د. طلال ناظم الزهيري
في ضوء إعمام وزارة التعليم العالي والبحث العلمي العراقية الأخير الذي يلزم الجامعات العراقية بسحب الاعتراف من معامل التأثير العربي ومعامل التأثير والاستشهادات المرجعية العربية بحجة المحافظة على الرصانة العلمية ويلزمها بالاشتراك فقط بالمؤشرات الرصينة التي تصدر عن [Clarivate] و[Scopus] الأمر الذي يدعونا إلى مناقشة القرار بموضوعية وحيادية بعيداً عن الأسباب والمبررات المعلنة. بداية نقول كيف تم التأكد أن هذه المعاملات ليست رصينة؟ هل أُخضعت للتحقق والتدقيق من قبل فريق وزاري؟ وهل تم التواصل مع المؤسسات التي تشرف على هذه المعاملات للتعرف على المعايير المعتمدة في التقييم؟ كل ظني أن هذا لم يحصل. إذن لماذا هذا السياق اللغوي شديد اللهجة؟ ما الذي سوف تخسره الجامعات العراقية ومجلاتها من التواجد في قواعد بيانات مثل هذه طالما أنها لا تتعارض مع باقي المؤشرات العالمية؟ بالتالي علينا أن نضع أكثر من علامة استفهام على هذا القرار. وطالما الحديث عن الرصانة سأستعرض بعض المعلومات عن المؤشرات العالمية.
بداية مع مؤشر CiteScore من Scopus هو أحد المقاييس التي تستخدم لتقييم جودة المجلات العلمية من خلال حساب متوسط عدد الاستشهادات التي تتلقاها مقالات مجلة معينة خلال فترة محددة. وعلى الرغم من أنه أداة مفيدة في تحديد التأثير الأكاديمي للمجلات إلا أن هناك بعض الانتقادات الموجهة لهذا المؤشر. أحد الانتقادات الرئيسية هو اعتماده على الاستشهادات العامة بدون الأخذ بعين الاعتبار نوع المقالات مثل المقالات الافتتاحية أو الرسائل القصيرة التي قد لا تكون ذات تأثير علمي كبير مثل الأبحاث الأصلية. هذا يؤدي إلى تضخيم غير عادل لأرقام الاستشهاد في بعض المجلات مما يمنحها تصنيفاً أعلى. بالإضافة إلى ذلك لا يأخذ مؤشر CiteScore في الحسبان توزيع الاستشهادات بين المقالات. قد تحتوي بعض المجلات على عدد قليل من المقالات التي تحصد استشهادات كثيرة بينما تحصل غالبية المقالات الأخرى على استشهادات ضئيلة أو معدومة مما يعطي صورة مضللة عن التأثير الحقيقي للمجلة.
من الانتقادات الأخرى التي يمكن توجيهها لـCiteScore هو أنه يضع المجلات متعددة التخصصات في منافسة غير عادلة مع المجلات المتخصصة. المجلات التي تغطي مجالات أوسع قد تحصل على استشهادات أكثر نظراً لتنوع المواضيع مما يعطيها ميزة غير مبررة مقارنة بالمجلات ذات التخصصات الضيقة. في النهاية لا ينبغي الاعتماد عليه بشكل منفرد لتحديد جودة المجلات أو الأبحاث. هناك حاجة إلى استخدام مؤشرات متنوعة وطرق تقييم متعددة لضمان قياس أكثر دقة وشمولية لجودة الأبحاث العلمية.
كما أن مؤشر CiteScore من Scopus لا يمكن فهمه بمعزل عن الأهداف التجارية التي تدفعه نحو الواجهة كأداة تقييم مؤثرة. فمن منظور تجاري تسعى شركة Elsevier المالكة لمنصة Scopus إلى ترسيخ مكانتها كسوق عالمي للبحث العلمي حيث تتيح أدوات مثل CiteScore جذب الجامعات والمؤسسات الأكاديمية للاشتراك في خدماتها. هذا المؤشر يساهم في تحفيز التنافس بين المجلات الأكاديمية مما يزيد من الاستشهادات ويصب في مصلحة النشر العلمي الذي تديره الشركات الكبرى مثل Elsevier.
لكن أخطر ما في الموضوع هو أن مؤشر CiteScore من Scopus يعاني من تحيز لغوي واضح وهو أمر يتجلى في الطريقة التي يتم بها حساب الاستشهادات والنشر العلمي. هذا التحيز اللغوي يؤدي إلى تفضيل المجلات والأبحاث المنشورة باللغة الإنجليزية على حساب اللغات الأخرى مما يساهم في تعزيز عدم المساواة في تقييم المجلات والأبحاث العلمية التي تنشر بلغات غير الإنجليزية. ولعل من أبرز مظاهر التحيز اللغوي في CiteScore هو هيمنة اللغة الإنجليزية للدرجة التي أصبحت فيها هي اللغة السائدة في العالم الأكاديمي والبحثي فإن المجلات العلمية التي تنشر باللغة الإنجليزية تحصل على النصيب الأكبر من الاستشهادات. هذا يضع المجلات التي تنشر بلغات أخرى مثل العربية أو الإسبانية أو الصينية في موقع غير متكافئ في التصنيف بالتالي تتمتع المجلات الإنجليزية بتصنيفات أعلى ليس بناءً على جودة الأبحاث فقط بل بسبب عدد الاستشهادات الناتجة عن النشر في لغة يشيع استخدامها في البحث العلمي الدولي.
كما أن هناك تفضيلًا للمجلات ذات الطابع الدولي التي تنشر باللغة الإنجليزية مما يؤدي إلى تهميش الأبحاث المحلية المنشورة بلغات غير إنجليزية حتى لو كانت ذات أهمية كبيرة في مجتمعاتها أو تخصصاتها. يتم بذلك تعزيز هيمنة اللغة الإنجليزية على حساب التنوع اللغوي في النشر العلمي. نتيجة لذلك غالبًا ما يتم تجاهل الاستشهادات بالأبحاث المكتوبة بلغات غير الإنجليزية في العديد من المجلات العالمية التي تعتمد على قواعد بيانات مثل Scopus. لأن الباحثين يفضلون الاستشهاد بمقالات مكتوبة باللغة الإنجليزية لضمان وصولها لأكبر شريحة من الأكاديميين. وهذا ينعكس سلبًا على المجلات التي تنشر بغير الإنجليزية حيث تقل استشهاداتها وبالتالي تتراجع في التصنيف.
الأمر الذي يدفع الباحثين غير الناطقين بالإنجليزية الذين يكتبون بلغاتهم المحلية إلى أن يجدوا أنفسهم مجبرين على النشر باللغة الإنجليزية إذا أرادوا تحسين فرصهم في الحصول على استشهادات ورفع مكانتهم الأكاديمية. هذا يقلل من توافر الأبحاث المهمة بلغاتهم الأم مما يؤثر على التنوع اللغوي في البحث العلمي.
في سياق متصل مؤشر Impact Factor الذي تصدره شركة Clarivate من خلال قاعدة بيانات Web of Science يعاني أيضًا من تحيز لغوي مشابه لذلك الموجود في مؤشر CiteScore. يؤثر هذا التحيز على طريقة تقييم المجلات والأبحاث العلمية المنشورة بلغات غير الإنجليزية مما يعزز عدم المساواة في التصنيف العلمي بين الأبحاث المكتوبة بلغات متعددة.
وفي ظل التحيز اللغوي الواضح الذي تعاني منه مؤشرات مثل Impact Factor و CiteScore لصالح الأبحاث المنشورة باللغة الإنجليزية تبرز أهمية وجود مقاييس ومؤشرات عربية لتقييم الأبحاث والمجلات العلمية المنشورة باللغة العربية أو في العالم العربي. هذه المقاييس ضرورية لتحقيق العدالة العلمية وضمان تمثيل الأبحاث المنشورة بلغات غير الإنجليزية في الساحة الأكاديمية العالمية.
ولا شك أن وجود مقاييس عربية سوف يعزز الهوية العلمية العربية ويسهم في دعم الأنشطة العلمية للعالم العربي والإسلامي ويُظهر قيمة الإنتاج العلمي في هذه المنطقة. خاصة وأن البلدان الناطقة بالعربية تمتلك تاريخًا طويلًا في البحث العلمي والتعليم ووجود مقاييس عربية من شأنه تسليط الضوء على هذا التراث العلمي وتعزيزه.
ولا يمكن بأي حال نكران أن المجلات التي تنشر بلغات غير الإنجليزية غالبًا ما تحتوي على أبحاث مهمة تخدم الاحتياجات المحلية والإقليمية. على سبيل المثال الأبحاث المتعلقة بالتنمية الاقتصاد أو الطب في العالم العربي قد لا تلقى اهتمامًا كبيرًا على الصعيد الدولي بسبب حاجز اللغة. لكن وجود مقاييس عربية يساعد في إبراز هذه الأبحاث وتقييمها بشكل عادل دون الخضوع للمعايير الغربية.
نحن كباحثين اليوم بحاجة إلى منافسة أكثر عدالة حيث تواجه الأبحاث والمجلات التي تنشر باللغة العربية صعوبة في المنافسة على الساحة الدولية بسبب قلة الاستشهادات والنشر العالمي. بالتالي فإن وجود مقاييس عربية تُعنى بتقييم الأبحاث المنشورة باللغة العربية سيشجع الباحثين في العالم العربي على النشر بلغتهم الأم دون الحاجة إلى الانتقال إلى اللغة الإنجليزية بحثًا عن الاستشهادات أو التقييم العالي. هذا يعزز من ثراء المحتوى العلمي باللغة العربية ويدعم الحفاظ على اللغة كلغة علمية.
مما يسهم في تشجيع التعاون بين المؤسسات الأكاديمية العربية على مختلف الأصعدة. من خلال الاعتماد على مقاييس موحدة تقيس التأثير العلمي للمجلات باللغة العربية يمكن للمؤسسات الأكاديمية في العالم العربي تعزيز الروابط وتبادل المعرفة بشكل أكثر فعالية.
ولعل أبرز النتائج الإيجابية لوجود المقاييس العربية هو في سد الفجوة بين المجلات الدولية والعربية. هذا يعزز من ثقة الباحثين العرب في مجلاتهم العلمية ويشجعهم على النشر محليًا بدلًا من السعي دائمًا للنشر في مجلات غربية قد لا تعكس بالضرورة احتياجات المجتمع العربي.
ختامًا وزارة التعليم العالي العراقية أمام خيارين: الأول أن تتعاطى بإيجابية مع المقاييس العربية ومن حقها التحقق من معاييرها وجودتها والثاني أن توقف النشر باللغة العربية تمامًا وهو أمر صعب وغير مبرر. أتمنى على وزارة التعليم العالي أن تراجع قرارها وإن كنت على يقين أن مصادر القرار لم يكن مبررها الرصانة العلمية بل الخوف من أن تكتفي الجامعات العراقية بنتائجها في المؤشرات العربية وتتجاهل تدريجيًا المقاييس العالمية. وهذا أمر يؤثر على تصنيف الجامعات العراقية في التصانيف العالمية التي تعتمد في مؤشر البحث العلمي على نتائج المقاييس العالمية.
جميع التعليقات 2
باقر
منذ 4 أسابيع
السلام عليكم
د. علي
منذ 4 أسابيع
السلام عليكم ان افضل قرار اتخذته الوزارة هو عدم التعامل مع المؤشر العربي، فهو مؤشر لايقدم ولايؤخر ولايعد انجاز علمي للمجلة.كل دول العالم تعتمد على مؤشرات سكوباس وكلاريفيت ومؤشرات اخرى رصينة وحتى الدول العربية تسعى جاهدة لدخول اكبر عدد من بحوث تدريسييها