المدى/ محمد علي
يواجه قطاع الثروة السمكية في العراق أزمة كبيرة بسبب انتشار بحيرات الأسماك غير المرخصة التي زادت من تلوث واستنزاف الموارد المائية، مما أثر على التنوع البيئي ورفع أسعار الأسماك.
وفي ظل قرارات ردم البحيرات غير القانونية من قبل الحكومة، تضرر آلاف المزارعين وفقدوا مصادر رزقهم، ما دفع الخبراء للمطالبة بحلول بديلة لتأمين الإنتاج وحماية البيئة وتخفيف حدة الأزمة.
يقول المختص بالشأن البيئي، سمير عبود، خلال حديثه لـ(المدى)، إن «بحيرات الأسماك العشوائية غير الحاصلة على الموافقات الأصولية من الجهات المعنية، ووفقاً للظروف الراهنة التي شهدت انتشاراً واسعاً نتيجة عدم تطبيق القانون والتعليمات، أدت إلى تعميق الأزمة البيئية التي تعاني منها الثروة السمكية في العراق»، مشيراً إلى أن «أنواعاً مميزة من الأسماك العراقية انقرضت وفُقد التنوع الأحيائي الذي تختص به المسطحات المائية، خصوصاً في عموم مناطق المسطحات المائية ومناطق الأهوار».
ويضيف: «انتشار أنواع غريبة من الأسماك التي غزت مناطق مختلفة من المسطحات المائية وأصبحت سائدة بدلاً من التي استوطنت هذه المناطق منذ أمد بعيد».
ويؤكد عبود أن «التجاوز على الحصص المائية من قبل أصحاب بحيرات الأسماك أدى إلى حدوث أزمة ري كبيرة للمناطق الزراعية، واستخدام أصحاب هذه البحيرات لمواد خلاف التعليمات أدى إلى وجود تلوث بيئي غير مسيطر عليه».
ويردف المختص بالشأن البيئي أن «الحل الأمثل لعلاج هذه الحالة هو بتطبيق القانون والتعليمات الخاصة بالجهات المعنية واتخاذ الإجراءات القانونية اللازمة بكل صرامة، وبعكس ذلك ستكون الكوارث البيئية أمراً طبيعياً وعادياً».
ومن جهته، يوضح المختص بالشأن الاقتصادي مصطفى حنتوش: «ارتفعت أسعار الأسماك من 4 آلاف دينار إلى 7 آلاف دينار للكيلو الواحد بسبب قلة الإطلاقات المائية من الجانب التركي والإيراني، حيث تم ردم وتجفيف الكثير من البحيرات غير الرسمية والبعض الآخر منتهية إجازتها».
ويردف أن «هذا الموقف غير صحيح، العشرات من العاملين الذين يعملون في هذه البحيرات والتي تعتبر مصدر رزقهم الوحيد، اليوم أصبحوا بلا عمل».
ويطالب حنتوش «وزارة الموارد المائية والجهات المعنية بوضع حلول لتقليل تلوث المياه في نهري دجلة والفرات التي تقتل عشرات الأنواع من الأسماك عمرها مئات السنين في هذه الأنهار العذبة، والضغط على الجانب التركي والإيراني من أجل زيادة إطلاقات المياه».
ويقول إياد الطالبي، رئيس الجمعية العراقية لمنتجي الأسماك، خلال حديثه لـ(المدى)، إن «قرارات ردم المزارع غير المرخصة كان لها تأثير كبير جداً على المنتج السمكي العراقي، وخاصة على أسماك الكارب، حيث ارتفعت أسعار الأسماك إلى تسعة آلاف دينار، ويعود هذا الارتفاع إلى العرض القليل بسبب الردم وتجفيف هذه البحيرات»، مشيراً إلى أن «انخفاض أسعار الأسماك مؤقتاً بسبب زيادة العرض الناتجة عن انتشار فيروس "الهربس" بين الأسماك لمدة شهرين، إلا أن الأسعار ارتفعت مجدداً إلى عشرة آلاف دينار بسبب قلة العرض بعد ردم المزارع غير المرخصة التي كانت تزود السوق بنسبة تصل إلى 75% من الإنتاج، أي ما يعادل أكثر من مليون طن من أسماك الكارب وأنواع أخرى، بينما الإنتاج المرخص لا يتجاوز 190 ألف طن فقط».
ويضيف أن «القرار تسبب في ضرر كبير لآلاف المزارعين مما أدى إلى فقدان أكثر من مليوني شخص لوظائفهم. للتعامل مع هذا الوضع، وجدنا ضرورة التعاون مع الحكومة المركزية لإيجاد بدائل. البديل الأول هو استخدام الأقفاص البحرية المغلقة لتربية الأسماك، مما يساعد على توفير إمدادات مستدامة للسوق العراقي دون الحاجة إلى كميات كبيرة من المياه».
ويتابع الصالحي: «تم تشكيل لجنة بموجب أمر ديواني لدراسة وتنظيم هذا النوع من المشاريع برئاسة الدكتور إبراهيم الساعدي، مستشار هيئة المستشارين في الأمانة العامة لمجلس الوزراء. ونأمل أن يكون هذا النظام بديلاً فعّالاً للمزارع التي أُغلقت».
ويردف رئيس الجمعية العراقية لمنتجي الأسماك أن «المزارع المرخصة تواجه أيضاً تحديات بسبب تقليص وزارة الموارد المائية تدفقات المياه بنسبة 50%، مما أدى إلى إغلاق العديد من المزارع البعيدة عن الأنهار. ونحن الآن في تنسيق مستمر مع الحكومة المركزية لتطبيق نظام التربية المغلقة، ولدينا اقتراحات كبيرة لوزارة الزراعة وننسق معها لعقد دورات ومؤتمرات حول النظام المغلق الذي قد يكون الحل الوحيد في ظل استمرار شح المياه».
ويطالب الصالحي «بتشكيل لجنة مشتركة تضم وزارتي الزراعة والموارد المائية برئاسة هيئة الاستثمار العامة لدراسة مقترحنا باستخدام مياه المبازل الفرعية والنهر الثالث لتربية الأسماك بسبب ما يعانيه مربي الأسماك من أضرار وخسائر جسيمة».
ويشير إلى أن «مياه النهر الثالث يتم استخدامها لري مساحات واسعة مثل منطقة هور الدلمج حيث يتم زراعة الحنطة والشعير، وأغلب هذه المساحات تستفيد من مياه المبازل والمياه المتدفقة من النهر الثالث والتي غالباً ما تنتهي في البحر. لذا نطلب السماح باستخدام هذه المياه خاصة أن لدينا أراضي غير مرخصة ولا تتوفر لها حصص مائية لكنها تحتوي على مياه مبازل صالحة لهذا الغرض».
ويلفت إلى أن «الوضع أصبح خطيراً حيث تأتي الجهات المعنية وتقوم بفتح المبازل وإطلاق المياه بما في ذلك الأسماك، ما يتسبب بخسائر كبيرة لأصحاب المزارع. وكل مزرعة تحتوي على عائلات تعيش على تربية الأسماك حيث يُقدر عدد الأفراد في كل عائلة ما بين 5 إلى 6 أفراد، ونتيجة لذلك بدأ العديد من العاملين في وسط وجنوب العراق بالهجرة إلى إقليم كردستان لمزاولة هذه المهنة هناك حيث لا تُطبق عليهم هذه القوانين بصرامة».
ويتوقع رئيس الجمعية العراقية لمنتجي الأسماك بأن «أسعار الأسماك سوف ترتفع إلى 12 ألف دينار للكيلو الواحد بعد انتهاء فترة الإصابة الحالية بفيروس الهربس الذي من المتوقع أن ينتهي مع نهاية شهر نوفمبر. ونأمل من وزارة الزراعة البحث عن بدائل مثل تفعيل نظام الأقفاص المغلقة والذي يتطلب دعماً بالطاقة الكهربائية، كما نوصي باستخدام الأقفاص العامة في المناطق المائية مثل الفاو أسوة بالدول الأخرى مثل إيران والسعودية حيث يتم تربية الأسماك في المياه المالحة».
في السياق، يقول الخبير القانوني، علي التميمي، إن «قانون حماية وتحسين البيئة رقم 27 لسنة 2009 يهدف إلى إزالة ومعالجة الضرر الموجود فيها والذي يطرأ عليها، والحفاظ على الصحة العامة والموارد الطبيعية والتنوع الأحيائي والتراث الثقافي والطبيعي بالتعاون مع الجهات المختصة بما يضمن التنمية المستدامة وتحقيق التعاون الدولي والإقليمي في هذا المجال».
وبين التميمي أن «منح إجازة تأسيس مشروع عمل ونفاذ هذه الإجازة لا يمنع من إيقاف العمل في ذات المشروع في حال ثبوت مخالفة صاحب المشروع لأحكام القانون والأنظمة المرعية وعدم الامتثال لتطبيق قانون حماية وتحسين البيئة النافذ».
وبحسب وزارة الموارد المائية، فإن توجيهات رئيس الوزراء محمد شياع السوداني شددت على ضرورة إزالة بحيرات الأسماك المتجاوزة (غير المرخصة) بمعدل ردم 50 - 70 بحيرة يومياً في جميع المحافظات لضمان تقليل الاستهلاكات المائية وإيصال المياه إلى المحافظات الجنوبية والحفاظ على الخزين المائي.
يبلغ عدد البحيرات غير الرسمية والتي تعمل بشكل غير قانوني بحدود 3000 بحيرة بمساحة تزيد عن 60 ألف دونم. وأشار إلى أن عدد البحيرات في حوض دجلة يبلغ 2212 بحيرة، فيما يبلغ عدد البحيرات على حوض نهر الفرات أكثر من 750، بينما تبلغ مساحة البحيرات التي تم منحها إجازة العمل 25 ألف دونم.