بغداد / تبارك مجيد
تفاقمت مشكلة الاختناقات المرورية في بغداد مع عودة الجامعات، وعلى الرغم من الحلول الإدارية التي تم اتخاذها كتقسيم أوقات الدوام وتغيير مواعيده، إلا أن الازدحامات المرورية ما زالت تشكل تحديًا كبيرًا. ومع إطلاق الحكومة مشاريع لفك الاختناقات المرورية وصفت بأنها «الأكبر منذ عقود»، يرى مراقبون أنها قد لا تقدم الحلول الجذرية المطلوبة، بل ربما تسهم في نقل الازدحام من منطقة إلى أخرى دون معالجة الأسباب الحقيقية. وفي ظل كثافة أعمال الإعمار التي تشهدها بغداد، لا تزال الجهات المعنية غير قادرة على تحديد الأسباب الحقيقية للاختناقات المرورية أو إيجاد حلول فعّالة.
وافتتح رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني مجسّرين جديدين في ساحتي عدن وصنعاء بمنطقة الكاظمية، شمال بغداد، ضمن سلسلة مشاريع تهدف إلى تخفيف الازدحامات المرورية. وذكر بيان صادر عن مكتب رئيس الوزراء أن هذه المشاريع تأتي ضمن الحزمة الأولى لخطة «فك اختناقات العاصمة»، والتي تتضمن مراحل لاحقة تشمل إنشاء خط مترو.
من جهته، أكد المتحدث باسم وزارة الإعمار والإسكان، نبيل الصفار، أن هذه المشاريع قد حسّنت حركة السير في عدد من التقاطعات المهمة في العاصمة. وأضاف الصفار لـ (المدى)، أن «الوزارة تعمل على منظومة متكاملة من المشاريع، حيث إن كل مشروع يساهم في دعم وتحسين آخر». كمثال، أوضح الصفار أن «جسر الصرافية الثاني يشكل إضافة مهمة لمشروع مجسّر فائق حسن في منطقة الصرافية، مما أسهم في تسهيل حركة المرور بين مناطق المستنصرية والشالجية».
وأشار الصفار إلى أن «الحزمة الثانية من المشاريع ستشمل تطويرات هامة، منها مشاريع على امتداد مطار المثنى، وأربعة مشاريع على محور قناة الجيش، بما في ذلك جسر الجادرية الثاني. هذه المشاريع تهدف إلى ربط جانبي الكرخ والرصافة وتسهيل الحركة في مناطق مهمة مثل سريع القادسية وساحة النسور».
كما أشار الصفار إلى أن الوزارة تتطلع إلى إنهاء عدد من المشاريع قبل نهاية العام الحالي، مثل مشروع تقاطع الدورة – سيدية، ومشروع ساحة النسور الذي يشمل النفق رقم واحد، الذي سيربط شارع الأردن بطريق القادسية.
هل الجسور هي الحل؟
تحدث المهندس سلوان الأغا، المتخصص في شؤون البلديات، حول مشاريع المجسّرات التي أعلنتها الحكومة تحت عنوان «الحزمة الأولى لفك الاختناقات المرورية». وقال الأغا بأن هذه «المجسّرات، على الرغم من أنها تزيد من القدرة الاستيعابية للشوارع، إلا أنها ليست الحل الوحيد لمواجهة التحديات المرورية الناجمة عن الكثافة السكانية والنشاطات المتزايدة في بغداد».
وأوضح الأغا لـ «طريق الشعب»، أن «هذه المشاريع، رغم أهميتها، بحاجة إلى إجراءات إضافية لتعزيز فعاليتها»، مشيرًا إلى أن «الهدف الأساسي من إنشاء المجسّرات هو تحسين الحركة المرورية، وهو أمر يعتمد بشكل كبير على جودة المواصفات والإشراف الفني». وشدد على «أهمية التركيز على الحلول طويلة الأمد التي لا تعتمد فقط على البنية التحتية التقليدية».
كما دعا الأغا إلى تفعيل الطرق الحولية كجزء من الحلول لتخفيف الازدحام داخل المدن، مؤكدًا «أهمية وسائل النقل العامة، مثل المترو الذي كان قد طُرح كفكرة منذ عام 1984، لكنه لم ينفذ حتى الآن».
وأشار أيضًا إلى «أهمية إعادة تنظيم المراكز الإدارية والاقتصادية في مساحات أكبر وأكثر انفتاحًا»، واقترح «تقسيم بعض المؤسسات الحكومية لتسهيل وصول المواطنين إليها، مما سيساهم في تحسين تقديم الخدمات وتقليل الضغط المروري على مناطق معينة».
وأكد الأغا أن «المجسّرات لوحدها ليست الحل الجذري للاختناقات المرورية، وأنه يجب أن تُرافقها حلول شاملة ومتكاملة لتحسين الوضع المروري في العاصمة بشكل مستدام».
وعلّق خبير النقل باسل الخفاجي على مشاريع الحكومة لفك الاختناقات المرورية، مشيرًا إلى أن «إنشاء المجسّرات ليس حلًا فعليًا للازدحام، بل يؤدي إلى نقل المشكلة من منطقة إلى أخرى دون معالجتها بشكل جذري». وأكد الخفاجي لـ (المدى)، «أهمية تنظيم العمل في المشاريع الإنشائية مثل جسر الجادرية، بحيث يتم تنفيذها خلال ساعات الليل لتجنب زيادة الازدحام خلال ساعات الذروة».
كما اقترح الخفاجي تحسين خدمات النقل العام كحل عملي لتخفيف الازدحام، مؤكدًا أن «الاستخدام المفرط للسيارات الخاصة من قبل الطلاب والموظفين يساهم بشكل كبير في تفاقم المشكلة». وأشار إلى «أهمية توفير باصات للنقل العام، خاصة للطلاب، لتقليل عدد السيارات على الطرق».
وفي إطار الحلول الأخرى، دعا الخفاجي إلى تفعيل خدمات النقل النهري في بغداد وإنشاء خطوط مترو، مما سيسهم بشكل كبير في تخفيف الضغط على الشوارع وتقليل الاختناقات. وأوضح أن «السبب الرئيسي وراء استمرار مشكلة الازدحام هو غياب خطة شاملة ومنسقة لمعالجة الوضع المروري بشكل متكامل».
أضرار بيئية!
وساهمت مشاريع فك الاختناقات في تقليص المساحات الخضراء بشكل ملحوظ، إذ تمت إزالة العديد من الأشجار المعمّرة التي يعود عمر بعضها إلى أكثر من 60 عامًا. هذا التصرف أثار استياءً واسعًا بين المهتمين بالبيئة، الذين يرون أن الحلول المقدمة لم تأخذ في الاعتبار التأثيرات البيئية السلبية، مما يفاقم من تدهور المساحات الخضراء ويزيد من التلوث في العاصمة.
وأشار الخبير البيئي صميم فرات إلى أن «حملة إعادة الإعمار تهدف إلى تخفيف هذه الاختناقات، لكن العاصمة لا تزال تعاني من ازدحامات كبيرة». وفي حديث لـ (المدى)، أوضح فرات أن «توقف السيارات في الازدحامات يؤدي إلى احتراق غير كامل للوقود، مما ينتج عنه انبعاثات خطرة مثل ثاني أكسيد الكربون وأحادي أكسيد الكربون، وهما غازان سامّان يتسببان في تشكيل سحابة من التلوث في الطبقات القريبة من الأرض».
وأكد فرات لـ (المدى) أن «السيارات القديمة التي لا تعمل بكفاءة في احتراق الوقود تسهم بشكل كبير في زيادة التلوث البيئي». كما شدد على «أهمية الاستدامة في تصميم الطرق والهندسة البيئية»، داعيًا إلى «الحفاظ على المساحات الخضراء والأشجار أثناء عمليات البناء».
وأشار إلى أنه «في حال كان من الضروري إزالة أشجار أو مساحات خضراء، فيجب أن يتم ذلك بطريقة تراعي الحفاظ على جذورها، بحيث يمكن نقلها إلى مواقع أخرى أو إعادتها لاحقًا إلى أماكنها الأصلية». وأكد فرات على «ضرورة إدماج الاستدامة البيئية كجزء أساسي من أي مشروع تطويري لضمان تحقيق التوازن بين التنمية والحفاظ على البيئة».
مشاريع فك الاختناقات المرورية في بغداد: حلول جذرية أم ترحيل للأزمة؟
نشر في: 23 أكتوبر, 2024: 12:57 ص