وديع غزوانأثبتت تجارب العالم في تاريخه القديم والحديث ان أكثر الأسباب، ان لم يكن في مقدمتها التي جرعت البشرية الويلات والآلام والصراعات والحروب، انعدام الحريات التي بدونها لا يمكن الادعاء بتحقيق العدالة والمساواة او قيم المواطنة الحقة، وهكذا فقد كان البؤس والاستغلال والفقر وعدم تكافؤ الفرص، ملازماً للأنظمة الدكتاتورية بمختلف أوجهها، وقد يكون من المفارقة ان نشهد انهيار المعسكر الاشتراكي، بهذا الشكل المؤلم، مع كل ما تحمله النظرية الاشتراكية من مبادئ نبيلة لمنع الاستغلال والعدالة في توزيع الثروات،
غير ان سوء تطبيق هذه المبادئ والمغالاة في خطط الدفاع ضد المخاطر التي كانت تتهددها والحرص للحفاظ على هذه الأنظمة التي يفترض ان تكون (الجماهير) هي من يحميها ويدافع عنها، جعلها لا تنتبه الى ان أهم ما يحقق إنسانية الفرد هي الحرية التي لا يمكن ان يتنازل عنها المواطن بشكل مطلق.. نعم ان ضرورات التنظيم وبناء الدولة أوجبت التخلي عن جزء من الحقوق لتمارس الدولة مسؤولياتها، غير ان هذا لم ولن يعني أبداً التنازل عن الحريات، ليتحول المجتمع الى مجرد (قطيع) مقاد مسلوب الإرادة لا رأي له.. لا يعني هذا ان المواطن في الأنظمة الرأسمالية، يعيش في سعادة مطلقة وان هنالك عدالة ومساواة، لكن هذه الأنظمة تمكنت من خلال فضاء الحريات ان تحافظ على أنظمتها من الانهيار رغم كل ما تعرضت له من هزات.نشير الى ذلك ونحن نتابع إحداث تونس وثورتها الشعبية، لتعود بنا الذاكرة الى عدد من الثورات التي فجرها وقادها المواطن، لنتوقف عند حقيقة واضحة، لكنها تغيب عند البعض حالماً يتسلم مقاليد السلطة وزمامها، وهي ان الصاعق لكل هذه الثورات هو الحرية المفقودة، لذا فقد اعتدنا في محيطنا العربي ومنه العراق، ان نتحايل على الموضوع ونلتف حوله، فنبتعد بإرادتنا عن جذور المشاكل وأسبابها الحقيقية، وهكذا ترى مسؤولينا يتحدثون عن مشاريع وإجراءات للحد من البطالة والقضاء على الفقر وتقديم الخدمات، وهم يعون انها لن تتحقق لان أهم عناصر تحقيقها غائبة وهي الحرية التي تعني في احد أوجهها إطلاق الطاقات وتسخيرها لخدمة البناء، وهي نفسها (أي الحرية) التي تعلن الحرب على الفساد والمفسدين، من خلال ما توفره من وسائل ومجالات ترفع الغطاء عن كل الحالات المشبوهة.ومن هنا فليس غريباً ان نجد ان أكثر من يتصدى للحريات هم المفسدون، مهما حملوا من شعارات ليغطوا بها عجزهم عن خدمة المواطن وتحقيق الحد الأدنى من طموحاته.ان الديمقراطية بقدر ما تحتاج الى قوانين لتطبيق مبادئها في المجتمع تحتاج أكثر الى مسؤولين مؤمنين بها فعلاً ليتمكنوا من فهم حجم معاناتنا، ونعتقد ان هذا ما نحتاجه لتحقيق هدفنا الكبير والغالي بعراق جديد عنوانه الحرية التي يشعر المواطن من خلالها بكرامته ويطمئن بوجود من يعمل على إيجاد معالجات لمشاكل مزمنة لا تحل من دون فضاء واسع للحرية التي هي مفتاح حل مشاكلنا وأزماتنا.
كردستانيات: الحريات هي الحل

نشر في: 18 يناير, 2011: 07:01 م