إبراهيم العريس
قبل سنوات طويلة حين إعتليت خشبة المسرح ليلة إفتتاح الدورة الأولى لمهرجان الجونة لأكون الأول بين المهتمين بفن السينما الذين كرمهم هذا المهرجان في تأريخه الذي بات طويلاً ومجيداً برغم أنه يعد واحداً من أصغر المهرجانات العربية السينمائية سناً. راح خيالي وأنا ألقي كلمة شكر موجهة إلى المهرجان ومؤسسيه وفي مقدمتهم الناقد انتشال التميمي الذي أريد دائماً أن أفكر فيه بوصفه (مجنون المهرجان) الذي حمله من لحظات البداية الأولى وتابعه بروحه وجهده ومخيلته ودفتر عناوينه ومعرفته العميقة والفريدة بعالم السينما وسينما العالم، منذ اعتليت الخشبة يومها والريح تصفر من حولنا، كان همي أن أرسم للجمهور المحتشد صورة لحلم سينما راودني تخيلت معه الجونة مدينة سينمائية خالصة تشارك انتشال جنونه لتخلق فضاءً سينمائياً فريداً من نوعه في الفضاء العربي. طبعاً كانت الصورة من وحي الخيال وكان في رفقتي وأنا أتجول فيها كباراً من أهل السينما كطلعت حرب ويوسف شاهين وعزالدين ذو الفقار وآخرون من أولئك المجانين الذين عاشوا في السينما ومن أجلها.
طبعا كنت أعرف انني أحلم تماماً كما كنت طوال عام قبل ذلك أرى أن انتشال حين كان يحدثني عن مشروع الجونة السينمائي العتيد كان بدوره وعلى شاكلتي يحلم حلماً مستحيلاً.
اليوم أنا أتذكر كل تلك اللحظات الحالمة وأجدني للمرة السابعة على التوالي أفكر كم أن انتشال حقق حلمه تحت رعاية أصحاب المهرجان وكم أننا في العام السابع الذي يكون عام الراحة، ها هو (الجونة) يطل في موعده السنوي - ومن دون الحضور المباشر لمجنونه للأسف - بنفس القوة من ناحية اختيار الأفلام التي لا يزال بإمكانها سواء كانت محلية أم عربية أم حتى عالمية أن تبدو وكأنها خير ما حققته سينمات العالم.
ولعل في إمكاني أن أعترف بكل صراحة أنني إعتدت في كل عام أن أتوقع ما سيحصل عليه المهرجان من أفلام يعرضها، لكن مخاوفي سرعان ما تتبدد في كل عام بفرصتي لمشاهدة أفلام تضعني مباشرة أمام تطبيق فعلي لتوقعاتي لما اختاره المهرجان برنامج عمل له والمتحدث عن السينما في بعدها الإنساني. في المقابل في مقدورنا أن نلاحظ أن التنظيم في المهرجان لا يزال مقبولاً برغم كل الظروف فلابد من أن الاحظ، ولكن دون أي أسف على أية حال، أن الجانب النجومي والبهرجي قد تقلص خلال السنوات الأخيرة، بسبب الوباء الشهير مرة وبسبب الظروف السياسية المؤسية مرات فإن هذا يمكنني عدم التأسف عليه حتى ولو كان من التوابل الضرورية التي قد تحفظ توازن المهرجانات. بالنسبة إلى زاهد في الاجتماعيات من طينتي، المهم هو أن المهرجان لا يزال يحتفظ على مستوى رفيع من الأفلام ويعرضها في المواعيد المعلنة والتقنيات المميزة. وهذا يكفي وأكثر.
في الدورة الأولى حين سألني صديقي الكبير إنتشال التميمي والقلق يستبد به عن رأيي في تلك الدورة قلت له أننا نحن معشر النقاد نبدأ بالحكم على أي سينمائي وعلى أي مهرجان ابتداءً من فيلمه الثاني ومن الدورة الثانية لذاك اليوم والدورة السابعة من الجونة تقترب من خواتيمها السعيدة أطمئنك وأنت بعيد بجسدك الساكن الدار إنما ليس بروحك الحاضرة أن كل شيء على ما يرام: هم يواصلون بكل ابداع رسالة جنونك اللذيذ ونحن نتابع بكل سعادة - لا ينقصها إلا أن تكون معنا بمرحك الشفاف - الاستمتاع بأفلام نعرف أنك وراء اختيارها حتى ولو لم تقم بالعمل مباشرة.
تحياتي وحبي لك يا صديقي الأعز…
انتشال التميمي. . مجنون المهرجان
نشر في: 4 نوفمبر, 2024: 12:02 ص