د. فالح الحمراني
يجمع أغلبية المراقبين على أن قمة دول مجموعة بريكس يومي 22 و24 تشرين الثاني في قازان عاصمة جمهورية تتارستان، حدثا جوهريا في إطار رئاسة روسيا لمجموعة بريكس لعام 2024 والتطور اللاحق لتوجهاتها وتعزيز موقعها في الشأن الدولي. وتنعقد القمة تحت شعار "تعزيز التعددية من أجل التنمية والأمن العالميين العادلين".
و القمة في قازان أول اجتماع لرؤساء دول وحكومات بريكس للمجموعة في تركيبتها الموسعة. الآن يتشمل 10 دول. وأضيفت للمجموعة مصر وإيران والإمارات العربية المتحدة وإثيوبيا والمملكة العربية السعودية علاوة على لبلدان المؤسسة: البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب أفريقيا. وفي هذه التركيبة، تمثل دول بريكس 34% من مساحة الأرض و45% من سكانها. ويبلغ الناتج المحلي الإجمالي عند تعادل القوة الشرائية 36.7% من القيمة العالمية
ويتضمن برنامج الرئاسة الروسية أكثر من 200 حدث يهدف إلى تعزيز الشراكة في جميع المجالات الرئيسية: السياسة والأمن، والاقتصاد والمالية، والعلاقات الثقافية والإنسانية. ومن بينها المنتديات البرلمانية المشتركة لدول بريكس، واجتماعات وزراء المالية والطاقة والتعليم والرياضة ورؤساء أجهزة النيابة العامة ورؤساء المحاكم العليا والمؤسسات العليا لمراجعة الحسابات.
ووفقا للرئيس الروسي فلاديمير بوتين، فمن المقرر في قازان "مناقشة موضوعية لآفاق مواصلة بناء الشراكة الشاملة بين الدول الأعضاء في بريكس، فضلا عن الموافقة على مجموعة من الاتفاقيات بشأن مختلف القطاعات ومجالات التعاون".
وكما قال يوري أوشاكوف، مساعد رئيس الاتحاد الروسي، فإن روسيا تدعو أعضاء بريكس إلى إبرام مذكرة تعاون في مجال أمن المعلومات والتوقيع على "ميثاق الأخلاقيات في مجال الذكاء الاصطناعي" الذي طورته. وتعتزم موسكو تعزيز التعاون في مجال مكافحة الفساد، في مجالات الجمارك ومكافحة الاحتكار، وفي العمل في مجال التنمية المستدامة والمناخ والطاقة. علاوة على ذلك، لا ينبغي للأهداف المناخية أن تعيق التنمية الاقتصادية للدول الأعضاء. عند اختيار مسار تحول الطاقة، يجب على كل دولة التركيز على الأولويات الوطنية.
وتظهر مجموعة في القرن الواحد والعشرين بريكس كظاهرة جديدة على الساحة الدولية تطمح الى أحداث تغيرات جوهرية في النظام الدولي تحد من هيمنة الغرب عليه على مختلف الأصعدة، ويقوده من زاوية مصالحه الخاصة. وأكدت التطورات على الساحة الدولية، انه ورغم فعالية الغرب ودوره التنموي والتطوري العالمي والأمني، تقوم مواقفه من الشؤون الدولية على الازدواجية في التعامل مع الأزمات، والمشاكل، ووضع الحلول للقضايا الحيوية، وغالبا ما تُهضم فيها حقوق الأمم والشعوب، وبات الغرب بتوظيف جبروته الاقتصادي والتكنلوجي وتفوقه العسكري لفرض إرادته على البلدان الأخرى، مستخدما بما في ذلك هراوة العقوبات، دون النظر (من جانب الغرب) الى عواقبها التي تؤدي الى تدمير دول، وعرقلة تطورها، وتعرضها لمحن ونكبات اجتماعية وسياسة. وتتطلع اليوم الكثير من دول من خارج المجموعة الغربية للانضمام الى بريكس، أو التعاون معها، لا سيما إنها مجموعة غير تحالفية أو عسكرية تضع في أولياتها التطوير والتنموية، بالمفهوم الشامل، بعيدة من الخوض في الشؤون السياسية الخلافية والحادة أو التجمع ضد كيان دولي ما.
وترغب مجموعة بريكس في أن تصبح جوهر النظام العالمي الجديد. ووفقا لمجلة "فورين أفيرز" الأمريكية في مقال نشرته مؤخرا أن "مستقبل بريكس سيحدد النظام العالمي". وإن تفكيك الهيمنة الأمريكية أمر لا مفر منه، وواشنطن نفسها هي المسؤولة عن ذلك. وكل ما يستطيع أن تفعله الآن هو عدم تنفير الهند والبرازيل، حتى لا تتحول مجموعة بريكس إلى كتلة مناهضة للغرب بشكل علني. وقال رئيس وزراء الهند مودي بدقة: أن مجموعة ليس ضد الغرب، ولكن مجموعة من غير الغرب.
وفي اطار الرؤية الجديدة للنظام الدولي ترى مجموعة بريكس انه ينبغي أن يقوم على مبدأ المساواة في السيادة بين الدول، وعدم التدخل في الشؤون الداخلية لبعضها البعض. وإقامة التعاون على أساس توازن المصالح، الذي ينبغي تجده بلدان المجموعة. وتعمل مجموعة بريكس على أساس التوافق، كما تعمل منظمة شنغهاي للتعاون، وجامعة الدول العربية، ومجلس التعاون الخليجي. فهذه كلها تجمعات مبنية على الاحترام المتبادل بين جميع الأعضاء ومراعاة المصالح.
وتعتمد بريكس على مبدأ الإجماع والتوافق، زد على ذلك هو إجماع غير مصطنع عندما يجري إجبار أطراف على الموافقة، بل إجماع حقيقي، مبني على ضرورة إيجاد توافق يعكس اتفاق كافة الأعضاء. وفي بريكس يتطور التعاون في مجالات الاقتصاد والشئون المالية. ويوجد بنك تنمية جديد تشتد قوته. ويوجد تعاون في المجالات السياسية وبالطبع في المجالات الإنسانية، والرياضية، والتعليمية، والثقافية. وهذه هي الدعامة الراسخة التي يقوم عليها التطوير اللاحق الشراكة الاستراتيجية في إطار المجموعة. والآن تضم مجموعة بريكس 10 دول، ويتضاعف عددنا مقارنة بالعام الماضي. وقد أرسلت أكثر من 30 دولة طلبات لإقامة تعاون أو الانضمام إلى المجموعة. وسيكون النظر في طلبات الدول التي ترغب في التعاون والشراكة مع بريكس، احدى البنود الرئيسية المدرجة على جدول أعمال القمة التي ستعقد في أكتوبر من هذا العام في قازان.
وتسعى دول بريكس إلى تبني أيديولوجيتها الخاصة بانتقال الطاقة، والتي تختلف عن الخطاب الغربي وتقترح موسكو إنشاء جمعية بريكس الطبية، وإطلاق نظام للوقاية من أخطار العدوى. أما بالنسبة للعملة الموحدة لدول بريكس، والتي نوقشت لسنوات عديدة، فإن هذه الفكرة لا تبدو واقعية. ولتحقيق هذه الغاية، يتعين على البلدان الأعضاء أن تعمل على إزالة التناقضات، وإزالة حواجز التجارة الخارجية، وصياغة سياسة نقدية موحدة. وتقترح موسكو لتجاوز العقبات، إدخال نظام تسوية جديد بين الدول الأعضاء بدلاً من إنشاء عملة موحدة لبريكس.
ولا تنفي موسكو أن هناك مشاكل في البريكس، لأن المصالح الوطنية للدول المشاركة "لا تتطابق في كل شيء". ومؤخراً، استشهد ممثل روسيا في مجموعة خبراء بريكس، سيرجي ريابكوف، على وجه الخصوص، برأي أحد الخبراء الذي "تمت مناقشته" ومفاده أن اتخاذ القرار على أساس مبدأ الإجماع من الممكن أن يشكل "كابحاً أمام تطور" مجموعة البريكس.
إن إيجاد قاسم مشترك في مجموعة بريكس ليس بالأمر السهل دائما، وخاصة في ما يتصل بالقضايا الجيوسياسية الحساسة مثل الصراع بين الصين والهند في جبال الهيمالايا أو الأزمة الأوكرانية. وقال أوشاكوف إن هذا هو السبب على ما يبدو في عدم تخطيطهم لمناقشة أوكرانيا في قمة قازان. ومن غير المتوقع أن تقوم "مجموعة أصدقاء السلام" في المجموعة بأي أنشطة لحل الأزمة الأوكرانية.
كما أن قضية التوسع الإضافي لمجموعة بريكس ليست مدرجة أيضا على جدول أعمال قمة قازان، حيث أن الجمعية تريد أولاً إكمال التكامل الكامل بين الدول التي انضمت في 1 كانون الثاني 2024. وأكد ريابكوف: "لكن أبواب بريكس تظل مفتوحة". وتطرق أذربيجان، وبوركينا فاسو، وكوبا، وماليزيا، وسريلانكا، وربما حتى تركيا، تخطط للانضمام للمجموعة.