TOP

جريدة المدى > عام > موسيقى الاحد: مالر في المرآب

موسيقى الاحد: مالر في المرآب

نشر في: 27 أكتوبر, 2024: 12:01 ص

ثائر صالح
مررت بتجربة فريدة وغريبة أثناء زيارتي لندن قبل نحو شهر لحضور حفل فرقة الفيلهارمونيا اللندنية المعروفة وهي تقدم سيمفونية غوستاف مالر الثانية المعروفة بسيمفونية القيامة (Resurrection). ترجلت من الحافلة ذات الطابقين في منطقة پكهام في جنوب لندن لأجد نفسي في منطقة شعبية، حيث لا حدود بين الرصيف والشارع تعج بالسابلة والسيارات والدراجات في فوضى ملونة. المنطقة أقرب إلى مدينة أفريقية في الحقيقة، إذ ينحدر نصف سكانها من القارة السمراء، بالخصوص من نيجيريا.
بحثت عن مكان الحفل الموسيقي فإذا به بناية كانت مرآب سيارات من عشرة طوابق جرى تحويله إلى مركز ثقافي، تغطي مدخله رسوم الغرافيتي. وجدت صفاً من الناس الراغبين في الدخول فوقفت خلفهم، فجاء أحد العاملين في البناية على الفور يسألني إن كنت قد جئت لحضور الحفلة ويدعوني للدخول دون انتظار، إذ "فضحتني" ملابسي التي لم تكن رسمية حتى.
صعدت الطابق الأخير أنتظر بدء السيمفونية، تمتعت خلال ذلك بالنظر إلى مركز لندن من هذا المكان المرتفع. نظمت في الطابق قبل الأخير كراسي حدائق عادية أمام مكان جلوس الفرقة دون أرقام، وغطي الجزء المطل على الخارج عند "المسرح" بقماش سميك وكذلك الأجزاء القريبة من الصفوف الأولى.
تنظم مؤسسة (BOLD TENDENCIES) غير الربحية مختلف النشاطات الثقافية، وبدأت بتنظيم العروض الحية خارج النمط التقليدي ارتباطاً بعلاقة الجمهور بالمكان (المرآب الكونكريتي) وبالمؤدي وحتى بالمقعد الذي يجلس عليه. المشكلة هي السقف الواطئ للبناية المبنية من الكونكريت المسلح، فهي غير مناسبة لمثل هذه الحفلات من حيث المبدأ. عدد العازفين في اوركسترا الفيلهارمونيا هو مئة وتسعة عشر عازفاً، وعدد أعضاء كورس الفيلهارمونيا مئة وقفوا خلف الجمهور في مواجهة الأوركسترا وهي تجربة مثيرة تثير الشعور بتقنية (surround sound). كانت قوة الصوت كبيرة جداً بسبب السقف الواطئ، كبحت غالباً صوت القطارات المارة مبعدة عشرات الأمتار من المرآب، وصوت زوار البار في الطابق الأعلى وهم يتمتعون بمساء دافئ من أيلول. وقد استعمل العديد من الموسيقيين سدادات الأذن لحماية سمعهم من الموسيقى المنبعثة من قسم النحاسيات خلفهم.
قادت الأوركسترا موسيقية شابة من اليونان هي نَفَلي خادولي، من تلاميذ قائدة الأوركسترا الأمريكية المعروفة مارين آلستروب التي تقود فرقة الفيلهارمونيا كقائد ضيف هذا الموسم، وهي تعمل الآن في برلين ودريسدن بألمانيا. اشتركت في الغناء المتزوسوبرانو الأمريكية من أصول أفريقية ناتالي لويس والسوبرانو الإنكليزية الشابة ألّا تايلر. بدأت الأمسية بقراءة نص مسجل "الوطن" يدور حول الآخر، المساواة والتمييز والعنصرية.
بدأ غوستاف مالر كتابة هذا العمل الضخم سنة 1888 في بودابست وأكمله في هامبورغ وقدم العرض الأول سنة 1895 في برلين. يتألف العمل من خمس حركات، كتبه لأوركسترا فيلهارمونية كبيرة معززة بعشرأدوات هورن فرنسي وعشر أدوات ترومبيت (عدد منها خارج المسرح) وقسم إيقاع موسع ونواقيس. وهي من أعماله المحبوبة التي حققت نجاحاً ملموساً أثناء حياته.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

زوجان في رقصة الحياة

هـيـثـم بـهـنـام بـردى: تربت ذائقتي القرائية على النهل من عيون القصة والرواية العالمية والعربية والعراقية معا

رحلة (آوا) السنغالية إلى المحرقة في رواية (لصوص الأرواح)

موسيقى الاحد: مالر في المرآب

الحلاج شاعراً

مقالات ذات صلة

(الاستفزاز) مفتاحا في بناء التجربة الفنية
عام

(الاستفزاز) مفتاحا في بناء التجربة الفنية

خالد خضير الصالحييتخذ حيدر السعد (الاستفزاز) مفتاحا في بناء تجربة معرضه (ZION) الذي اقامه في جاليري حامد سعيد اوائل اكتوبر 2024، فهو يستفز المتلقي بدءا من عنوانه (الصهيونية) الذي يفترض به ان يخلق احتمالا...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram