TOP

جريدة المدى > سينما > جيمس كاميرون، سينمائيٌ مُستكشف جوليان دوبوي وستيفان موساكيس

جيمس كاميرون، سينمائيٌ مُستكشف جوليان دوبوي وستيفان موساكيس

نشر في: 31 أكتوبر, 2024: 12:01 ص

ترجمة صلاح سرميني/باريس
يكفي أن نسمع اسمه كي نعرف بأنه يعدُنا باحتفالٍ سينمائيٍّ مشهديٍّ ضخمٍّ، ومآثرَ بصرية لم نُشاهدها من قبل.
في أقلّ من عشرة أفلامٍ طويلة، أثبت جيمس كاميرون نفسه كواحدٍ من أبرز مخرجي هوليوود، حيث سجّل أرقاماً قياسيةً جديدةً مع كلّ فيلمٍ، وفرض معاييّر فنيةً، وتكنولوجيةً جديدة.
ولكن، بعيداً عن ضجيج، وهياج أفلامه الضخمة، يكمن مخرجٌ يتمتّع بحساسيةٍ نادرة، وحنانٍ غير متوقع.
غالباً ما يتمّ تلخيص جيمس كاميرون على أنه يبالغ في مشاريعه، وبعد كلّ شيء، كيف يمكن أن يكون الأمر خلاف ذلك؟
منذ فيلم Terminator 2 وJudgment Day، حطمّت جميع أفلامه الأرقام القياسية من خلال الوصول، بشكلٍ منهجيٍّ تقريباً، إلى أعلى القمم في شباك التذاكر.
وعندما لا يقوم ببناء ديكوراتٍ عملاقة في فيلميّه Abyss أو Titanic، فإنه يحشد جيوشاً من الفنيّين لتصميم رؤى كنّا نظنّ أنها مخصصةً للكتب المُصورة، أو الأدب الترقبيّ/الحدسيّ.
لكن كاميرون هو أكثر بكثيرٍ من مجرد مايسترو العروض المشهدية الكبيرة: حيث أن مشاريعه الدانتيّة (نسبةً إلى دانتي) تصل دائماً إلى ذروتها العاطفية خلال المشاهد الحميمة ذات الرقة النادرة.
وبينما (يُعيد) إغراق سفينة تايتانيك، يركز على الوجوه الخائفة لاثنيّن من العاشقين اللذين يعلمان أن حبهما محكومٌ عليه بالفناء. وإذا أشعل غابة باندورا المُورقة، فمن الأفضل التركيز على تبادل النظرات المُؤثرة بين الصيادة نيتيري من شعب na›vi، والجندي البشري جيك سولي.
إنه يُغرق مستعمرةً أرضيةً ضائعةً على حافة الكون تحت سربٍ من الكائنات الغريبة، ولكنه يستغرق وقتاً للتركيز على يتيمةٍ، وامرأةٍ منعزلة تعالجان صدماتهما بحنانٍ مشترك. وبينما تقوم آلة ٌمن المستقبل بإخراج نفسها من جحيم الإنسانية على حافة نهاية العالم، فإنه يضع في المقدمة زوجيّن متعانقيّن، يجمعهما حبٌ يتجاوز الزمن. لذلك، هناك شيءُ من المعاني المُتناقضة في شخصية جيمس كاميرون: هو إنسانيٌّ مفتونٌ بنهاية العالم، وحداثيٌّ كارهٌ للتكنولوجيا.
لكنه أيضاً، أولاً، وقبل كلّ شيءٍ، مخرجٌ حقق نجاحاتٍ كبيرة، أو بعبارةٍ أخرى سينمائيٌ، كما أنه سلالةٌ نادرةٌ في نظام استوديوهات هوليوود الكبيرة.
الاستكشاف الفنيّ
جيمس كاميرون فنانٌ متشدّد، ورومانسيٌّ بالمعنى الأدبيّ للمُصطلح: حيث أن الشغف هو الذي يُوجّه خطواته.
لم يكن غزير الإنتاج، فقد أنتج ثمانية أفلامٍ فقط في حوالي أربعين عاماً، لكن كلّ مشروع جديد هو حدثٌ يقوم خلاله بإعادة عرض جميع إنجازاته بلا كلل.
لا يبدو أنه يُخاطر بصحته العقلية، والجسدية خلال تصوير معظم أفلامه فحسب، بل قبل كلّ شيء، كان من المُمكن أن يصبح كلّ فيلم من أفلامه بمثابة إشارة إلى نهاية مسيرته المهنية. ليس هناك عملٌ سهلٌ أمام كاميرون، بل مجرد رهاناتٍ جريئة أكسبته، في كثيرٍ من الأحيان، شكوك جزء من الصحافة المُحترفة، ومع ذلك، من خلال الجنون الذي يتحكّم فيه للغاية في مشاريعه يستمدّ طاقة أعماله، لأنه سينمائيٌّ مُستكشف. من خلال ترسيخ الفضول باعتباره القيمة الأساسية لعمله، يطبّق جيمس كاميرون على سينماه المبادئ التي تُشكّل القوة المُحفزّة لحياته.
بنفس الطريقة التي كان بها أول رجل يغوص منفرداً في "خندق ماريانا" على متن غواصة ساعد في تصميمها، تحدى أفضل الفنييّن في هوليوود لريادة السينما الرقمية منذ نهاية الثمانينيّات مع Abyss، ثم Terminator 2.
قد تكون الجرأة محسوبة بعناية، لكنه مع ذلك مدفوعٌ بغضبٍ شديد للتجربة، والاستثمار في مناطق جديدة.
الفنّ التكنولوجي
إن جرأة المخرج هي أيضاً علامةٌ على رحلته المُتمردّة، فقد نشأ كاميرون على هامش الدوائر الكلاسيكية. بعد وصوله من موطنه كندا، تولى وظائف بسيطة في لوس أنجلوس بينما كان يتعلم في أوقات فراغه نظرية التقنيات، واللغة السينمائية عن طريق الكتب التي كان يستعيرها من المكتبات. في أوائل الثمانينيّات، وضع هذه المعرفة موضع التنفيذ في سلسلة أفلامٍ من فئة B لروجر كورمان، ولكن أيضاً من خلال العمل على النماذج/الماكيتات، والرسم على الألواح الزجاجية لجون كاربنتر في فيلم "نيويورك 1997"، ومن خلال سنوات التعلم هذه، اكتسب معرفةً كاملةً بفنّ السينما: رسامٌ، وكاتبٌ، وفنيٌّ موهوب، وهو مثالٌ لفنان عصر النهضة.
على الرغم من أنه يعرف كيف يحيط نفسه بأعظم الفنييّن في هوليوود، إلاّ أنه أيضاً امتلك خبرةً في أن يُنجز كلّ شيءٍ حرفياً في موقع التصوير: فهو يفرض أساليب تشغيلٍ جديدة على ممثلي المشاهد الخطيرة، ويصمّم رسومات الدمى الميكانيكية لشخصياته، ويُعيد صياغة تركيب الإضاءة، والإشراف على إنشاء كاميراتٍ جديدة، وحتى انتهى به الأمر إلى أن أصبح مصور الجزء الأول، والثاني من فيلم Avatar.
ولكن، في نهاية المطاف، ليس لدى كاميرون خيارٌ آخرٌ سوى ترسيخ نفسه كسينمائيٍّ خلاّق: مثل أحد معلميه، ستانلي كوبريك، تتفاعل التكنولوجيا، والمشروع الفنيّ لأفلامه، ويتحاوران، ويغذيان بعضهما البعض.
عملٌ رومانسيّ
لفهم كافة التباينات الدقيقة لأعمال كاميرون، يجب علينا دائماً التعمّق في مفهوم كلٍّ منها.
لذلك من الضروري أن نتذكّر أنه أصل كلّ سيناريوهاته، وأيضاً أول فنان مفاهيميّ للأفلام التي انبثقت في عدة مناسباتٍ أثناء أحلامٍ محمومة.
وفي كثيرٍ من الأحيان، دوّنها على صفحات هشّة من الورق حيث وضع ببضع نقراتٍ من قلم الرصاص الحافز الأوليّ لأعماله المُستقبلية التي تكمن فيها روح هذه المشاريع الضخمة.
وفيما إذا قد تحدى كلّ الحدود، وبُنى العوالم، كان ذلك كي نتمّكن بشكلٍ أفضل من إعادة الاتصال بمشاعرنا الأكثر حميميةً، وبالآن ذاته كي يمسّ قلوبنا مباشرةً.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

عودة ترامب تُقلق إيران.. كيف ترى طهران رجوع الرئيس الأميركي "المثير للجدل"؟

الزوراء يهزم الطلبة بهدف نظيف في دوري نجوم العراق

الأمن النيابية تكشف عن شركات أمنية "وهمية" تديرها شخصيات "مشبوهة" خارج العراق

المرور تنوه لقطع تقاطع حيوي في بغداد

مراحل عودة ترامب إلى "كرسي" رئاسة الولايات المتحدة

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

في يوم الختام إعلان جوائز مهرجان "زيورخ" السينمائي الدولي العشرين في سويسرا

وثائقيّ إيطاليّ عن فلسطينيي صبرا: بحثٌ عن ضوءٍ وسط عتمةٍ خانقة

"حكاية جيم ":فيلم فرنسي مؤثر للاخوين لاريو عن معنى الأبوة

مقالات ذات صلة

وثائقيّ إيطاليّ عن فلسطينيي صبرا: بحثٌ عن ضوءٍ وسط عتمةٍ خانقة
سينما

وثائقيّ إيطاليّ عن فلسطينيي صبرا: بحثٌ عن ضوءٍ وسط عتمةٍ خانقة

قيس قاسميأتي الإيطالي جيوفاني سي. لوروسو إلى بيروت. يدخل عمارة سكنية مُهمَلة، يسكنها فلسطينيون من صبرا، ليراقب أولاً، من قرب، كيف يعيش هؤلاء في مكان غير صالح للعيش الآدمي أصلاً، وكيف يتعايشون مع بيئة...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram