ترجمة: عدوية الهلالي
من خلال فيلمهما "فرنسية في كابول"، تتعقب شارلوت إيرليه وماري بيير كامو تاريخ أفغانستان بين عامي 1928 و1980، خلال فترة من الانفتاح والانسحاب الظلامي.
ففي عام 2013، نشرت الكاتبة الفرنسية شارلوت إيرليه رواية (باشا بوش) الصادرة عن دار اكت سود للنشر،وهي رواية تدور أحداثها في أفغانستان. ويحكي العمل قصة فتاة أُجبرت على التنكر كصبي.وبعد فترة وجيزة، ومن خلال الصور والكتابات في الأرشيف، وجدت شارلوت إيرليه نفسها قد عادت إلى الوراء ما يقرب من قرن من الزمان، في الحياة غير العادية لامرأة بريتونية من مقاطعة بريتون الفرنسية متزوجة من أمير أفغاني. ومنذ تلك اللحظة فصاعدًا، لن تتوقف المؤلفة المفتونة بالقصة عن البحث عن طريقة لرواية حياة ونضالات الفرنسية إليزابيث بيلاي في كابول. والنتيجة هي فيلم جديد بعنوان (فرنسية في كابول)، من إخراج ماري بيير كامو ويعرض حاليا في فرنسا.
في عام 1926، التقت إليزابيث بالأمير نعيم ضياء الذي كان ضمن مجموعة من الشباب الأفغان الذين تم اختيارهم للدراسة في أوروبا. بدأ الحب من النظرة الأولى وجاء الزواج لاحقا، وفي عام 1927، وعلى الرغم من نظرة عائلة بريتون الحذرة الى هذا الاختيار، ولكن لا شيء يمكن أن يوقف إليزابيث قوية الرأس، التي سرعان ما تبحر للوصول إلى كابول، عبر قناة السويس والهند. وفي وقت مغادرتها، كان الملك التقدمي أمان الله خان هو الذي يحكم البلاد مع زوجته ثريا ترزي. ولم يكتف أمان الله خان بالحصول على استقلال أمته من التاج البريطاني، بل كان يعتزم تحديث البلاد. وعلى وجه الخصوص، كان يرغب في تمكين تحرير المرأة. وهو نهج لا يروق للدوائر المحافظة.
وعندما وصلت إليزابيث نعيم زياي وزوجها إلى الهند، اندلعت الاضطرابات وأُغلقت الحدود مع أفغانستان. وفي كانون الاول عام 1928، كان على الأمير أن يواجه انتفاضة الشينواري في شرق البلاد ورجال باشا ساكاو الذين كانوا يهددون كابول من الشمال. وفي 14 كانون الثاني 1929، أُجبر أمان الله خان على التنازل عن العرش. ثم استولى باشا ساكاو على السلطة تحت اسم حبيب الله كلكاني وأنشأ نظامًا دينيًا صارمًا. وبالتالي فإن وصول الزوجين الفرنسيين الأفغانيين لا يتم استقباله جيدا، إذ تأخذ القصة الجميلة للمرأة البريتونية الشابة والأمير منعطفًا مختلفًا تمامًا عما كان متوقعًا، حيث لم يعد نعيم زياي جزءًا من الطبقة الأرستقراطية الحاكمة واضطر إلى الاكتفاء بالعمل كموظف حكومي.
وتكمن ميزة فيلم (فرنسية في كابول) في سرد تاريخ أفغانستان بين عامي 1928 و1980 من خلال الوجود المذهل لامرأة ملتزمة ومتطوعة، وهي رحلة يتأرجح بندولها بين فترات الانفتاح على العالم ومراحل الانسحاب إلى الذات التي تدفع فيها المرأة الثمن الباهظ.انها لحظات "يُفعل فيها كل شيء لمحوها"، كما تقول إليزابيث نعيم زياي.
ومن خلال الاستعانة بالصور الأرشيفية، تروي شارلوت إيرليه وماري بيير كامو الجهود المستمرة التي بذلتها إليزابيث نعيم زياي لصالح تحرير المرأة الأفغانية. ففي عام 1929، هُزم باشا سقايو ثم أُعدم، وتولى نادر خان ابن عم أمان الله خان السلطة تحت اسم نادر شاه. ورغم أنه كان يؤيد الإصلاحات، إلا أنه لم يكن ينوي تنفيذها على عجل. وعلى أية حال، لن يكون لديه الوقت، إذ اغتيل عام 1933، وورث ابنه محمد ظاهر شاه سلطة لا يريدها. وكان رئيس الوزراء عمه محمد هاشم خان الذي شغل منصبه حتى عام 1946.
كانت المرأة البريتونية محاصرة بالملل، وبعد ان أصبحت أما لصبي اسمه حكيم،وفتاة اسمها صوفيا، كانت قد بدأت تشك في اختياراتها. وتقول: "أرتدي الشادري وأخضع له، ولكن لا أستطيع التعود عليه". وفي عام 1934، سنحت لها الفرصة أخيرًا. فمن أجل الانضمام إلى عصبة الأمم، كان يتعين على البلاد أن تظهر بعض علامات الانفتاح، ثم قرر الملك زاهر إعادة فتح مدرسة البنات التي أنشأتها الملكة ثريا عام 1921، وتحويلها إلى مدرسة للتمريض. وكانت الفرصة المثالية بالنسبة لإليزابيث التي تتحدث اللغة الدارية، فتصبح معلمة هناك، وتكتب: "أمام طلابي، أعيش مرة أخرى".
وبعد أربع سنوات، ذهبت أبعد من ذلك بتوقفها عن ارتداء الحجاب. وفي مشهد نادر، نراها تشرح ذلك عام 1968 لمراسل فرنسي مشهور هو جوزيف كيسيل.. وبعد ذلك، لن ترتدي الحجاب مرة أخرى أبدًا وستصبح أكثر انخراطًا كل يوم في الدفاع عن حقوق المرأة، ففي عام 1943، أنشأت معهد المرأة بمباركة سرية من السلطات. وفي عام 1946، عند انضمام البلد إلى الأمم المتحدة، تولى ظاهر شاه السلطة وعين أحد أعمامه رئيسًا للوزراء: شاه محمود. لقد كانت بداية فترة رائعة من الانفتاح، قررت خلالها إليزابيث نعيم ضياء، بالإضافة إلى تعزيز الأنشطة الثقافية بين النساء، افتتاح أول صالون تجميل في كابول في الوقت الذي تمت فيه ترقية زوجها إلى منصب وزير المناجم. لم تكن الأمور تتحرك بسرعة، ولكنها كانت تتقدم إلى الأمام.
وبعد عشر سنوات، في عام 1958، أجرى رئيس الوزراء محمد داود خان مكالمة هاتفية مع إليزابيث ليقترح عليها أن تذهب ابنتها صوفيا إلى العمل بدون شادري، إذ كانت والدتها، المعروفة في البلاد، تتجول منذ سنوات دون حجاب وهي فرنسية. وكتبت إليزابيث عن ذلك قائلة: "صوفيا فخورة جدًا باختيارها لافتتاح رحلة التحرير". لن تكون هناك أعمال شغب وسينتشر الخبر في جميع أنحاء المدينة مثل رياح الحرية. وهكذا تبدأ النساء في الكشف عن أنفسهن، بتشجيع من رئيس الوزراء داود الذي طلب من زوجته وكبار الشخصيات الأخرى الظهور ووجوههن مكشوفة خلال احتفالات الاستقلال، ويتم سجن التقليديين في قندهار من الذين يطالبون بإسقاط الحكومة.
وهكذا كان عام 1959 بمثابة بداية فترة من الانفتاح الذي لا مثيل له. وسوف تصبح كابول لبعض الوقت مدينة عصرية يقصدها العديد من السياح الغربيين. ولكن في أفغانستان، يبدو تأرجح بندول التاريخ في بعض الأحيان غير قابل للتغيير. لقد عادت إليزابيث إلى فرنسا عام 1980، بعد الغزو السوفييتي. وتوفيت في عام 1994، ولا يسعنا إلا أن نتخيل ما كان يمكن أن تفكر فيه لو شهدت مايجري في أفغانستان اليوم!
فيلم (فرنسية في كابول) يروي قصة تحرر المرأة الأفغانية في زمن الانفتاح
نشر في: 24 أكتوبر, 2024: 12:10 ص