TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > العمودالثامن: طائفي موسوعي

العمودالثامن: طائفي موسوعي

نشر في: 20 أكتوبر, 2024: 12:06 ص

 علي حسين

كان الشاعر الزهاوي على جانب كبير من الظرف والفكاهة، وينقل لنا المؤرخ الراحل خيري العمري أن الملك فيصل الأول طلب من الزهاوي أن يكون على رأس الوفد الذي يستقبل شاعر الهند الكبير طاغور، ولا تزال صورة الزهاوي وهو يجلس على أحد كراسي محطة قطار بغداد وقد داهمه النعاس تعدّ من النوادر ويُقال إنّ المصوّر أرشاك التقط هذه الصورة ، وإن عبد الغفور البدري صاحب جريدة الاستقلال أصرَّ على أن يضع الصورة في الصفحة الأولى نكاية بالزهاوي. ومن الطرائف التي تروى عن زيارة طاغور لبغداد أن الزهاوي ألقى قصيدة في ترحيبه كان عبد المسيح وزير يترجمها بيتاً بيتاً للضيف الهندي، وقد جاء في أحد أبياتها:
أيها الكهرباء أنتِ جوابي للجماهير عند كل سؤال
عندها التفت طاغور ليقول للحاضرين بأنه يكنُّ كلَّ الاحترام لعلوم الغرب، لأنها إرثٌ حقيقي صادق وسعيٌ روحيٌّ عميق، وأنهم في الهند يسعون إلى الأخذ بهذه العلوم، لأنها الطريق إلى المستقبل.
وعن الهند تدور في بلاد الرافدين بين الحين والاخر حروب شعبوية ، على مواقع التواصل الاجتماعي وعلى بعض الفضائيات ، فقبل سنوات خرج علينا أحد سياسيي الصدفة، ليثير فاصلا من "الردح" الطائفي حين قال عن أهالي مدينة العمارة إنهم من الهنود ، وقبل مدة قصيرة خرج علينا احد مؤرخي الصدفة والذي منح نفسه لقب الموسوعي ليخبرنا انه دقق وبحث فوجد ان اهالي الانبار اصلهم هندي ، بعدها بلع ريقه وابتسم ليخبر المشاهدين انه يحترم اهالي الانبار لكنها الحقيقية ، حديث الموسوعي وقبله حديث النائب اثار موجة من الردود تجاوزت حالة الشحن الطائفي لتذهب الى السخرية من شعب وحضارة عريقة مثل الهند التي لا يزال البعض ينظر إليها على أنها بلاد الأفلام الميلودرامية وقصص الحب الحزينة وآهات شامي كابور ودموع مابالا. هذه الهند انقرضت على أرض الواقع واستبدلت بجيش من الأطباء والمهندسين ورجال اقتصاد وعلوم.
وقبل أن نضع مقارنات بين الديمقراطية الهندية التي رسّخها رجال مثل نهرو وديمقراطيتنا العرجاء التي ترفع شعار "ما ننطيها" علينا أن نقرأ في كتاب غاندي"قصة تجاربي مع الحقيقة" كلمات المهاتما عن التسامح "أحسست أن تسامحي ينقل شيئين للذين يظلمونني ويسيئون معاملتي، أولاً: مدى قدرتي على تقبل الآخر، وثانياً: قناعتي بأن قوتهم ستسقط يوماً ما".
لو أعدنا قراءة التاريخ مرة أخرى، لوجدنا أن المتسامح غالباً هو الذي يفوز، وأن الحوار هو الذي ينتصر غالباً على يـد رجال كلماتهم أقوى من المدافع، لكننا ندرك ان العراق سيظل بلاداً فوق الإثنيات والطوائف، ولن نخذل العلامة الأثري حين قال مُرحبا بطاغور:
بغداد ثغر صاغه الله باسماً لكل أديب حطَّ فـيها رواحله

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق معرض العراق الدولي للكتاب

الأكثر قراءة

العمود الثامن: الغرابي ومجزرة جسر الزيتون

العمود الثامن: نون النسوة تعانق الكتاب

العمود الثامن: مسيرات ومليارات!!

ثقافة إعاقة الحرية والديمقراطية عربيا

العمود الثامن: نصف قرن من التفوق

العمود الثامن: نصف قرن من التفوق

 علي حسين في مثل هذه الأيام، وبالتحديد في الثاني من كانون الاول عام 1971، أعلن الشيخ زايد عن انبثاق اتحاد الامارات العربية، وعندما جلس الرجل البالغ آنذاك خمسين عاماً على كرسي رئاسة الدولة،...
علي حسين

كلاكيت: في مديح مهند حيال في مديح شارع حيفا

 علاء المفرجي ليست موهبة العمل في السينما وتحديدا الإخراج، عبئا يحمله مهند حيال، علّه يجد طريقه للشهرة أو على الأقل للبروز في هذا العالم، بل هي صنيعة شغف، تسندها تجربة حياتية ومعرفية تتصاعد...
علاء المفرجي

البَصْرة.. لو التَّظاهرُ للماء والنَّخيل!

رشيد الخيّون تظاهر رجال دين بصريون، عمائم سود وبيض، ضد إقامة حفلات غنائيَّة بالبصرة، على أنها مدينة شبه مقدسة، شأنها شأن مدينتي النَّجف وكربلاء، فهي بالنسبة لهم تُعد مكاناً علوياً، لِما حدث فيها من...
رشيد الخيون

الانتخابات.. بين صراع النفوذ، وعودة السياسة القديمة

عصام الياسري الانتخابات البرلمانية في العراق (11 نوفمبر 2025) جرت في ظل بيئة أمنية نسبيا هادئة لكنها مشحونة سياسيا: قوائم السلطة التقليدية حافظت على نفوذها، وبرزت ادعاءات واسعة النطاق عن شراء أصوات وتلاعبات إدارية،...
عصام الياسري
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram