حازم مبيضين تؤشر التحولات الأخيرة في الساحة التونسية، إلى محاولة حزب زين العابدين بن علي التمسك بقيادة الدولة، والاستمرار في الحكم، رغم ثقته بأنه مرفوض جماهيرياً، بدليل أن رئيسي الجمهورية فؤاد المبزع والوزراء الانتقالي محمد الغنوشي استقالا من صفوفه، وأعلنوا البراءة من الرئيس السابق، الذي يبدو أنه غادر على أمل الاستمرار من خلال نفوذ الحزب،
ممثلاً بالأشخاص الذين رافقوا مسيرته، التي استمرت ثلاثة وعشرين عاماً من القهر والاستبداد والنهب المنظم، أو من خلال رجال الأمن الذين كان يعتمد عليهم، والذين يبدو أنهم انقلبوا عليه في اللحظة الأخيرة، بأمل الاحتفاظ بالمكاسب الحرام التي جنوها إبان خدمتهم له ولأفراد أسرته وأقارب زوجته.رئيس الجمهورية المؤقت ليس بريئاً من كل الارتكابات التي حدثت في تونس، فقد كان رئيساً للمجلس النيابي ومعتاداً على البصم لرئيسه، وتبرير كل قراراته مهما كانت بعيدة عن الدستور، ولا رئيس الحكومة المؤقتة الذي استمر عقداً من الزمان رئيساً لحكومة بن علي، وهو اليوم يحاول التبرؤ من كل التجاوزات التي حدثت إبان تلك الفترة، باعتبار أنه لم يكن يملك خياراً غير ذلك، فان كان الرجلان صادقين في زعمهما عدم امتلاك القدرة على قول كلمة الحق عند السلطان الجائر، فإنهما لا يستحقان الاستمرار في موقعهما، أما إن كانا كاذبين فهما يستحقان المحاكمة مثل رئيسهما الذي هرب مؤقتاً من مصيره عندما اكتشف أنه بات محتوماً.الوزراء القدماء الجدد كانوا شركاء لبن علي في الحكم، والوزارة الانتقالية التي يقودها الغنوشي، ليست أكثر من نسخة عما كان سائداً في العقدين الماضيين، وقد غادرها مبكراً ممثلو النقابات، وظل فيها ممثلون لاحزاب كانت تنشأ تحت راية حزب بن علي للتمويه بأن في تونس تعددية سياسية، وهؤلاء الوزراء لايستحقون البقاء في مواقعهم، ولعل هؤلاء مع رئيسيهم كانوا يفكرون بالتخلص من بن علي، بعد أن تحول عبئاً على حزبه، وبعد أن نقل مركز الثقل في الدولة من الحزب الحاكم، إلى العائلة التي استسهلت تجاوز القوانين، واستمرأت عمليات النهب المنظم للمال العام، ونشرت نفوذها في كل مناحي الحياه. حين جاء بن علي للحكم على أنقاض الحبيب بورقيبه، بعد استسلامه لنزوات زوجته وسيلة التي طلقها قبيل عزله بفترة وجيزة، فإنه جدد شباب الحزب، الذي ظل جاثماً على صدور التونسيين منذ استقلالهم عن فرنسا، ولعل المخاوف اليوم أن يكون أعوان الرئيس المخلوع تركوا الحراك الشعبي الاخير حتى وصل ذروته، فتحركوا ليضربوا ضربتهم، فأقصوا زين العابدين في حركة ما تزال غامضة، ورحلوه من البلاد وثبّتوا سلطة حزبهم مجددين لشبابه، على أمل استمرار سيطرتهم رغم عدم رضى الجماهير التي ضحت بالكثير للتخلص منهم. ولعلهم بذلك يستنسخون تجارب حزبية عربية أخرى، ابتدأت بانقلاب جمال عبد الناصر على رئيسه محمد نجيب، ويبدو أنها لم تنته بانقلابات صدام حسين على رفاقه في البعث وأولهم رئيسه وولي نعمته أحمد حسن البكر.والسؤال اليوم، هل تسمح جماهير تونس بسرقة انتصارها الذي سالت من أجله الدماء؟ والجواب في ظني بالنفي، لأن الحراك ما يزال مستمراً في الشارع، وهو الأصل، وعند النخب السياسية التي تواجه حرجاً غير مسبوق إن هي شاركت في اللعبة التي نصلي كي لاتنطلي على أحد، ونتمنى أن يكون بمقدور التونسيين الاستمتاع بمشموم الياسمين في بلد محكوم بالديمقراطية والتعددية والشفافية واحترام حقوق الانسان.
فـي الحدث :لن يسرقوا ثورة الياسمين

نشر في: 19 يناير, 2011: 06:03 م