهنتهم امثال المدرب الخلوق والكفوء الالماني (ستانج) الذي درَّب منتخب العراق عام 2004 متحدياً كل الظروف الصعبة وتحمّل المسؤولية بلا خوف، وسيبقى أنموذجاً بالأخلاق يُحتذى به لما قدمه من تضحيات وعطاء ملموسين للكرة العراقية برغم قصر الفترة التي عمل بها في بغداد، حتى انه رفض الانصياع لأوامر بلــده ومقترح مقربيه بالعودة الى المانيا خوفاً على حياته ، لكنه بقي متمسكاً بكلمته واحترامه للعقد.
ومع كل تلك التضحية والاخلاص وتحمل المسؤولية لهذا المدرب الكبير فقد تخلى عنه الاتحاد!! ولهذا نقول لزيكو الذي كنا نكن له التقدير والإعجاب لموهبته الكروية ان التهديد بالاستقالة يعني التخلي والانهزام عن مسؤوليتك المهنية لتكملة المشوار التدريبي مع المنتخب الوطني بحجة تأخير مستحقات مساعديك المالية وليس مبلغ العقد الذي علمنا من مصادر في الاتحاد العراقي لكرة القدم ان المليونين ونصف المليون دولار قد استلمتها وهي للفترة من 8 آب 2011 ولغاية آب 2012 وكذلك الأشهر التي تلتها ، وأتضح ان تبريرك بالاستقالة ، بل انهزاميتك هو انك تطلب وانت الان في - تركيا - نصف مليون دولار لكل من - ايدو - كمساعد مدرب وسانتانا كمدرب للياقة البدنية وكان بالامكان والافضل كما ذكرت التفاهم مع الاتحاد الذي هو الآخر يتحمل المسؤولية لأنه لم يُثبت الصيغة القانونية الصحيحة للعقد ما لــه وما عليـه.
وكذلك فسح اتحاد الكرة المجال له بعدم محاسبته منذ البداية عن غياب زيكو المستمر وإخلاله بالضوابط المنصوص عليها منها ضرورة تواجده في العراق.
واللافت في خضم المنافسة الشرسة وفي اعقاب الفوز الثمين للمنتخب الوطني على نظيره الأردني في الدوحة خرج زيكو بشكل مفاجئ الى الملأ ملوحاً بتلك الاستقالة ، ومفتعلاً أزمة كبيرة بعيدة كل البعد عن أي تبرير قد يروجه عبــر وسائل الإعلام أو غيرها لأنه تجاوز بهذا التصرف كل الأعراف التربوية والاخلاقية لمهنة التدريب وضوابط العمل الاحترافي الذي يدَّعيه.
ومهم الاشارة ايضا الى ان الفوز الاخير للمنتخب الوطني على الاردن لا يمكن ان نعــدَّه انجازاً يُنسب الى المدرب زيكو لأسباب عـــدة وأهمها ان المنتخب الوطني كان وما يزال الاكفأ والافضل في المنطقة وما وصل اليه المنتخب من مستوى وتقهقر في النتائج خلال مشوار التصفيات المونديالية يتحمل جزءَها الاكبر المدرب زيكو لانه المدير الفني للمنتخب وعليه القيام بدوره على الوجه الاكمل، خصوصا انه يمتلك نخبة متميزة من اللاعبين سواء كانوا لاعبي الخبرة ام اللاعبين الشباب.
إن المدرب زيكو لم يلتزم ولم يقم بمهامه من خلال رفضه الدائم للذهاب الى العراق للاشراف الميداني على تدريب المنتخب وحضوره مباريات الدوري للوقوف على مستويات اللاعبين ذوي المواهب الكروية وقيامه بالعمل الطبيعي الذي يقوم به أي مدرب يتولى مثل هذه المهمة الكبيرة وهي تدريب المنتخب الوطني .
ما حدث في عهد المدرب - زيكو - من تصرف مرفوض لا يمكن ان يمرّ مرور الكرام من الاتحاد العراقي لكرة القدم وبأي شكل من الاشكال لانه تصرف قد اساء فيه الى الاتحاد المعني والى اللعبة وما تصريحه الذي يقول فيه ان اتحاد الكرة - يكذب - !! إلا دليل بأنه لا يتفق مع ابسط المبادئ التربوية والاخلاقية التي يجب ان يتحلى بها أي مدرب قبل ان يمتهن هذه المهنة النبيلة لما تحمله من معانٍ وعطاءٍ ومثابرة واخلاص، ولا يمكن كذلك وبأي حال من الاحوال الاغفال أو الصمت عن سلوك زيكو بابسط القيم المهنية عندما أقصى بطريقة لا اخلاقية مساعد مدرب المنتخب اللاعب الدولي السابق باسل كوركيس عن مهمته الرسمية الوطنية كمساعد مدرب للمنتخب ومن دون أي سبب يستوجب ذلك القرار والإبعاد المجحف بحق باسل الذي كان من خيرة اللاعبين الذين مثلوا منتخب العراق خلقاً وحرصاً والتزاماً وقد واكبت هذا اللاعب الغيور والهادئ منذ بروزه في نادي الشباب لحين دعوته ومشاركته في تصفيات ونهائيات كأس العالم عام ١٩٨٦ في المكسيك.
ان اتحاد الكرة ينبغي ان يستفيد من هذه التجربة المريرة التي اساءت للكرة العراقية وجمهورها الوفي وان يكون دقيقاً جداً في اختيار اي مدرب لضمان حقوقنا من الناحية القانونية أولاً والمدرب ثانياً تماشياً مع السياقات الدولية في إبرام العقود وكفانا انفاقاً للاموال في غير استحقاقها!
إن رأيي الاول والاخير في تصرف المدرب زيكو سواء تراجع عن قراره أم اصرّ عليه هو رأي ثابت حتى لو اعاده الاتحاد العراقي لكرة القدم لاننا تحدثنا من حيث المبادىء والقيم الرياضية وليس بمنطق المساومات التي تسود عالم الاحتراف اليوم ، متمنين للمنتخب كل التوفيق والنجاح وتجاوز المشاكل التي رافقته ، ونيل احدى بطاقتي التأهل الآسيوي لنهائيات كأس العالم في البرازيل 2014 وكل أملنا بالغيرة العراقية لأن عراقنا يستحق الكثير وينتظر من الشرفاء الغيورين ما هو أكثر.
* خبير ومحاضر دولي
مع الحدث..زيكــو خسر المبادىء والقِيَـم الرياضية!

نشر في: 8 ديسمبر, 2012: 08:00 م