بغداد/ تميم الحسن
أنضم حيدر حنون، الرئيس السابع لهيئة النزاهة، إلى مصير أسلافه الذين جميعهم - دون استثناء - غادروا المنصب بـ"شكل قسري".
كلّف رئيس الوزراء، محمد شياع السوداني، يوم أمس، محمد علي اللامي رئيساً لهيئة النزاهة، خلفاً لحنون، الذي قرر تعيينه مستشاراً في وزارة العدل.
وكان حنون قد تم التحقيق معه، في الشهر الاخير، باهتمامات حول "تسريبات صوتية" تتعلق بقضايا رشى، عقب تصريحات مثيرة للأخير بخصوص مايعرف بـ"سرقة القرن".
ولا تملك لجنة النزاهة في البرلمان، حتى الان معلومات حول القضية، كما لم تعط تفسيرا عن أسباب "النهايات الغامضة" لرؤساء الهيئة.
وكان 6 رؤساء للهيئة، سبقوا حنون، تركوا المنصب بعد جدل وشكوك، واتهامات بالفاسد، فيما أحدهم قتل بحادث سير، ورجح بانه مدبر.
وعين السوداني، حنون مستشاراً بدرجة خاصة في وزارة العدل لخبرته القانونية والقضائية، وذلك بعد تصويت مجلس الوزراء بالموافقة على قرار التعيين.
وكان معلومات قد تداولت عن إن موعد محاكمة رئيس هيئة النزاهة بالوكالة حيدر حنون، سيكون يوم الثلاثاء (أمس الاول)، أمام محكمة جنح الكرخ.
ويواجه حنون، وفق تلك المعلومات، ثلاثة دعاوى أمام محكمة جنح الكرخ، إضافة إلى محاكمة ثانية يوم الأربعاء (أمس)، أمام محكمة جنايات الكرخ عن دعوتين.
وقد يحكم على رئيس النزاهة، عليه بـ"السجن" بسبب الدعاوى الخمسة المرفوعة ضده.
وتسرب للإعلام، في 7 تشرين الأول الحالي، أن محكمة تحقيق الكرخ، أصدرت أمر قبض بحق رئيس هيئة النزاهة حيدر حنون، بعد أن قررت فتح تحقيق معه بخصوص تلقيه رشى، وفق تسريب صوتي منسوب إليه.
وسبق أن تلقت محكمة تحقيق الكرخ الثالثة في 11 أيلول الماضي، طلباً من رئيس مجلس القضاء الأعلى فائق زيدان، بإجراء التحقيق بخصوص التسجيلات الصوتية المنسوبة إلى رئيس هيئة النزاهة بالوكالة حيدر حنون التي تتضمن جرائم تقاضي رشى.
وكان حيدر حنون، قال في أيلول الماضي، خلال مؤتمر صحفي عقده في أربيل، إن قاضي محكمة تحقيق الكرخ المختصة بالنزاهة، ضياء جعفر، يحتجز موظفين "لتشويه سمعتي"، ملمحًا إلى "تستره" على قضايا تتعلق بنور زهير، حيث "اختفت" حين وصلت عنده.
لحظة تكليف حنون
واعتبر مجلس القضاء، ما أدلى به حيدر حنون في مؤتمرين صحفيين "مجرد ادعاءات غير صحيحة القصد منها تضليل الرأي العام وكانت رد فعل لاتخاذ الإجراءات القانونية بحقه عن موضوع قطعة الأرض المخصصة لدائرة التسجيل العقاري في ميسان".
وكان السوداني قد كلف حنون برئاسة هيئة النزاهة في 2022.وحنون كان يعتبر قيادي في منظمة (بدر) بزعامة هادي العامري، حَسَبَ ما تم تداوله حينها في الإعلام.
وانتشرت آنذاك، صور على المنصات الإلكترونية تظهر حنون وهو مرشح عن "تحالف الفتح" الذي يتزعمه العامري في انتخابات 2018.
وعقب تكليفه بالمنصب، سرت شائعات حول اتهامه سابقا بالفساد، لكن مجلس القضاء نفى ذلك في بيان رسمي.
في الأثناء ينفي باسم خشان، وهو عضو في لجنة النزاهة في البرلمان علمه بـ"إعفاء حنون" من منصه. خشان استغرب في اتصال مع (المدى) من "خبر اقالة حنون ومن ثم تعينه مستشاراً في وزارة العدل"، وقال "إذا كان فاسدا كيف يتم تعيينه بمنصب آخر رفيع؟".
واعتبر خشان التسريبات الصوتية المنسوبة لرئيس النزاهة، بانها "مزيفة".
بينما لم يقدم خشان أي تفسير واضح لـ"الاسباب الغامضة" في نهاية عمل كل رئيس للنزاهة.
وكان حنون قد انضم في 2022 إلى الهيئة العليا لمكافحة الفساد، المعنية بـ"استرداد أموال البلاد المنهوبة"، التي يرأسها أبو علي البصري رئيس جهاز الأمن الوطني.
والعام الماضي، أصدرت "هيئة النزاهة" مذكرات اعتقال بحق أربعة مسؤولين كبار في الحكومة السابقة، بمن فيهم وزير المالية السابق علي علاوي.
وقال القاضي حيدر حنون، إن العراق سيسعى للحصول على نشرات حمراء من الإنتربول وتسليم المشتبه بهم.
نهايات غريبة
وجاء تكليف حنون بالمنصب، بعد استقالة علاء الساعدي، الذي عدّ مقرب من نوري المالكي، زعيم دولة القانون.
وكان الساعدي، قال في بيان التنحية بان قرر الاستقالة على خلفية "حملات التشويه والتشهير الذي تعرضت لها الهيئة".
وجاء تكليف الساعدي في 2020، وهي المرة الثانية بعد تعينه اول مرة في 2011 بنفس المنصب، عقب نهاية مأساوية لسلفه القاضي توفيق عزت، الذي مات بحادث سير.
ودارت شكوك في أن يكون الحادث المروري الذي تعرض له القاضي الاخير بين محافظتي دهوك وأربيل، كان مدبراً، خصوصا وانه جاء في توقيت يستعد فيه عزت لكشف عدة ملفات فساد.
وجاء الحادث كذلك بعد أسابيع قليلة من تفعيل رئيس الوزراء السابق عادل عبد المهدي المجلس الأعلى لمكافحة الفساد، وتعد هيئة النزاهة طرفا أصيلا فيه، وإعلان القاضي عزت وجود 40 مفصل في الدولة يشوبه الفساد.
وعين القاضي عزت في النزاهة عام 2009، وكلف مرتين برئاسة الهيئة، الأولي في عام 2011، بعد ابعاد رئيس الهيئة السابق رحيم العكيلي عن المنصب والحكم عليه بـ7 سنوات غيابيا، والمرة الثانية في حزيران 2018، بعد أن اعلن سلفه حسن الياسري استقالته من المنصب.
اعترف حسن الياسري، وهو اخر رئيس للهيئة قبل القاضي عزت، بانه استقال من منصبه لأنه "يأس" من مكافحة الفساد في العراق.
وكان القاضي موسى فرج، قد ترك منصبه أيضا بدون اسباب واضحة في 2008 وطلب إحالته على التقاعد وانعزل في مدينة السماوة.
كذلك كان الرئيس الأول للنزاهة القاضي راضي الراضي، قد هرب من العراق بعد 3 سنوات من رئاسة الهيئة، بعد اتهامات وجهت له من قبل المالكي في عام 2007.
وقال المالكي في حنيها أنه (الراضي) "قد يقوم ببعض الأعمال وربما كان قد اخفى بعض الأوراق أو تلاعب ببعض الأوراق قبل أن يغادر لكن كل هذه ستكون تحت متابعة وملاحقة الحكومة العراقية والقضاء العراقي لاستقدامه وإعادته للعراق لمحاكمته بموجب الاتهامات الموجهة له".
وغالبا ما تتهم هيئة النزاهة بانها "أداة سياسية" بيد الحكومة. وتتصارع الأحزاب للسيطرة على هذا المنصب تحت ذريعة المحاصصة والاستحقاق الانتخابي.
دولة موازية!
في غضون ذلك، عد الأكاديمي والباحث في الشأن السياسي احسان الشمري، النهايات الغريبة لرؤساء هيئة النزاهة بانه "أمر ملفت".
وعزا الشمري في اتصال مع (المدى) حدوث تشابه في مصير رؤساء الهيئة إلى أن منظومة الفساد بالعراق بعد 2003، أكبر من الهيئات الرقابية، وأصبحت رديفة للدولة، وتمتلك أدوات وغطاء سياسي".
وأضاف "بالتالي هذه الجهات الرقابية ومنها، هيئة النزاهة، تصطدم بالدولة الموازية، ثم لن يستطيع اي من الرؤساء السابقين من حماية أنفسهم".
وقال الشمري وهو أستاذ السياسات العامة في جامعة بغداد، أن "بعض رؤساء الهيئات كانوا جادين بمحاسبة الفساد، لكن اصطدموا بهذه الإرادات السياسية".
واعتبر الشمري أن بنية النظام، والأطراف التي شاركت في تأسيس النظام السياسي، متخادمة بقضايا الفساد، لذا تجد نفسها "أعلى بكثير من هذه المؤسسات الرقابة".
وأشار الشمري وهو يرأس أيضا مركز التفكير السياسي، إلى "خضوع الهيئة للمحاصصة، وفي قضايا كثيرة لا تتمكن الحكومة من حمايتها، خصوصا إذا اصطدمت ببعض الملفات الحساسة".
وتابع الشمري "لذلك لا يمكن مع هذه البيئة الفاسدة أن يجد رؤساء الهيئة أنفسهم قادرين على محاربة الفساد، لذا يضطر الكثير منهم إلى الاستقالة، أو يتم اعفاءه، نتيجة اطلاعهم على ما يدور في البلاد".