ماريو أوسافا/آي بي سي الماء ليس في الأنهار والبحيرات ولكن في الهواء. هذا هو ما يستنتجه الخبراء الآن على ضوء تزايد وتيرة الكوارث الناجمة عن موجات الجفاف أو الأمطار الغزيرة كتلك التي قتلت حتى الآن أكثر من 500 شخصا وشردت آلاف الأهالي في المدن الجبلية بالقرب من ريو دي انير، عاصمة البرازيل السابقة، في وقت تعانيه مناطق أخرى من موجات جفاف متتالية.
أما عن الأمطار الغزيرة، فمن السهل تلخيص المشهد الذي تخلفه: شوارع كأنهار، وبيوت وسيارات كعوامات، وتلال تدفن أحياء بأكملها، وطرق مغمورة تصل إلى جزء من وسط مدينة "نوفا فريبورغو" التي يقطنها المهاجرون السويسريون، ومناطق برمتها دون مياه جارية أو كهرباء أو هواتف... كل هذا وأكثر من هذا يرسم ملامح واحدة من كبرى المآسي الطبيعية في البرازيل. ويذكر أن هذا المشهد يكرر ما حدث في يناير/ كانون الثاني عام 1967 في ريو دي جانيرو -التي كانت عاصمة البرازيل حتى 1960- حيث حصدت الانهيارات التي سببتها الأمطار الغزيرة أرواح أعدادا مماثلة من الأهالي. كذلك فقد غمرت الأمطار الغزيرة أحياء كبيرة وفي مدينة ساو باولو التي تؤوي 11.2 مليون نسمة، في كارثة تتكرر عدة مرات في السنة في هذه الدينة التي تعتبر أكبر مدن البرازيل. وعاشت مدينة "فرانكو دا روشا" الصغيرة المجاورة تحت الماء على مدى بضعة أيام. بيد أن الأمطار الغزيرة في جنوب شرق البرازيل تتزامن مع موجات جفاف في مناطق أخرى، بما فيها الأمازون المعروفة برطوبتها العالية للغاية. فقد تسببت موجة الجفاف التي دامت ستة أشهر في غرب البرازيل الأمازوني في إعلان حالة الطواريء في 40 بلدية معزولة، وذلك بسبب نقص وسائل النقل النهري والأغذية ومياه الشرب. لكن موجة الجفاف هذه لا يمكن أن تعزى إلى ظاهرة "النينيو" (الطفل) التي تدفئ مياه سطح المحيط الهادي الاستوائية وكانت خفيفة الضرر جدا في العام الماضي، وفقا لعلماء المناخ مثل جوزيه مارينغو من المعهد الوطني لبحوث الفضاء، والذين يكنون قلقا متزايدا حيال تتابع ثلاث موجات جفاف أمازونية منذ عام 1998. كذلك يعاني أقصى جنوب البرازيل أيضا منذ أكتوبر/ تشرين الأول الماضي موجة جفاف لا تزال تؤثر على الزراعة. وعلى الرغم من تفاخر البرازيليين بوفرة المياه العذبة في بلادهم، إلا أنها تغطي نحو 12 في المئة من إحتياجات هذه الدولة التي تؤوي 191 مليون نسمة وتعد ضمن كبار المنتجين والمصدرين الزراعيين في العالم. وبالتالي، تعتبر الأمطار مصدر المياه العذبة الرئيسي في البرازيل. وهنا تبرز أهمية الرياح القادمة من الامازون والمحيط الأطلسي، والتي تجمع الرطوبة وتحيد مسارها نحو الجنوب لدى وصولها إلى حاجز جبال الانديز...هذه الرياح هي "أنهار طائرة" أو "أنهار محلقّة" كما أسماها جيرار موس، الطيار السويسري الذي يحمل الجنسية البرازيلية والمتخصص في دراسة نقل الرياح لمياه الأمطار على شكل سحب، والذي يحاول من متن طائرته، قياس مدى مساهمة الغابات في حجم الأمطار التي تهطل على البرازيل بفضل هذه السحب. كذلك فتكسب مياه الأمطار التي تحملها الرياح أهمية خاصة أيضا عندما يتعلق الأمر ببخار المياه. فيذكر أن بخار الماء في الغلاف الجوي لا يمثل سوى 0،001 في المئة من المجموع العالمي، ما يعادل 10 في المئة من المياه العذبة في البحيرات. ومع ذلك، فيتجاوز حجم بخار المياه يتجاوز ما بين 10 إلى 11 مرة مياه الأنهار، ما يعني أن مساهمته تعتبر بالغة الحيوية في الدورة الهيدرولوجية التي تعتمد على الرياح الناقلة لمياه الأمطار من الغابات والمحيطات وغيرها، وكلها تعاني مؤخرا تغييرات خطيرة.
الماء.. عندما يكون مفتاح الحياة... في الهواء
نشر في: 18 يناير, 2011: 05:32 م