طالب عبد العزيز
مالم تحسم حكومة البصرة المحلية أمر الأنهار الثلاثة التي تخترق وسط المدينة من الطول الى الطول، وتجعلها نظيفة وسالكة في المد والجزر، وإيجاد وسيلة عملية لتطهيرها، وحجب مياه الصرف عنها سينظر لها بوصفها مقصرة وعاجزة، إذْ أنَّ أمر الأنهار الثلاثة القبيح هذا بالذات سيغطي على كل منجز خدمي لها، فمنظر الماء الأسود فيها والرائحة العفنة والنفايات التي تجوب شواطئها مثار تقزز البصريين وزائري المدينة على حدٍّ سواء. ومالم تحسم القضية المستعصية هذه ستكون كمثيلاتها من الحكومات السابقة، التي همّت بتنظيفها لكنها لم تفعل.
يحقُّ للمواطن البصري القول بأنَّ إجراءات وزارتي الزراعة والموارد المائية والري في البصرة هي الأدنى بين جميع المحافظات، ففي زياراتنا لأي مدينة من مدن الفرات الأوسط نرى جهوداً واضحةً، تصبُّ في صالح الزراعة والمشاريع الاروائية، وهناك حملات تكتيف وتبطين للأنهار، وهناك حُرمات أرضية متروكة لأعمال الكري والتنظيف، وبما يجعل من مياه السقي نظيفةً، وبالمتناول، وبمعنى ما فأن الحكومات المحلية هناك وبالتعاون مع الوزارتين جعلت من قضية الأنهار والمياه والزراعة واحدة من مهامها الرئيسية. أما في البصرة فلعنة النفط وتكالب الشركات النفطية على العمل في حقولها جعل من فضائها الأسوأ في العالم، ومن الحياة فيها ما لا يودّه ويتمناه أحد، حتى توطن السرطان في أجساد أهلها، فالهواء فيها فاسد ملوث، والأرض سبخة مالحة، والماء آسن ومج. غادرتها الاطيار بعد أن تيقنت بأنها لا تصلح لها وجهةً، ولولا المدن السكنية التي باتت سكناً لأصحاب الملايين، والتي يعجز عن شرائها البسطاء وذوو الدخل المحدود، ولولا الشوارع الجديدة وبعض مظاهر المدنية لما صلحت لسكن أحد.
أرسل لي أحدُ الأصدقاء مقطعاً مصوراً من مدينة حلبجة، بالسليمانية يستعرض فيه مهرجاناً للرمان، في مشهد جميل للناس وهم يتبضعون ويتجولون، كيف لا والمدينة معروفة بزراعة الرمان، ومثل هذا يصار دائماً الى مهرجانات للتمر في دول الخليج، وأخرى للعنب والعرق في زحلة، بلبنان، والزيتون في تونس، والنبيذ في تسوكانا بإيطاليا وغيرها من المدن، حيث يشهد الناس على اهتمام الإدارات المحلية بما يزرع وينتج في بساتينهم، وبما ينعكس ايجاباً على الحياة.
كان منظر القناة الصناعية التي رأيتها في مدينة سيت بجنوب فرنسا قد خلبني، بمائها الصافي الرقراق، مع أنه ماء بحر ومالح، وكان مشهد القوارب المركونة على شاطئيها، بألوانها وصواريها أكثر من مدهش ورائع، وبما جعلني أنظر بحسرات لا حدود لها الى مشهد نهر العشار، الذي أمسى مأوىً للجرذان، ونهاية مريعةً للكلاب والقطط في الليل، بعد أن كنتُ شهدته قبل خمسين عاماً وهو ينساب بماء أقل تلوثاً، ومكانا لصيد الأسماك، ومسبحاً للفتيان في الصيف.
لا أعتقد بأنَّ معجزةً تحول دون تنظيفه، ومنع مياه الصرف الصحي عنه، ولا أحدَ من البصريين يعرف السبب الذي يحول دون تطهيره. هذه المدينة تعوم على بحر من النفط والغاز، وينتفع من مالها الشفيع والوضيع، الشريف واللص، العربي والكردي، والمقيم فيها والخارج منها، ويتحدث زائروها عن إمكانية صيرورتها كوجهة سياحية!! هل سيحلم البصري يوماً ويرى أنهار مدينته الثلاثة الخندق والعشار والخورة نظيفةً، خاليةً من النفايات، ممنوعة على الجرذان والقطط، مزدانة بالقوارب العشارية، ولا يتنفس الجالس على ضفافها رائحة كريهة، أيكون اليوم ذاك بعيداً، أم أنَّ الحكومة المحلية تراه قريباً؟