يزيدني شرفاً بدعوتكم لاستذكار والدي المرحوم الروائي والقاص مهدي الصقر. لصاحبة التكريم مدى واسع في احتضان ورعاية المثقفين والعلماء، النخبة التي لها باع طويل لمقارعة كل أنواع الظلم غير آبهة ببطش الظالم. فانتم تحفرون بأيديكم التي أتعبها الزمن، خارطة طريق الأمل والتفاؤل، ويرضون حتى بكسرة خبز يابسة لكي يبقى العراق عالياً، وبفكركم وثقافاتكم وتضحياتكم تسحبون معكم الشعب لبر الأمان، وانتم مقياس تقدم كل حضارة، فانتم أحفاد العظام الذين علموا البشرية القراءة والكتابة وستكونون القدوة مرة أخرى مهما جار الزمن.
كان الراحل. جل همه ان يرفع الظلم عن المسحوقين والمعدومين الذين قسى الزمن عليهم ونكرهم الأقرب منهم، كان يبعث ببرقيات سريعة لمن يهمه الأمر، كفا ظلماً، ولم ينس زملاءه، وبين كيف يعمل الشرفاء بهدوء، فهذا المرحوم موسى كريدي، يستعمل سيارته كأجرة في ليل بغداد رافضاً ان يبيع ضميره للسلطان، وهذا المناضل الشهيد الحي رشدي العامل يكتب حتى مماته عن معاناة شعب السكينة والحزن، ويذكرنا بشاعرنا بدر شاكر السياب، ومن قسوة نكران الذات، لم يصل عليه سوى أفراد قليلة، وباللحظة نفسها تهجر عائلته من البيت، والمبدع الرائد عبد الملك نوري، لم يحضر عزاءه إلا أربعة والقليل كثير.ترك لي الوالد ديناً، ان أتابع أوضاع زملائه والتعاطف مع الطبقة المسحوقة. علمنا كيف نعشق العراق، بذرات ترابه ونخيله وطلاسمه، علمني ان مذهبي وطائفتي وفكري هو العراق، رفض مغادرة البلد رغم إغراءات الغرب والاستضافة المفتوحة، وفضل جعجعة السلاح على هدوء أوروبا، كان متفائلاً حتى في قطرة الماء بكأس فارغة كان يجعل قارئ القصة أو الرواية يفهم تصرف أبطالها قبل ان يقيم معطياً بذلك عذراً لهم ومنصفاً لتصرفاتهم الغريبة، لائماً المحيط الذي نعيش فيه وما حصل من ظروف قاهرة.في لحظاته الأخيرة، أراد ان يفجر كل ما اختزنه من الآلام، ود ان يصرخ صرخته الأبدية، ما أكثر الظلم عليك يا عراق هل استطيع ان أواصل الصراخ أعلى منه.. لا اعلم.د إحسان مهدي عيسى الصقر
صـــــــــورة أب
نشر في: 21 يناير, 2011: 07:27 م