ثامر الهيمص
الاستثناء الذي اثبت القاعدة، رن في ذهني يوم 11/سبتمبر /ايلول /1973، حيث ظهر بمانشيت جريدة الحرية اللبنانية كعنوان لدراسات وتحليلات، النظام الديمقراطي هش مادامت المؤسسة العسكرية العريقة’ التي اطاحت بسلفادور اللندي الرئيس المنتخب. فالاستثناء قد يقفز ليصبح قاعدة في ضوء ظروف تؤهله. فقد كان طبعا الدور الرئيس فيه لل سي اى اي وكالة المخابرات الامريكية. وبذات اليوم والشهر عام 2001 حصل 11/سبتمبر في نيويورك (سبحانه وتعالى) ماحصل. فقانون الاستثمار عام 2013, ايضا له استثناءاته’ كأي قانون غير مكتمل او منسجم مع الستراتيجية التنموية او غير متعشق مع الواقع الاجتماعي والسياسي. ولذلك يسعى البرلمان حثيثا لتغييره, عندما علم ان 4000 استثناء حصلت خارج القانون, نتمني ان يكون الاهتمام حقيقيا وليس لمآرب, فالاستثناء شكل احباط للشركات العاملة و مما شكل احباط لمستثمري الداخل والخارج, ربما يأتي كرد فعل كما يعتقد على كثرة المشاريع المتلكئة’ وهنا مشروعية الاستثناءات التي دفعت رئاسة الوزراء على الاستثناء الذي نجح في الغالب كعمل تنفيذي خارج القانون, حيث العبرة في النتائج اولا وليس بالنصوص (غير المؤسساتية) احيانا كثيرة.
عمليا وكوضع استثنائي، لدينا 227 معمل للقطاع العام و25000 مصنع في القطاع الخاص متوقف منها 2000. في حين كان القطاع الصناعي يشكل 23% من حجم الناتج الوطني (جريدة الصباح /ليوم 26/9/2024). هذا التشوه ينبغي ان يكون له قانون ينعطف به ايجابا ولا يترك للاجتهادات والمعايير التقليدية’ او المصالح الفئوية السائدة كما يرسمها منفذ العملة ورديفه الاستيراد المنفلت والاستهلاكي الذي يشكل السبب الاساس للتشوهات.
ومن هنا تتجلى قيمة المركزية التنفيذية التي لجأت للاستثناءات وخارج اطار الوزارات المتحاصصه ولا تتحمل مسؤلية الفشل المسؤولة عن التلكأ والفشل لاقانونيا ولا سياسيا ولا جنائيا, وانما غالبا يحصر الفشل على رئاسة الوزارة فقط وهنا نقطة ضعف القانون الخاص بالاستثمار, حيث لم يأخذ مداه التنفيذي بحصر الفشل وتحديده بشخص الوزير ومن تعهد به(كفاءة واخلاص)، والاعلان عن ذلك بكل وضوح. اعلاميا او برلمانيا. ولكن التخادم والتحاصص كان ولازال هذه قواعدة, الا ان عملية الاستثناات عن الاصول والقوانين التي تم لي عنقها, لتكون القوانين القديمة والحديثة, هدفها المركزي هو الفساد والراسمال الرمزي لصالح مرجعية الوزير. ولكن هذه طبيعة الامور. فالمركزية التنفيذية رغم ارتهانها الا انها نفذت بشكل اخرس المتلكئين ولا نعلم مع الاسف التنفيذ الفعال لها كنشاط بحصر اسباب التلكأ ونسبته فيما اذا كان بفعل فاعل داخلي اوداعشي، ونسأل هنا عن عالم اخر وهو ملف عقارات الدولة البالغة 31378 مستولى عليها (طريق الشعب ليوم 26/9/2024) سواء بالتخادم او بعقود صورية، الم تكن من ضمن الاستثناء السلبي مجسدا. وهكذا الدور الثالث لامتحانات البكالوريا وغيرها اواعلى منها؟؟ وهكذا العمالة الاجنبية التي بلغت مليون عامل 95% منها غير شرعي, الى هنا كان الاستثناء من خلال عدم الجدية او لاعتبارات ما انزل الله بها من سلطان الفساد وتهرء الاجهزة المعنية, وجميعها استثنائية بشكل فج يتحدى القوانين الرصينة والموروثة.
اذن الخلل من حيث المرجعية اساسا هو الاقتصاد الريعي التخديري’ لتتحول الشرائح السياسية وملحقها الاجتماعي مجرد حديثي نعمة غير شرعية لتذهب للتبذير والمبذرين اخوان. (لم تتمكن اثار الاستقرار التي ولدتها السياسة النقدية من حث السياسة المالية على بلوغ اهداف التنمية والنمو الاقتصادي وتشجيع الاستثمار, وذلك لكون المالية العامة قد صممت على اثار توزيعية لها الغلبة على تعظيم مجالات الاستثمار ودفع التنمية الى مستويات مرغوبة ومؤثرة. وهذا ديدن الاقتصاد الريعي الشديد الاحادية. / د. مظهر محمد صالح / الاقتصاد الريعي المركزي / ص57/ 2013).
وهكذا شل الاستثمار كما نلمسه في احصائيات البطالة. اذ كان الامل في التصنيع بالزراعة الحديثة واحياء التراث الصناعي غير الكمبرادوي وحتى الكمبرادوري.
وفي هذا السياق الريعي شوه المدينة والريف حيث ضاع التوازن. فالتحضر كما حصل عالميا هو نتاج التصنيع, في حين تتم الهجرة من الارياف, ليس بناء على الحاجة للعمالة اذ التصنيع محدود وانقضت علية الريعية الاحادية.
وقد كان مؤدى ذلك ان ازداد عدد سكان الحضر في الاقطار النامية بثلاثة اضعاف معدل نمو سكان الريف (في المتوسط) في خلال العقود الثلاثة الاخيرة. ( د.هوشيار معروف/ تصنيع الريف في الاقطار النامية / ص 18/ 1989).
اذن لا زلنا في مرحلة انتقالية مربكة هشه يستطيع اي متدخل ان ينفذ من خلال مداخل لا تحصر من التهريب الى التواطئ ثم التورط. لذلك ما دام الاقتصاد الريعي قائما متفاقما متعمقا، لا يسعنا الرهان عليه وفق اي انجاز يدور في فلك حاضنته السياسية قائمة لتشكل مع الايام اعراف غير دستورية وقوانين مجرد تكريس للتوافقات. وهذا سر تغييب اهم قانون واخطرها هو قانون النفط والغاز, ليصبح وضع النفط تجارة وتصنيع في مهب الريح, بعجز مزمن متفاقم. (فأن الية السوق في الاقتصاد الريعي تنحى لأن تكون مدمرة للنشاط الاقتصادي القائم ومشوهة لأي تطور لاحق أكثر من كونها محركة ومطورة لنشاط اقتصادي انتاجي ومتوازن. وان السوق في اقتصاد ريعي ينمو بسرعة لم تكن في المحصلة محفزا لنمو القطاع الزراعي, في فترة لاحقة ان لضعف الادارة ولبعض السياسات غير المؤاتية, الاقتصادية والسعرية, نتائج مثبطة. فالعبرة اذا تكمن بعوامل كل من السياسة والاقتصاد والادارة الاقتصادية اضافة للجوانب العلمية والفنية والاجتماعية. (د. كامل عباس مهدي / الدولة والزراعة في العراق / التنمية الحديثة واركود وتأثير النفط /دار المأمون / 2022).
في ضوء ما تقدم لا يعني ان هناك انغلاق او شر قادم فالتجربة العسيرة لاكثر من عشرين عاما, كانت دروسا بليغة. اننا نسير باتجاه لا زال مكرسا لما اصابنا, من استثناءات ايجابية وسلبية, وحسب مستوى الهشاشة والقائمين عليها في السياسة والاقتصاد والقانون.
لذلك فأن الزراعة والصناعة وخدماتها ستبقى مرتهنة بتقلبات ومناهج الريعية النفطية والغازية، والدليل لازلنا بدون كهرباء تغطي احتياجات الصناعة والزراعة المبتلات بشحة المياه. لنعالجها بترقيع ووعود لحد الان, ليرجع السبب اولا للنظام الديمقراطي المتحاصص، بحيث لا يمكن المراهنة على مابعد الاربع سنوات القادمة ما دمنا بدون اتفاق ستراتيجي ورؤية مستقبلية, كما نسمع حتى ما يخص مشروع طريق التنمية اذ لا يحرص الاطراف المعنية بنفس الحرص الذي نعتز به اللهم الا السلطة التنفيذية بشخص رئيسها. من يضمن لي ان اعضاء الكتله الفلانية المعنية مباشرة’ هم يتخذ من طريق التنمية هدفا مركزيا اساسيا لاخروج عليه. كون هذا المشروع لا بديل له ونحن في مستنقع تبعات الريع النفطي.
فالاستثناء وارد ريثما يتم اعداد القانون الجديد للاستثمار, او تعديله بحيث لا تظهر متلكئة ليصبح (امام يشور) بادارة مركزية وحساب وكتاب. فلاستثناء ضروري كعلاج طوارئ وليس سلاح ذو حدين حرام وحلال، لنتوحد عمليا اما تحديات تواجه مشروعنا الاخير اي طريق التنمية، اذ بون الوحدة الوطنية يستحيل الخروج من دائرة الريع الاحفوري وتشوهاته. فأربعة الاف استثناء ليست علامة صحة رغم منجزها النافذ كونه نجم عن ادارة طوارئ وليس وليد برلمان.