بغداد / تبارك المجيد
تواجه محافظة الديوانية تحديات كبيرة على مستوى الخدمات الأساسية، إذ يشكو سكانها من سوء التخطيط وضعف الإدارة المحلية، ما زاد من تردي مستوى المعيشة في ظل شح المياه وتفاقم الأزمات الاقتصادية. ورغم الوعود بتحسين الأوضاع، يظل الفساد وضعف الإدارة حجر عثرة أمام إنجاز المشاريع الحيوية التي تحتاجها المحافظة.
محمد جاسم، وهو صحفي في الديوانية، يوضح أن المحافظة، التي تقع في وسط جنوب العراق ويبلغ عدد سكانها حوالي مليون وثلاثمائة ألف نسمة، تُعرف بكونها منطقة زراعية يعتمد 65% من سكانها على الزراعة كمصدر رئيسي للعيش، نظراً للأراضي الخصبة والموارد المائية المتوفرة. ومع ذلك، يشير جاسم لـ(المدى) إلى أن «الديوانية تعاني من نقص حاد في الخدمات الأساسية، بما في ذلك الكهرباء والمياه والرعاية الصحية والتعليم، بالإضافة إلى الحاجة الملحة لتطوير الطرق والمواصلات، مما يزيد من معاناة السكان، خاصةً في المناطق الريفية».
ويضيف جاسم، أن «الموازنة التي تخصصها الحكومة العراقية للمحافظة غالباً ما تكون غير كافية لتلبية احتياجات السكان، مع ضعف إدارة الأموال وتوزيعها، حيث يشكو المواطنون من أن الأموال التي تصل للمحافظة لا تساهم في تحسين الخدمات أو تطوير المشاريع بشكل ملحوظ، مما يفاقم من تردي مستوى المعيشة».
أسعد الجنابي، من سكان منطقة غماس والمشارك في الاحتجاجات المطالبة بتحسين الخدمات، يصف الوضع في الديوانية بـ«المنكوب». ويشير لـ(المدى)، إلى أن «المحافظة، بطابعها الزراعي، لا تعكس هذا الوصف بسبب نقص المياه الحاد الذي يعاني منه الفلاحون، إلى جانب مظاهرات الخريجين المطالبين بفرص العمل واحتجاجهم على المحسوبية في توزيع الوظائف». ويوضح الجنابي أن المشاريع المتعثرة، مثل مشاريع الجسور والشوارع التي تنفذها شركات مثل «نور الأفق»، تتميز بجودة تنفيذ متواضعة، متسائلاً عن المخصصات المالية وأوجه صرفها، في ظل مشاريع دون مستوى الطموح، ويؤكد أن هذه المشاريع «موزعة وفق رؤى الأحزاب والكتل السياسية دون مراعاة للجدوى الفنية أو الاقتصادية».
ويضيف الجنابي أن المحافظة، رغم امتلاكها لأراضٍ زراعية خصبة، تواجه أزمة شح المياه، مما دفع العديد من المزارعين لترك الزراعة وتحويل أراضيهم إلى أراضٍ تجارية وسكنية للحصول على دخل مادي لعائلاتهم. وتعتمد الديوانية بشكل رئيسي على زراعة المحاصيل الأساسية مثل الرز والقمح، ولكن الحكومة حظرت مؤخراً زراعة هذه المحاصيل بحجة نقص المياه، مما فاقم الأزمة الاقتصادية، في ظل نقص المصانع التي تستقطب الأيدي العاملة وندرة الوظائف العامة، الأمر الذي زاد من الضغط على القطاع الزراعي الضعيف أساساً.
وبحسب عضو مجلس المحافظة إياد الميالي، الذي أوضح في حديثه لـ(المدى) أن هذه القضايا تتجلى بشكل خاص في تعثر المشاريع الوزارية والمحلية. يُعد مشروع مجاري الديوانية، الذي بدأ في عام 2012، نموذجاً واضحاً للتعثر، حيث توقفت أعماله رغم الوصول إلى نسبة إنجاز تتراوح بين 70-75%. وقال الميالي إن هذا التلكؤ أثر سلباً على البنية التحتية، حيث بقيت شوارع المحافظة محفرة وغير صالحة للاستخدام. وقد أُحيل المشروع أولاً إلى شركة «الرافدين»، ثم نُقل إلى شركة «نور الأفق»، غير أن العمل لا يزال غير مكتمل، إذ تم إنجاز بعض الأحياء بينما ظلت أخرى متوقفة.
وتتضمن المشاريع المتوقفة أيضاً المجسر الجمهوري، المتعثر منذ أكثر من عشر سنوات، وكذلك المجمعات السكنية في الحمزة، الشامية، عفك، ومركز المحافظة، التابعة لوزارة الإسكان. وذكر الميالي أنه تم إحالة 42 حياً سكنياً في مركز المحافظة إلى شركة واحدة، معتبراً أن هذه الخطوة كانت «خطأً كبيراً»، إذ باشرت الشركة أعمالها بمعدات قليلة وببطء شديد، وسط غياب سيطرة الحكومة المحلية على المشروع.
من جانب آخر، أشار الميالي إلى مشكلات الإدارة المحلية، إذ تعاني الديوانية من عدم استقرار إداري في إدارة الملف الخدمي نتيجة التغييرات المتكررة لمديري البلدية، وهو ما اعتبره الميالي مؤشراً على ضعف قرارات المحافظ وتدخلات من أعضاء مجلس المحافظة. هذا الوضع، وفق الميالي، يترك آثاراً سلبية على أداء الدوائر الخدمية الأخرى مثل مديرية المجاري التي تفتقر إلى الموارد والإمكانيات الضرورية، بينما تذهب الإيرادات المحلية إلى الخزينة العامة، مما يحرم المحافظة من موارد كانت قد تسهم في تحسين الخدمات.
وبحسب عضو سابق في مجلس المحافظة ومستشار في المجال الخدمي، فإن المدينة تعاني من التهميش والإخفاق بسبب ضعف المطالبة من المسؤولين المحليين لدى الحكومة المركزية. ويضيف لـ(المدى) أن المحافظة، رغم كونها من الأكثر فقراً، لا تشهد تحركات جادة لتطوير البنية التحتية أو تحسين الخدمات.
ويشير إلى أن أحد أكبر التحديات هو غياب المطالبة بحقوق المحافظة، سواء من ممثليها في الحكومة أو المسؤولين المحليين، حيث تظل المشاريع الخدمية والتنموية دون المستوى المطلوب. فعلى سبيل المثال، مشاريع المجاري والتبليط، التي بدأت منذ سنوات، لم تكتمل، والشركات التي تعاقدت معها الوزارة المعنية تفتقر للقدرة التنفيذية، مما جعل الديوانية «مكاناً للشركات الفاشلة».
كما يؤكد أن «هناك استهانة واضحة بالمحافظة، فلو كان هناك صوت قوي من ممثلي الديوانية لما استمر هذا التجاهل، حيث توقفت مشروعات هامة مثل المستشفيات، ومدينة رياضية، ومشاريع المياه، وحتى المدارس التي إما هُدمت لإعادة بنائها دون تقدم أو بقيت على حالها المتردي».
ويضيف أن غياب التخطيط أدى إلى تنفيذ المشاريع بشكل عشوائي دون كفاءة، مما يجعل المدينة تعتمد على الاجتهادات الفردية بدلاً من الخطط طويلة الأمد. وينوه إلى انتشار الفساد في جميع أنحاء المحافظة، وأنه لم تُتخذ حتى الآن أي إجراءات لمحاسبة المسؤولين الفاسدين، في وقت تحتاج فيه الديوانية إلى متابعة دقيقة ومحاسبة جادة للمقصرين، خاصة مع ما تعانيه من نقص في الخدمات.
ويشير إلى تدهور الزراعة في الديوانية بسبب نقص المياه، ما جعل المحافظة غير قادرة على توفير مياه الشرب، فضلاً عن دعم الزراعة. ويضيف أن الحل يكمن في توحيد جهود المسؤولين المحليين والنواب، مشيراً إلى أن ممثلي المحافظة يركزون على الطلبات الفردية بدلًا من المطالب العامة، مما يزيد الوضع سوءاً إذا لم تتوحد المطالب بحقوق الديوانية.
الفساد وسوء الإدارة يعمّقان أزمة الخدمات في الديوانية
نشر في: 29 أكتوبر, 2024: 12:09 ص