بغداد/ محمد العبيدي
يبدي خبراء ومختصون في مجال النفط والطاقة تحفظهم على بعض تفاصيل التعاقد الجديد المبرم بين وزارة الكهرباء العراقية ونظيرتها في تركمانستان لاستيراد الغاز، بسبب جملة عوامل، أبرزها ارتفاع الكلف واستخدام الخطوط الإيرانية لإيصاله إلى العراق، بما يحمله ذلك من تبعات ومشاكل.
وبحسب بيان لوزارة الكهرباء العراقية، فإن التوقيع جاء تتويجًا لجهود فنية مكثفة امتدت لأكثر من عام، تخللتها اجتماعات وزيارات متبادلة، وتوقيع مذكرة تفاهم في العام الماضي.
وتنص بنود الاتفاقية على «تزويد العراق بـ20 مليون متر مكعب يوميًا من الغاز التركمانستاني»، ما يشكل إضافة نوعية لمصادر الطاقة في البلاد، حسب الوزارة.
على هامش الاتفاق، ذكر وزير الكهرباء زياد علي أن «الاتفاق سيساعد في ضمان تزويد محطات توليد الكهرباء بالغاز في العراق بالوقود اللازم»، مضيفًا أن «هذه المحطات تسهم حاليًا بنحو 60% من إجمالي إنتاج الكهرباء في البلاد». ولفت إلى أن «استيراد الغاز يمثل إجراءً مؤقتًا ريثما تكتمل مشاريعنا الوطنية لإنتاج الغاز والوصول إلى الاكتفاء الذاتي والاعتماد الكامل على مواردنا المحلية في غضون السنوات القليلة المقبلة».
وأضاف علي أن «شركة "إكستون إنيرجي" السويسرية ستتولى مسؤولية إيصال الغاز التركمانستاني إلى العراق، عبر استخدام شبكة أنابيب إيرانية، معتمدين على آلية التبادل "Swap"، ما يضمن انسيابية وكفاءة عملية النقل».
أعطال متكررة
وتعلن السلطات العراقية بين الحين والآخر توقف الغاز المستورد من إيران بسبب الأعطال التي تصيب أنابيب النقل، خاصة في فصل الشتاء، كان آخرها قبل أيام قليلة، حيث خسر العراق 7 آلاف ميغاواط من الكهرباء بسبب عطل في أحد الأنابيب.
ويرى الخبير في الشؤون النفطية، حمزة الجواهري، أن «تركمانستان بقي لديها نحو 20% من غازها فقط، بعد أن أبرمت تعاقدات سابقة مع روسيا»، مشيرًا إلى أن «تركمانستان لديها ربط متكامل مع إيران، وستزود العراق بـ20 مليون متر مكعب يوميًا (700 مقمق)، وهي كمية متوسطة ستمثل دفعة إضافية للغاز الإيراني المستورد».
وأضاف الجواهري لـ(المدى) أن «الأعطال التي تصيب الأنابيب الإيرانية عادة تكون بسبب الـ"فروست" (التجمّد)، إثر غياب المعالجة الصحيحة للوقود. لكن مع الغاز التركمانستاني، يجب على الجهات المعنية تفعيل السيطرة النوعية، وإجراء الفحوصات اللازمة للغاز ومدى مطابقته للشروط والمواصفات، وعدم تكرار السيناريو الإيراني، لتجنب حدوث الأعطال في الأنابيب والعدادات».
ولفت الجواهري إلى «وجود تعتيم من قبل الجهات المعنية حول الكلف المادية لتلك التعاقدات، ويبدو أن ذلك تجنبًا للتصويب أو الانتقادات».
أما الخبير النفطي كوفند شيرواني، فقد نبه إلى أن «هناك ثلاثة أطراف للتوريد هي تركمانستان والشركة السويسرية وإيران، ولا نعلم مقدار كلفة هذه العملية على بغداد، خصوصًا أن الأسعار تضاعفت أربع مرات بسبب الحرب الروسية-الأوكرانية وتوقف التوريدات إلى أوروبا الغربية».
وبيّن في تصريح صحفي أن «الغاز التركمانستاني أكثر كفاءة لتشغيل المحطات الكهربائية وأقل تلويثًا للبيئة مقارنة بالنفط الأسود وغيره من الوقود».
استباقًا لتوترات أشد
ويستورد العراق الكهرباء والغاز من إيران بما يتراوح بين ثلث و40% من احتياجاته من الطاقة، وهو أمر بالغ الأهمية، خاصة في أشهر الصيف عندما تصل درجات الحرارة إلى 50 درجة مئوية، ويبلغ استهلاك الطاقة ذروته.
ويعاني العراق من نقص الكهرباء بسبب عدم كفاية إمدادات الوقود لمحطات توليد الكهرباء، مما دفع الحكومة لبذل جهود لتنويع مصادر الطاقة وزيادة واردات الغاز والاستثمار في مشروعات إنتاج الغاز المحلية لتقليل الاعتماد على موردين من الخارج منهم إيران.
بدوره، قال الخبير في الشأن الاقتصادي سرمد الشمري إن «توترات المنطقة، والحرب التي اندلعت مؤخرًا، دفعت الحكومة العراقية إلى التفكير بشكل جدي لتنويع مصادر الطاقة، خاصة وأن الغاز الإيراني يصل إلى العراق بشق الأنفس، بسبب العقوبات الأمريكية، وكذلك الأعطال، وما يتبع ذلك من مشكلات كبيرة».
وبيّن الشمري لـ(المدى) أن «العراق يحتاج في الوقت الراهن إلى التوجه بشكل كبير نحو استثمار الغاز المحلي المصاحب، للانعتاق من مسألة استيراد الغاز، والتقاط الأنفاس، خاصة وأن المنطقة تمر بمنعطف خطير، ويجب توقع كل شيء».
وتخطط الحكومة العراقية لإيقاف حرق الغاز تمامًا مع نهاية سنة 2028 ليكون العراق من الدول المساهمة في تقليل الانبعاثات الحرارية والاستفادة من هذه الطاقة وتوظيفها باتجاه توليد الطاقة الكهربائية والصناعات المختلفة، بحسب تصريحات رسمية.
غاز تركمانستاني بأنابيب إيرانية. هل يضمن استقرار الكهرباء في العراق؟
نشر في: 23 أكتوبر, 2024: 12:52 ص