بول آدامز*
ترجمة: عدوية الهلالي
مع الهجوم على إسرائيل ومعاناة غزة من التفجيرات المدمرة، شعرنا وكأننا نشهد نقطة تحول.لقد انفجر الصراع الإسرائيلي الفلسطيني مرة أخرى، بعد أن غاب لسنوات عديدة، ويبدو أن الأمر فاجأ الجميع تقريبًا. فقد كان مستشار الأمن القومي الأميركي جيك سوليفان قد أدلى بتصريح شهير قبل أسبوع من الهجمات قال فيه: "إن منطقة الشرق الأوسط أصبحت اليوم أكثر هدوءاً مما كانت عليه طوال عقدين من الزمن".فهل تمتلك إسرائيل القدرة العسكرية على إبقاء العديد من جبهات الحرب مفتوحة في نفس الوقت في الشرق الأوسط؟
لقد اشتعلت النيران في المنطقة، وقُتل أكثر من 41 ألف فلسطيني، وتم تهجير مليوني شخص من سكان غزة. وفي الضفة الغربية، قُتل 600 فلسطيني آخر. وفي لبنان، نزح مليون شخص ومات أكثر من 2000 شخص، كما قُتل أكثر من 1200 إسرائيلي في اليوم الأول. ومنذ ذلك الحين، فقدت إسرائيل 350 جنديًا إضافيًا في غزة. وأُجبر مائتي ألف إسرائيلي على مغادرة منازلهم بالقرب من غزة وعلى طول الحدود الشمالية المضطربة مع لبنان. وقتل نحو خمسين جنديا ومدنيا بصواريخ حزب الله.
وفي الشرق الأوسط، انضم آخرون إلى القتال.أما الجهود المضنية التي بذلتها الولايات المتحدة لمنع تفاقم الأزمة،من خلال الزيارات الرئاسية، والبعثات الدبلوماسية التي لا تعد ولا تحصى، ونشر موارد عسكرية هائلة، فقد ذهبت سدى، إذ تم إطلاق الصواريخ من أماكن بعيدة، في العراق واليمن.كما تبادل العدوان اللدودان، إسرائيل وإيران، الضربات، ومن المؤكد أن المزيد سيأتي.
لقد أصبحت حياة أهل غزة، قبل وبعد السابع من تشرين الأول، في طي النسيان تقريباً، بينما تتوقع وسائل الإعلام بلا هوادة اندلاع "حرب شاملة" في الشرق الأوسط.
والحقيقة أن رد إسرائيل ـ بتفجير أجهزة الاستدعاء، والاغتيالات المستهدفة، والتفجيرات بعيدة المدى،والعمليات الاستخباراتية، وتصريح نتنياهو الذي قال فيه: "لا يوجد مكان في الشرق الأوسط لا تستطيع إسرائيل الوصول إليه"، كل ذلك رفع تصنيف شعبية رئيس الوزراء بعد ان كان عند أدنى مستوياته منذ أشهر بعد 7 تشرين الأول، وربما يكون ذلك بمثابة ترخيص لاتخاذ إجراءات أكثر جرأة، ولكن إلى أين سيقودنا هذا؟
من الواضح ان الولايات المتحدة متورطة، حتى لو كانت الزيارة التي قام بها رئيس القيادة المركزية الأمريكية الجنرال مايكل كوريلا، إلى إسرائيل تبدو أشبه بإدارة الأزمات أكثر من كونها استكشافًا لطرق الخروج الدبلوماسية.
وفي الوقت الحالي، يتمثل التحدي المباشر ببساطة في منع اندلاع حريق إقليمي أكبر.اما إسرائيل، التي ترغب بشدة في التخلص من التهديد الذي تفرضه إيران، فتدرك أيضاً أنها غير قادرة على تحقيق هذه الغاية بمفردها، على الرغم من الهجمات التي حققتها مؤخراً.
إن تغيير النظام الإيراني ليس على أجندة جو بايدن، ولا نائبته كامالا هاريس.أما بالنسبة لدونالد ترامب، ففي المرة التي بدا فيها مستعداً لمهاجمة إيران - بعد أن أسقطت طهران طائرة استطلاع أمريكية بدون طيار في حزيران 2019 - تراجع الرئيس السابق في اللحظة الأخيرة (على الرغم من أنه أمر باغتيال جنرال إيراني رفيع المستوى هو قاسم سليماني، بعد سبعة أشهر).ولم يكن أحد ليتخيل قبل عام واحد أن الشرق الأوسط يتجه نحو لحظاته الأكثر خطورة منذ عقود من الزمن.
ومع وجود الكثير من الحطام المتناثر على طول الطريق والأحداث التي لا تزال تتكشف بوتيرة مثيرة للقلق، فإن صناع السياسات يكافحون من أجل مواكبة التطورات. ومع دخول الصراع في غزة عامه الثاني، توقف كل الحديث عن "اليوم التالي" ـ وكيف سيتم إعادة تأهيل غزة وحكومتها عندما ينتهي القتال أخيراً ـ أو نغرق في ضجيج حرب أكبر.وينطبق الشيء نفسه على أي نقاش ذي معنى حول حل الصراع بين إسرائيل والفلسطينيين، وهو الصراع الذي أوصلنا إلى هنا في المقام الأول.
وعند نقطة ما، عندما تعتقد إسرائيل أنها ألحقت الضرر الكافي بحماس وحزب الله، وعندما يكون لإسرائيل وإيران كلمتهما ــ شريطة ألا يؤدي ذلك إلى إغراق المنطقة في أزمة أعمق ــ وعندما تنتهي الانتخابات الرئاسية الأميركية، فربما تنجح الدبلوماسية وتكون هنالك فرصة أخرى.ولكن في الوقت الحالي، يبدو كل شيء بعيدًا!
- محلل سياسي