TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > حول البطالة المستدامة في الديمقراطية الريعية

حول البطالة المستدامة في الديمقراطية الريعية

نشر في: 30 أكتوبر, 2024: 12:02 ص

ثامر الهيمص

اذا تحدثت له عن تجربة مفيدة في ايران مثل الخدمة المصرفية الواسعة،, ونظام البطاقة الصحية، وخدمات البلدية في نظافة المدن، او اي شئ اخر، فأنه يسارع لقلب الامر لنقاش ( فلسفي) وهو يصرخ بوجهك: هل تريد للعراق ان يتحول الى لايران؟ فيميع المطلب, ويضيع الخبرة التي تنطوي تجارب البلدان, بمثل هذه السفاسف والعبث., واذا تحدثت عن تجربة ناجحة في تركيا, كواقع المدن الصناعية وقانون حماية المنتج المحلي وشبكة المواصلات او تجربة السياحة, تجد من يمثل هذا المنطق يهاجمك من فوره, متهما بأنك تريد ربط العراق بالعثمانية الجديدة ويسهب بالحديث عن مثالب اردوغان واطماعه وطموحاته التوسعية, شواهد السياسة التركية الان تعينه على ذلك من اذربيجان الى ليبيا, مرورا بالعراق وسوريا. ما ابتغيه هو الاشارة الى نسق من التفكير, اعترف بأن له مهارة فائقة, في ابقاء العراق على ماهو عليه من التخلف المزري, وعزله عن كثير من مظاهر التقدم المتزايدة في بلدان المنطقة من حولنا وفي العالم كله, عبر هذا المنطق الاتهامي البارع في الخلط والتشويش. (جواد عي كسار /الوطنية العراقية / تحديات المشروعين الايراني والتركي / ص 377//2021).
بهذا المنطق استمرت المراوحة في بحبوحة الاقتصاد الريعي الهش وضريبته البطالة المستدامة, التي جعلتها سمة وايقونة الاعتماد شبه التام على النفط الخام المصدر والمسعر خارج اطار العرض والطلب ومطباته. والاسباب سياسية اولا, كما نلمسها الان مجسدة في الداخل’ من مشكلة كركوك وديالى ومرجعيات الاطراف المحلية, رغم ان كلا المحافظتين الاقل بطالة, في حين نجد الناصرية تتسم بالصراع الطبقي الحاد من خلال استدامة البطالة بتزايد وتعمق, ليتجلى سلبا وعلى اطراف ذي قار والسماوة وميسان, على شكل عشائري ما قبل الاسلام بالديات والكوامة والفصل حسب الابتزاز الذي يحدده الوجهاء وكل اساليب التزلف على ايدي مشايخ او وجهاء يستثمرون في هذا المستنقع, ليمتد اكثر تطرفا للبعض مستثمرا في تجارة او تهريب السلاح مبتزا كناخب ووجيه له اتباع, وصولا للمخدرات ودهاليزها.
ولكن اين الحكومة؟ انها ببساطة ديمقراطية مرتهنة لبرلمان يراهن في هذه البيئة الحاضنة كأمر واقع. لكن بدون برنامج اقتصادي لمعالجة الاسباب الحقيقية, بل من خلال الجدل البيزنطي خارج الملعب العراقي لان اللاعب مشغول بمصالحه اولا ثم مصالح مرجعيته السياسية ثم المذهبية او العشائرية او المناطقية, لتضيع العراقية اولا في هذا الزحام, وهذا دور يرسمه الريع النفطي في حجب الفشل الاقتصادي, ليمنع تأثير الرافعة الاقتصادية. فمشاكل بغداد والاقليم وكركوك وديالى والانبار تتسم بالتسيس, ومشاكل الناصرية والعمارة والسماوة اقتصادية اولا من خلال ارتفاع نسبة الفقر الناجم عن البطالة المستدامة, وهذه الحقيقة’ اذ الصراع في كركوك وديالى يمكن تلافيه بالتوافق او من خلال الاوراق السياسية الضاغطة. التي لا تعالج بطاله موسمية او دائمة او بنيوية, كما يحددها الترف الريعي ويعالجها بالاعانات مقابل الامتيازات المستثنات, وهكذا مضت الامور.
اذ بلغت نسبة البطالة, وفق اخر مسح اجراه الجهاز المركزي للاحصاء, التابع لوزارة التخطيط العراقية عام 2021’ 5/16‌‌%, وسجلت نسبة البطالة بين النساء ارتفاعا بواقع 28‌‌%’ بينما كانت لدى الرجال 14‌‌%. وتوقعت وزارة التخطيط في 9 / اكتوبر هذا العام, انخفاض نسبة البطالة في البلد مقارنة بالاعوام الثلاثة الماضية, لافتة الى ان المشروعات الاقتصادية التي تنفذها الحكومة الحالية بتراجع نسبة البطالة ( قناة الحرة /10/102024). ولكن عقدة المنشار السياسي في الاربع سنوات ونتائج انتخاباتها, ونحن في ظل تدخلات لا يستهان بها. اذ بات القرار الرسمي المركزي اقرب للبطة العرجاء ونحن نقترب من الموسم الانتخابي’ الذي لا نضمن النجاحات المؤسسة الحالية, سيما ونحن بين مطرقة حلفاء الداخل والخارج اولا, بتظافر وكلاء الخارج مع الادوات الداخلية, التي لا يسرها نجاحنا كوطن ارضا وشعبا, وهذه طبيعة الامور, وهكذا ننتظر مجهولا غير مضمون في الانتخابات القادمة, اقتصاديا, لنصبح في:
اتعس ما افرزته هذه السياسات, هو ترييف المدن بالعشوائيات لتصبج فاعلا اجتماعيا واخلاقيا وسياسيا, نتيجة عشوائية الانتقال, رغم منطقية وشرعية الامر, حيث التصحر الزاحف ب 100 الف دونم سنويا اضافة لضيق المساحات الزراعية نظرا للا نفجار السكاني, ونظرا لنسبة الناتج المحلي في الموازنة الاتحادية التي تبلغ حصة النفط الخام بـ 97‌‌% منها لتعيل ثمانية ملايين من يقبض راتب شهري من الدولة! اي عمليا ان كل صاحب راتب يعيل خمسة كمعدل في بلد الخصوبة’ فأنه منطقيا يعادل نفوسنا الان, ولكن جدول الفقر في المحافظات الاشهر والاعلى ( الناصرية وميسان و السماوة) يقول لنا كلا ثم كلا, اذن ثمة خطـأ بنيوي مترسخ سياسيا وبدون رافعة. ونظرا لغياب العدالة, وتفاقم الاستثناءات التوافقية في الامتيازات والمخصصات, خارج الدستور والشرع والعدالة و بصمت الادعاء العام والبرلمان. متجاهلين مبدأ ( المؤقت هو الدلئم فقط لان الدائم هو رب العالمين فقط).
ففي العراق اللبرالي الجديد اصبح التراكم الاولي التاريخي للراسمالية الاوليغارشية ( في الاقتصاد الريعي) يقوم على مبدأ خطير هو استدامة البطالة. ( مجلة الثقافة الجديدة ص18 /عدد ايلول 2024).
وهكذا كان ولا زال النمط الاستهلاكي مواكبا لسياسة الباب المفتوح امام هذه النزعة, التي فتحت بابها مشرعا من خلال النافذة المفتوحة, اولا لاجازات الاستيراد العشوائي واغرقت الاسواق مستفيدة من المرض الهولندي الذي هو متلازمة الاقتصاد الريعي والكهرباء الوطنية اس البلاء الهولندي حيث ترتفع كلف التشغيل من خلال المولدات للمصانع والمزارع, حيث تتجمد الصناعة والزراعة ان لم تتدهور, حيث كانت بالامس القريب’ اذ يمثل القطاعين الزراعي والصناعي اكثر من ثلث الناتج الوطني, منحدرا بعد الان الى 3‌‌% من الموازنة, وهكذا بالنسبة للسياحة التي باتت منفذا لاكثر مليون عامل اجنبي, وشبه مجانية للجهات التي لا تبادلنا بالمثل, فعندما يتم الاجهاز على القطاعات الاساسية, تصبح المشكلة بنويه اولا, لتفرز البطالة المستدامة كرد فعل على محاولة التنمية المستدامة ونحن على ابوابها في مشروع طريق التنمية, خيارنا الاساس’ في خضم هشاشة اقتصادنا وفي عين العواصف الاقليمية والدولية.
فسياسة الباب المفتوح على مصراعيها وضعف الضوابط والقياسات للسيطرة على السياسة طوال اكثر من ثمان سنوات, كانت المنفذ الاسرع لتلبية طراز الحياة الاستهلاكي الجديد ومستوى المعيشة الناشئ, الذي غادر فضيلة الادخار والتوجه نحو الصرف والاسراف الاستهلاكي, ولم تكن السياسة النقديةللعراق, ( التي هي اليوم امام امتحان مصاحب للموديل الاقتصادي العراقي الاستهلاكي الاستنزافي في منأى عن تلك المصادر التجارية الاقليمية وسياساتها التي وجدت في تدخل السلطة النقدية وفلسفتها للحفاظ على الاستقرار الكلي والاستقرار النقدي خصوصا), بعيدة عن الثوابت التي ولدتها مفارقات السياستين التجارية والمالية ذات النمط الاستهلاكي الذي ارتبط بطراز معيشة عبرت عنه سلوكيات الطبقة الوسطى العراقية التي تمثل اليوم اكثر من 60‌‌% من التكوين الاسري للبلاد. ( د. مظهر محمد صالح /الاقتصاد الريعي المركزي /ومأزق انقلات السوق / ص 33 /2013).
ولكن ما العمل ونحن نواجه ابشع التحديات المغرضة الممنهجة. اولا: ينبغي ان نلتفت لداخلنا اولا لتكون بلدنا جاهزة لاعتى التحديات الداخلية, اي اذرع الخارج من خلال استغلاله هشاشتنا, اولها ملف المياه, بعد ابطال حججه في الزراعة الحديثة, لنضمن امننا الغذائي ونوقف التصحر وتريف المدن الذي يتفاقم, ولنا ان نتصور علاقة ذلك بالبطالة البنويوية المستدامة, التي باتت ثغرة سياسية اولا وميدان لكل السلبيات’ التي تعرقل التنمية.
ثانيا: مراجعة حقيقية لجميع الاستثناءات التي هي خارج الدستور باعرافها الهشة وتوافقاتها الاهش, التي هي وراء كل الهشاشات, من الامتيازات الى عقارات الدولة وصولات لهشاشة الامركزية, بحيث يصبح الايقاع واحدا من خلال القانون والاستقرار كما هو في دول الجوار, لغرض التجانس الداخلي والخارجي’ كانداد لبعضنا وانداد لمبتزي الخارج عموما’ من خلال سفاراتهم.
ثالثا: يكون طريق التنمية خيارنا الاوحد والاخير في التنمية المستدامة بمدننا الصناعية وزراعتنا الحديثة’ من ضمانات سيادية لللاطراف المعنية. كتحديات تواجهنا من المشاريع البديلة كطريق دولي متفق عليه دوليا من ناحية جدواه الاقتصادية, فامامنا طرق بديلة تمر عبر ايران الى تركيا او من المملكة العربية السعودية, سيما ونحن في عين العاصفة, ولا نستطيع ان نكون مجرد محايدين, امام الاعاصير, فأهم جيراننا هم عناصر فاعلة, والامر متروك لارادتنا الحقيقية التي تؤهلنا امام دول البريكس اولا او المرشحة للانظمام له, بعد الشروع الذي بدا عمليا في الفاو’ ولغرض تهيأة الاجواء السياسية والمسيسة للدخول كطرف عملي فاعل.
رابعا: حسم الخلافات وهي غير الاختلافات التي لاتفسد للود قضية ( اذا حسنت النوايا الوطنية), فالخلاف الذي يغرد خارج الوطنية بات مشخصا, لكنه امر واقع’ يكون التعاطي معه بشكل مختلف, وهذا شأن الساسة اولا. كما ان الخلاف الامريكي وارد جدا وهي تسعى لاجهاض مشروعنا كونها ضالعة في طريق الهند السعودية ايلات, رغم انها غير مستفيدة مباشرة من المشروع, اذن امر سياسي.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

العمودالثامن: البرلمان يعلن الحرب على النساء

العمودالثامن: لا يقرأن ما تكتبه

قناديل: طرابيشي: لن تكفينا محطّاتُك الست

العمودالثامن: خيمة امرأة

قناطر: الى اليهودية نيران البصّون

العمودالثامن: سؤال الكرخي

 علي حسين الشاعر الساخر والصحفي الملا عبود الكرخي، ظاهرة قلما تتكرر في عالم الشعر، ودنيا القلم والكتابة ، فقد عاش رحلة طويلة بمفارقاتها وصراعاتها، فاستطاع من خلالها الغوص إلى قاع المجتمع حيث البسطاء...
علي حسين

كلاكيت: نجوم النهار رائعة إيجور تالاكين

 علاء المفرجي خلال الحرب العالمية الثانية، عانت مدينة لينينغراد من حصار خانق على أيدي القوات الألمانية لمدة 872 يومًا. مات ما يقرب من مليون مدني، معظمهم من الجوع. وسط الدمار، بثت أولغا بيرغولز...
علاء المفرجي

مهمة معالجة المشكلات البيئية المتفاقمة.. ملاحظات أولية

د. كاظم المقدادي (1)في هذا الملف نسلط الضوء على سوء الإدارة البيئية والفشل في العراق، خلال العقدين الأحيرين، متضمناً إستعراضاً لقرارات وخطط وبرامج ومشاريع وطنية مقررة لتحسين البيئة، لم تُنفذ، أو فشلت، أو ظلت...
د. كاظم المقدادي

"أصيلة".. الإسلام السياسي إلى أين؟

رشيد الخيون عقد منتدى "أصيلة" بالمغرب (من 20 إلى 21 أكتوبر 2024)، ندوته "الحركات الدِّينيّة والحقل السّياسيّ: أيُّ مصير"؟ وهي واحدة مِن ثلاث ندوات، في موسمه الخامس والأربعين. تُقام النَّدوات عادة في جامعة "المعتمد...
رشيد الخيون
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram