بغداد/ تميم الحسن
تخلص "الإطار التنسيقي" اخيراً من أزمة رئاسة البرلمان، الذي تحول في آخر شهرين على الاقل، إلى ملف "يهدد" النظام السياسي، إلا أن هناك "مفاجآت" قادمة.
وتحدث مصدران سياسيان متقاطعان لـ(المدى)، عن كواليس اختيار محمود المشهداني، وعن عرابي صفقة حسم المنصب، وأبرز بنود الصفقة.
وصوت مجلس النواب، يوم الخميس الماضي، على انتخاب محمود المشهداني من كتلة "الصدارة" رئيسا للمجلس.
وحصل المشهداني على 181 صوتا من مجموع 229 نائبا حضروا جلسة التصويت في الجولة الثانية، فيما حصل منافساه سالم العيساوي على 42 صوتا، وعامر عبدالجبار على 9 أصوات و38 صوتا باطلا.
وجاء انتخاب المشهداني بعد نحو عام على إقالة رئيس البرلمان السابق، محمد الحلبوسي، بقرار من المحكمة الاتحادية بناء على دعوى تزوير قدمها النائب ليث الدليمي اتهم فيها الحلبوسي بتزوير تاريخ استقالته من مجلس النواب.
وفشل مجلس النواب في انتخاب رئيس له عدة مرات في ظل الخلافات السياسية والانقسامات داخل البيت السني، ويدار المنصب، منذ تشرين الثاني العام الماضي، بالإنابة من قبل النائب الأول لرئيس المجلس محسن المندلاوي، أحد زعامات "الإطار التنسيقي".
عشية انتخاب الرئيس
في جلسة الخميس، ظهر هادي العامري، زعيم منظمة بدر، والحلبوسي، يداً بيد في زيارة مفاجئة للزعيمين الى مجلس النواب.
يقول مصدر سياسي سُني، إن "المشهداني لم يكن ليصبح رئيسا لولا وصول الحلبوسي الى البرلمان".
ويبدو بحسب تزامن الزيارات، ان العامري كان قد لعب نفس دور زعيم تحالف "تقدم" في حسم المنصب للمشهداني.
وكان واضحاً في الجولة الاولى لانتخابات رئيس البرلمان، وجود دعم للعيساوي، الذي حصل على 95 صوتا، قبل أن يتراجع في الجولة الثانية إلى النصف تقريبا.
يقول عضو في مكتب سياسي لاحد احزاب "الإطار التنسيقي"، ان الاخير "كان قد يئس من حل ازمة رئيس البرلمان، وطلب العامري ان يتدخل هو هذه المرة".
حاول نوري المالكي، عدة مرات عقد صفقات مع الحلبوسي مرة، ومرة اخرى مع المعسكر المقابل الذي يمثله؛ خميس الخنجر، الذي استقال من حزب "السيادة" في وقت حساس، ومثنى السامرائي، رئيس تحالف "عزم".
كذلك دخل قيس الخزعلي على خط الازمة وتقرب من الحلبوسي، وخرب على المالكي، في احدى المرات اتفاقاته مع السُنة.
ويشير المصدر، إلى أن "الإطار التنسيقي" قال للعامري، في طلبه التدخل لحل ازمة رئيس البرلمان: "اذهب وجرب حظك".
وتتداول الاطراف الشيعية، للطرفة بان زعيم منظمة بدر، يمتلك "خرزة الحظ"، ويبدو الحظ حالفه بالفعل، حسب المصدر.
الصفقة
تعطل حسم منصب رئيس البرلمان، لنحو عام كامل. قيل ان الحلبوسي كان العقدة، ومرات اخرى الخلاف الشيعي هو السبب.
رفض زعيم "تقدم"، أكثر من عرض التنازل عن المنصب لصالح الفريق الاخر؛ من بينها حصوله على وزارة التجارة، وصندوق إعمار المناطق المتضررة.
ونقل عرض مشابه بعد ذلك، الى سالم العيساوي، مقابل الانسحاب من التنافس مقابل فوز المشهداني، لكن رفضه ايضا.
و"الإطار التنسيقي" انقسم بين المرشحين، واشيع بان محمد السوداني كان يدعم "العيساوي"، لكن تغييرات جرت بعد قضية "التنصت" الشهيرة، حيث جرت تفاهمات جديدة.
قال العامري بعد انتخاب رئيس البرلمان، إن "السوداني أسهم في إنجاح جلسة انتخاب المشهداني".
واعتبر رئيس الحكومة، في بيان صحافي، أن انتخاب المشهداني "خطوة تصبّ في استكمال خدمة العراقيين".
يقول المصدر القريب من "الإطار التنسيقي"، إن "قبول الحلبوسي بالمشهداني، كان مجانا".
ويشير الى ان المهم "تخلص الإطار التنسيقي من ملف ضاغط، واتهامات بالسيطرة على مناصب السُنة، وهو وضع يهدد البلاد أمام التوترات العسكرية بالمنطقة".
لكن المصدر السُني، يرجح ان "الصفقة ستظهر في تغييرات في خريطة الحكومات المحلية؛ بعد ماجرى في ديالى وصلاح الدين، سيجري في مدن اخرى، لصالح الحلبوسي وفريقه".
وظهر في جلسة اختيار رئيس البرلمان، ان المشهداني هو مرشح اغلبية السُنية الذي يقودها الحلبوسي، وتمثل 55 نائبا، على الرغم ان الاول ليس مفضلا لدى "حزب تقدم".
قال الحلبوسي في لقاء تلفزيوني قبل ايام قليلة من انتخاب رئيس البرلمان أن الإطار التنسيقي له :" تريد غزال أخذ أرنب، فوافقت على المشهداني".
الضغط
يعتقد زياد العرار، وهو أكاديمي وباحث في الشأن السياسي، أن "عقد الحلبوسي اجتماعات في اللحظة الاخيرة مع الكتل السياسية في البرلمان، هي من حسمت الموقف".
وأضاف في اتصال مع (المدى): "اضطر الحلبوسي للقبول بالمشهداني خوفا من وصول العيساوي الى المنصب".
وفي جلسة الخميس، قال ائتلاف دولة القانون، بانه سيصوت لصالح المشهداني، بحسب منصات اخبارية محلية.
ووصفت حنان الفتلاوي، رئيسة كتلة "إرادة" النيابية، عقب انتهاء الجلسة، بان سيطرات "نُصبت للنواب" للتصويت للمشهداني.
وقال في برنامج تلفزيوني، "في الجولة الثانية فرض رؤساء الكتل على النواب تقديم إثباتات على التصويت للمشهداني"، كما إن "رؤساء الكتل نصبوا (سيطرات) للنواب بعد النزول لإثبات تصويتهم للمشهداني".
ونقل النائب السابق مشعان الجبوري، كلاما مشابها، وأكد إن "رؤساء الكتل جلسوا عند السلم المؤدي لمنصة التصويت في القاعة، وكانوا يطالبون النواب بإظهار أوراق التصويت لكي يتأكدوا من تصويتهم للمشهداني.
لماذا المشهداني؟
في 2007 كانت حماية محمود المشهداني رئيس البرلمان حينها، قد اعتدت على النائب فرياد عبد الله النائب عن الائتلاف العراقي الموحد الشيعي.
وصف النائب المعمم آنذاك عن "العراقية" اياد جمال الدين الحادثة بأنها "القشة التي قصمت ظهر البعير".
كانت الشكاوي تتصاعد ضد ادارة المشهداني السيئة لجلسات البرلمان، فضلا عن كلامه الخشن مع قادة الكتل.
يقول النائب فؤاد معصوم في الدورة الاولى – رئيس الجمهورية بعد ذلك- عن المشهداني ان "غالبية اعضاء المجلس مع قرار تغييره (المشهداني) بسبب ضعف أدائه".
في نفس تلك السنة قرر المشهداني الاستقالة، ويقول النائب السابق مشعان الجبوري في حوار تلفزيوني ان المشهداني" تم تخييره بين الاستقالة او الاقالة".
المشهداني هو من مواليد بغداد 1948 وخريج كلية الطب جامعة بغداد، وكان قد اعتقل في زمن النظام السابق للانضمام الى جماعات اسلامية متشددة وخرج بعفو في 2002.
غاب المشهداني عن البرلمان وظهر مرة اخرى بعد 7 سنوات في انتخابات 2014، ومنذ ذلك الوقت تحسنت علاقته مع حزب الدعوة، بحسب بعض المعلومات.
وظهرت العلاقة المميزة بين الطرفين في الجلسة الاولى للبرلمان بعد انتخابات 2021، حين استطاع المشهداني ان ينقذ "الإطار" من اعلان التيار الصدري، وقتها، انه الكتلة الاكبر.
مشعان الجبوري في الحوار التلفزيوني يقول:"المشهداني اعترف بانه عطل الجلسة متعمدا عبر تمثلية من اختراعه، وهو أسلوب اتبعه في ادارته السابقة للبرلمان"، و"كان منزعجا من ترشيح الحلبوسي لانه يريد ان يكون الرئيس".
بقي المشهداني ينتظر رد الجميل من حليفه الشيعي، فيما أحدث موقف الحلبوسي الاخير انقلابا لصالح حظوظ الاول.
وكان محمد العلوي المتحدث باسم "تقدم" قال في لقاء متلفز مطلع العام الحالي ان "المشهداني غير مؤهل حاليا لرئاسة البرلمان"، قبل ان يندمج الطرفين في كتلة واحدة ويدعمه الحلبوسي لرئاسة البرلمان.
وقال مستشار سابق البرلمان لـ(المدى)، "على الاغلب الشيعة والسُنة اخذوا تعهدات من المشهداني هذه المرة حتى لايكرر ماكان يفعله قبل 18 عاما حين كان رئيسا للبرلمان".
نسخة جديدة
ويرجح المصدر السياسي السُني، أن المشهداني "يريد اعادة الاعتبار لنفسه بعدما طرد في 2008 من البرلمان، ولم ينصره أحد".
وقال المشهداني في خطاب التنصيب، ان خلال تجربة السابقة اكتشف ان " الخلاف وليس الاختلاف في الآراء سيصب بمصلحة البرلمان".
ويعتقد زياد العرار بالمقابل ان المشهداني "لن يكون مطيعا" كما كان يعتقد اغلب القوى الشيعية.
"الإطار التنسيقي" يريد من خلال الرئيس الجديد، تمرير قانون "الاحوال الشخصية" و"قانون الحشد"، و"الانتخابات" و"مفوضية الانتخابات".
ويضيف العرار "المشهداني سيخالف الإطار التنسيقي، وسينقلبون عليه بعد اسبوعين أو 3".
ورفض الباحث في الشأن السياسي مايتداول بان "المشهداني يبحث عن تقاعد مريح"، وتابع "المشهداني يريد نهاية بوصفه زعيما سياسيا".
ويرى العراق بان المشهداني جاء في توقيت حساس "في كيفية تحييد العراق عن الحرب بالمنطقة، وان لا نكون متنفسا للصواريخ الايرانية او الاسرائيلية".