علاء المفرجي
رواية ملاك الجليل الصادرة عن المدى بترجمة أمل فارس، هو مزيج من الأحداث. بطلة الرواية، مونا، وهي مراسلة غير راضية تعمل لدى مجلة مثيرة في بوغوتا، تُرسَل لتغطية ظهور ملاك في جاليليو، أحد أفقر أحياء المدينة. وبمجرد أن تجد المكان وتلتقي بالمخلوق الإلهي، تقع في الحب بسرعة، وتمارس الجنس الجميل وتقرر "أريد أن يصبح حبيبي رجلاً عاديًا، بدلاً من أن يظل ملاكًا رائعًا".يستثمر آخرون الأحداث الغريبة في جاليليو بمعانيها الفريدة: يريد محرر مونا استخدامها لتعزيز توزيع مجلته، وتريد إحدى صديقاتها من علماء النفس علاج الملاك من الصرع، ويريد أولئك الذين أعلنوا أنفسهم حراسًا للظهور السماوي أن يكونوا مترجميه الرسميين، ويريد الكاهن المحلي الحفاظ على السلطة مع إخفاء تجاوزاته الخاصة. وحتى الملاك يساهم في الفوضى، إذ يزعم في مذكراته التي ينقلها من خلال والدته (البشرية) عدداً من الهويات السماوية، تتراوح بين الحسية والمحبة والانتقامية والعدائية.
تأخذنا لورا ريستريبو في هذه الرواية لتكشف لنا بأسلوبها الساحر قدرة الأفكار البعيدة عن قناعاتنا الراسخة التي نرفضها سريعا عادة على تغيير مجرى حيواتنا وطرق رؤيتنا للأمور إذا ما نحن منحناها فرصة التصديق، إذ إن فكرة ظهور ملاك بحد ذاتها هي نوع من الشطح الذي يمكن لأي شخص أن يعرض عنها عند سماعها، وهذا تماما ما حدث لبطلة الرواية المراسلة الآنسة "مونا" كما لقبها سكان الجليل هناك، حيث اضطرت لأجل تقرير كلفت به أن تلاحق أثر ملاك رغم عدم قناعتها واستهزائها بالفكرة، لتصل إلى حي باريو باهو أحد أفقر أحياء بوغوتا، حيث ستتعرف هناك على أهله بمساعدة أورلاندو الطفل المسؤول الذي ساند والدته دونيا آرا، والدة الملاك، أثناء عملية بحثها المضنية عن طفلها منذ أن انتزع منها وهو طفل رضيع على يد جده دون نيكانور. والد الطفل رجل مجهول ظهر واختفى دون أن يترك أثرا يدل عليه. ليأخذ دون نيكانور الرضيع ويخفيه عند عشيقته منعا من أن يراه خطيب ابنته وتضيع أحلامه بالشاحنة الجديدة التي وعده بها العجوز الثري إذا ما تم زواجه من آرا المراهقة العذراء.
تخلق ريستريبو على مدار الرواية شخوصها واحدا تلو الآخر، لا تعرف عنهم إلا عندما تحتاجهم فيظهر هاري ليعيرها سيارة الجيب التي ستتنقل بها وتظهر الطبيبة صديقة أيام الدراسة التي ستستشيرها في علاج الملاك من مرض التوحد الذي يعاني منه مستخدمة أسلوبا يتفاوت بين اللغة البسيطة واللغة التوراتية التي لقنتها الملائكة لآرا.
تقول المترجمة في مقدمة الرواية: "تتفاوت الآراء حول الرواية، على ان اكثر الكتّاب شهرة امتدحوا اعمال الكاتبة من امثال خوسيه ساراماغور وغابرييل غارسيا ماركيز وايزابيل الليندي والناقد والكاتب الامريكي هارولد بلوم.
وصرحت عندما كانت تعيش في روما قبل ان يصبح الموضوع رائجا في الولايات المتحدة وكان هذا هو هدفها الاول من الذهاب الى مكتبة الجامعة الغريغورية الحبريّة في روما، لكنها عندما سألت عن الموضوع امرها المدير بالخروج قائلا: اخي من المكتبة!، اذهبي وابحث عن هذا في الاماكن المقدسة او الشوارع او الاحياء الفقيرة". بعد ذلك قضت ريستويبر الوقت في مكتبة انجيلكا في روما تقرأ مخطوطات العصور الوسطى عن الملائكة وعن تاريخهم وشخصياتهم".
مهنة الصحافة برأي الكاتبة: ((مصدر لا نهائي للادب))، منها بدأت فكرة الرواية حين كانت تعمل على بحث عن مرض التوحد (الذي يُعرف بمرض الملائكة) وكانت بحاجة الى العثور على حركات بشرية لملاك لتساعدها على بناء الشخصية، وبمجرد الانتهاء من البحث كانت بحاجة للتعبير عنها دون ان تبدو كقصة خيالية فكان الحي الشعبي هو المكان الامثل."
تفتتح لورا ريستويرو ابواب الواقع ذاتها لتزرع فيها اللامعقول وتضعه في سياق بحثنا نحن القراء عن التصديق به كمنطقي وممكن من وجهة نظرها.
وتححثنا عن التساؤل عن امكانية وجود ملائكة حولنا تعذر علنا رؤيتهم السطحية والتعاقب السريع للاحدث لكل شيء مما يمنتعنا من معرفة بعضنا لبعض، او ان هنالك ارواحا بالفعل لا تشبه بقية الارواح جاءت الى هذا العالم وغرقت بشتى الكروب والمشاكل ونعتت بالجنون وانتهى بها الامر الى الاهمال والموت.
رواية ملاك الجليل.. التفاصيل الساخرة تمتزج مع الأوصاف العاطفية للجنون
نشر في: 4 نوفمبر, 2024: 12:01 ص