TOP

جريدة المدى > عام > فائق العبودي: أوقات الرسم لحظات من التأمل والانغماس العميق في مشاعري وأفكاري

فائق العبودي: أوقات الرسم لحظات من التأمل والانغماس العميق في مشاعري وأفكاري

يرى أن الموروث الميزوبوتامي غني بالرموز التي تمثل أولى تجليات التواصل البشري

نشر في: 5 نوفمبر, 2024: 12:30 ص

حاوره/ علاء المفرجي
ولد في بغداد، درس الفنون الجميلة والتصوير الفوتوعرافي. كما درس التصميم الطباعي في سويسرا، وحصل على بكلوريوس فنون من الجامعة العربية المفتوحة في شمال أمريكا، يعيش فائق العبودي في مدينة لوزان السويسرية منذ سنة 1999 وأسس فيها مركز فضاء الشرق الثقافي. ومجلة ألوان ثقافية وهي مجلة تهتم بالثقافة والابداع والفنون. وشارك في عدد من المعارض الجماعية في مركز الفنون الجميلة في بغداد ما بين 1990 و1997. وأقام أول معرض شخصي له في؟ ؟ (في بغداد) سنة 1996. وقدم أعماله الفنية في الإمارات العربية المتحدة سنة 1998 وفي سويسرا وفرنسا اعتبارا من سنة 1999.
استلهم فائق العبودي، منذ بداية عمله الفني، تاريخ بلده، بلاد ما بين النهرين، وحضارته العريقة التي منحت البشرية أول رموز وعلامات الكتابة التي وجهت كل تاريخنا وقدم أكثر من عشرون معرضا شخصيا توزعت في عدد من دول العالم.
وتُصور لوحات الفنان رموز الخط المسماري لأقدم لغات الإنسانية المكتوبة، وهي اللغة السومرية التي كانت متداولة في جنوب بلاد ما بين النهرين خلال الألفية الثانية ما قبل الميلاد. كما يقدم لنا ألواحا منحوتة برموز تمزج بين الماضي والحاضر.
حدثنا في البداية عن التأثيرات في النشأة والطفولة (حيوات، أماكن، احداث) وطبعا قراءات.. التي اوصلتك لتحقق نجاحاتك الفنية؟
طفولتي لعبت دورًا محوريًا في تكويني كفنان، فهي اللبنة الأولى التي تحدد المسار الذي يسلكه الإنسان، كانت الموهبة واضحة منذ الصغر، حيث بدأت اهتمامي أولاً بالخط العربي، كانت الحروف والخطوط تبهرني بشدة، وبدأت أتعلم رسمها وأنا في سن مبكرة، إلى جانب ذلك، كنت أرسم كل شيء أراه أمامي.
في سن العاشرة، عُرضت رسوماتي في برنامج "الورشة" على تلفزيون العراق، الذي كانت تقدمه الأستاذة الكبيرة الدكتورة شذى سالم في صباها، الله يحفظها ويمن عليها بالعمر الطويل، أتذكر كلماتها عندما علقت على رسوماتي بقولها: "أنا على ثقة أن هذا الطفل سيكون فنانًا كبيرًا"، وكانت تلك الكلمات مصدر إلهام وتشجيع لي، هذه الكلمات الصغيرة، صنعت مني فنان.
في بداية الشباب، درست التصميم الطباعي حيث كان العمل يدوياً قبل الكمبيوتر، وكذلك التصوير الفوتوغرافي، والخط العربي، ثم اشتغلت كمصور فوتوغرافي في وزارة العمل، الى جانب مكتبي الخاص بالتصميم والخط العربي، والطباعة بالشبكة الحريرية (سلك سكرين) وعلى الرغم من أنني استمتعت بتلك الفنون، إلا أنني كنت دائمًا أميل نحو الرسم بشكل أكبر، وفي مرحلة ما، توقفت وقلت لنفسي عليّ أن أختار واحداً من هذه الفنون التي امارسها، بين الخط العربي، التصوير الفوتوغرافي، أو الرسم. وبعد تفكير عميق، أدركت أن الرسم هو الذي يمنحني أكبر مساحة للتعبير، وكان هو الخيار الذي شعرت أنه يعبر عني بشكل أعمق من الفنون الأخرى, واستثمرت وجودي في سويسرا درست تصميم الجرافيك، والاشتغال على برامج الفوتوشوب وأن دزاين وغيرها من برامج التصميم الحديثة، وصممت عدد كبير من أغلفة الكتب، وكذلك درست فن الرسم دراسة اكاديمية، فوجدت ان دراسة الفنون لا تصنع فنان بدون الموهبة، والموهبة تحتاج الى صقل، وبحث دائم لاكتساب الخبرات للوصول للنجاح، والنجاح في ساحة فنية كبيرة مليئة بالتجارب الناجحة، اشبه هذه الساحة بحقل ألغام، علينا اكتشاف الثغرة للعبور بنجاح، والنجاح يحتاج للعمل المتواصل، وحب العمل، والصبر والمحاولات، والاستفادة من الأخطاء.
ما الذي تعنيه أوقات الرسم لديك، وهل ما يتجلى عنها لوحات تترجم أحاسيسك وانفعالات التي تعبر فيها عن رحلتك مع الزمان والمكان؟
أوقات الرسم بالنسبة لي هي لحظات من التأمل والانغماس العميق في مشاعري وأفكاري، هي الأوقات التي أجد نفسي فيها في تواصل مع الذات، حيث يتحول الرسم إلى وسيلة للتعبير عن رحلتي الشخصية مع الزمن والمكان، كل لوحة هي انعكاس لمزيج من الأحاسيس التي تراكمت عبر تجاربي، وهي تجسيد حيّ للانفعالات الداخلية التي تأخذ شكلًا بصريًا على خامة اللوحة.
عندما أرسم، أعيش تلك اللحظات بكل تفاصيلها، وأحاول أن أترجمها من خلال الألوان والخطوط التي تعكس تأثير الزمان والمكان على روحي، إنها أشبه برحلة عبر الذاكرة والتجارب الإنسانية، حيث تعبر كل ضربة فرشاة عن جزء من تلك الرحلة.
انت فنان عاشق لموروثه الميزوبوتامي يغترف منهما أفكارا للوحاته، وخاصة أشكال الخط والرموز المسمارية القديمة التي ظهرت منذ القدم في تاريخ العراق، ماهي الأسباب الموضوعية التي جعلتك تنتهج هذا النهج؟
السبب الرئيسي الذي دفعني إلى انتهاج هذا النهج هو ارتباطي العميق بجذوري الحضارية في بلاد الرافدين، وهي مصدر إلهام دائم لي، فالموروث الميزوبوتامي غني بالرموز والخطوط التي تمثل أولى تجليات الكتابة والتواصل البشري، مثل الخط المسماري، والرموز القديمة، هذه الرموز ليست مجرد أشكال بصرية، بل تحمل قصصاً عريقة وثقافة إنسانية غنية امتدت عبر آلاف السنين.
أعتبر هذا الموروث بوابة للتعبير عن الهوية، حيث أحاول من خلال أعمالي أن أعيد صياغة تلك الرموز القديمة برؤية فنية معاصرة، مما يمنحها حياة جديدة ويجعلها جزءاً من الحوار الفني العالمي اليوم، وكوني عراقي، أشعر بمسؤولية كبيرة تجاه إبراز الجوانب الجميلة والمضيئة من تاريخ بلدي العريق، وأعتقد أن المبدعين العراقيين في الخارج هم بمثابة سفراء لعراقنا الحبيب، يحملون معهم إرثه الثقافي والحضاري ويقدمونه للعالم بطريقة تُظهر غنى حضارته وجمالها، من خلال أعمالنا الفنية، والادبية، نسعى إلى الحفاظ على هذا التراث، ونقل رسائل الأمل والإبداع التي تعكس روح العراق العظيمة.
الاستغراق في عوالم الرموز الحضارية هو السياق الموضوعي الذي يجمع بين عموم اعمالك.. ما تعليقك؟
الاستغراق في عوالم الرموز الحضارية هو بالفعل السمة الرئيسية التي تجمع بين أعمالي الفنية، ما عدى بداياتي التي تناولت الموروث الشعبي في المدينة القديمة، هذه الرموز التي اشتغل عليها اليوم ليست مجرد أشكال بصرية، بل هي لغة تعبّر عن هوية وحضارة عريقة تمتد لآلاف السنين، عندما أستكشف هذه الرموز وأعيد صياغتها في أعمالي، أجد نفسي في حوار مستمر مع الماضي، حيث أبحث عن معانٍ جديدة وأسلوب حديث للتعبير عن هذه القيم الإنسانية العريقة، التي اتشاركها مع الجمهور المتذوق للفن.
الغوص في الرموز الحضارية يمنح أعمالي بعدًا عميقًا يربط بين الماضي والحاضر، القديم والمعاصر، ويعيد إحياء تلك الرموز بطريقة تتناسب مع عالمنا المعاصر، مما يجعلها حية ومتجددة وقادرة على التواصل، والتحاور، مع الجمهور العالمي.
الملاحظ على أعمالك هو تجريبك لعدة مواد وألوان، ومن ثم الرموز التجريدية للوحات فائق العبودي، الأشكال الهندسية، الوجوه البارزة، أشجار النخيل، طائر.. وإشارات من التاريخ القديم، بغية الحصول على النتيجة لمنجزك الفني، هل هذا ما يهمك أثناء العمل في اللوحة أم كل ذلك هو سبب للوصول الى الفكرة؟
في أعمالي الفنية، التجريب بالمواد والألوان والرموز ليس مجرد وسيلة تقنية، بل هو جزء أساسي من عملية البحث عن الفكرة والتعبير عنها.
كل عنصر باللوحة، يحمل رسالة، إذا كانت الأشكال الهندسية، الوجوه البارزة، أشجار النخيل، أو الطائر او الرموز القديمة، كل منها يحمل رمزية معينة تساهم في إيصال المعنى للمشاهد.
الهدف الأساسي بالنسبة لي ليس فقط استخدام هذه العناصر للوصول إلى نتيجة بصرية، بل استخدامها كأدوات للتعمق في المفهوم والفكرة التي أريد إيصالها، الرموز المستمدة من التاريخ القديم ليست مجرد إشارة للماضي، بل هي جسر بين العصور، أحاول من خلاله خلق حوار بين الحاضر والماضي، لذلك كل هذه العناصر ليست غاية بحد ذاتها، بل وسيلة للوصول إلى تعبير فني أعمق يعكس تجربتي الشخصية والفنية.
أنا فنان مهووس بالتجريب والتجدد، لصنع عمل فني فريد، وأعتبر أن الابتكار واكتشاف طرق وأساليب جديدة في العمل الفني هما العنصران الأساسيان للحفاظ على روح الإبداع والتميز، التجريب بالنسبة لي ليس مجرد استكشاف للمواد والألوان، بل هو تحدٍ مستمر لتجاوز حدود التعبير الفني والتفاعل مع الأفكار والرموز بطرق جديدة وغير تقليدية.
والأمر نفسه خصوصية التقنيات المستخدمة، سواء على مستوى الخامة، أو الموضوع، أو التكنيك، والأسلوب، حيث أغلب رسومك موشحة برموز وتمائم مستوحاة من تاريخ العراق القديم؟
التقنيات التي أستخدمها، سواء من حيث الخامة أو الأسلوب، تلعب دورًا مهمًا في إعطاء أعمالي طابعها الخاص، كل خامة اختارها لها دلالتها وتضيف بُعدًا مختلفًا للعمل، سواء كان على مستوى الملمس أو التفاعل مع الألوان، الرموز والتمائم المستوحاة من تاريخ العراق القديم تُمثل جانبًا مهمًا في لوحاتي، فهي ليست مجرد اشكال، بل تحمل قصصًا وتقاليد عريقة تضرب بجذورها في حضارة تمتد لآلاف السنين، في اعمالي الفنية ارسم ثم أعتق العمل الفني لا عطية صبغة القدم، ويأخذ شكل الاثر، كأني ارسم الزمن، وهذا يتيح لي خلق توازن بين الماضي والحاضر، وابتكار لغة بصرية خاصة بي تعبّر عن هذه التراث بروح فريدة و معاصرة.
المطلع على مسيرتك الفنية يراك وقد مثلت العراق، وقدمت حضارته خير تقديم، من جدارية السلام التي قدمت في منظمة الملكية في جنيف هدية باسم رئيس الوزراء، إلى الرقم في منظمة اليونسكو، إلى اللوحة التي دخلت في الكنز الثقافي لمدينة لوزان السويسرية، هل تجد أن هناك اهتماما من الدولة العراقية بمبدعيها خارج العراق؟ وماذا قدم العراق لمبدعيه في الخراج عموما، ولك كمبدع عراقي على وجه الخصوص؟
من خلال مسيرتي الفنية الطويلة، كان لي شرف تمثيل العراق وحمل رسالته الثقافية في العديد من المحافل الدولية.
فقد أتيحت لي الفرصة التكليف والانجاز لجدارية السلام التي قدمت كهدية لمنظمة الملكية الفكرية في جنيف باسم رئيس الوزراء، إلى جانب أعمال فنية أخرى دخلت كممتلكات لليونسكو في باريس وإلى الكنز الثقافي لمدينة لوزان السويسرية.
ومع كل هذه الإنجازات، أشعر بخيبة أمل كبيرة تجاه قلة الاهتمام من قبل المسؤولين في الدولة العراقية، أنا والكثير من الفنانين العراقيين المبدعين نعتبر أنفسنا سفراء لبلدنا حاملين على عاتقنا مهمة تقديم تراثنا الثقافي وحضارتنا العريقة للعالم، وهذا يتطلب دعماً فعلياً من الدولة، سواء على المستوى المعنوي أو المادي. للأسف، ما نشعر به هو أن جهودنا لا تلقى التقدير المستحق.
تجربتي الشخصية تلخص هذا الواقع المؤسف، قبل بضعة أشهر، كَلفت من قبل وزارة الثقافة، بإعداد لوحة خاصة عن السلام، لتقديمها كهدية لمنظمة الملكية الفكرية في جنيف باسم رئيس الوزراء، انجزتها بكل حب، لكن المؤسف أن هذا الجهد الكبير والمميز، لم يلقَ أي اهتمام أو تقدير من قبل رئيس الوزراء، حتى حقوقي الفكرية لم تُحترم، ولم أتلقَ حتى تكاليف العمل، بل الأكثر استغرابا، هو أنني تلقيت كتاب شكر وتقدير من مجلس الوزراء عن عمل لم أقم به، عن هدية لمعهد العالم العربي، لا اعرفها، مع مكافأة خمسة ملايين دينار لم أستلمها.
في سويسرا، هذا المبلغ لا يكفي حتى لتأطير اللوحة التي أهديت.
وهنا لا أنكر أن وزير الثقافة وعدني مشكورا بتكريم خاص, والشكر موصول للدكتور علاء أبو الحسن العلاق والدكتور عارف الساعدي لجهودهم الخيرة.
الخلاصة: نحن بحاجة ماسة إلى دعم حقيقي من دولتنا، كما هو الحال في الدول المتحضرة، إذا كنا نريد أن نواصل رفع اسم العراق عاليًا في الساحة الفنية العالمية، اتذكر الكبيرة، زها حديد الله يرحمها، توفيت ولم يتحقق حلمها ان تكرم في بلدها العراق، هل هي بحاجة لذلك التكريم؟ وهي الحاملة اعلى وسام، طبعا لا، ولكن تكريم البلد له طعم خاص يلامس الروح.
"لوحات العبودي تذكرنا بالحقول الملونة للرسام الانطباعي التجريدي فمجموعة أعمال العبودي يستعمل فيها ألوانا غامقة وأكثر عضوية كالألوان الطينية والرمادية والتي تطرح فكرة الألواح القديمة للكتابة المسمارية اللوحات كأنها قطع أثرية منقب عنها حديثا وما زالت تحمل تراب وتآكل الزمن وتعاقبه. هذا ما كتبته ناقدة سويسرية.." ما مدى مقاربة ذلك مع ما تنجز؟
ما كتبته الناقدة السويسرية عن أعمالي هو بالفعل مقاربة دقيقة لما أقدمه في لوحاتي، أنا أستخدم الألوان الطينية والرمادية بشكل مقصود، فهي تحمل طابعًا عضويًا وارتباطًا بالأرض وتاريخها، خاصة عندما أستلهم من الألواح القديمة والكتابة المسمارية، هذه الألوان تُعيد إحياء الشعور بأن اللوحات هي قطع أثرية مستخرجة من أعماق الزمن، وتظهر تأثير تعاقب السنين عليها.
الرموز والخطوط التي أستخدمها في أعمالي ترتبط بشكل مباشر بتلك الفكرة، حيث أسعى لجعل كل لوحة تبدو وكأنها تحمل آثار الزمن وتشهد على ماضٍ عريق.
التعتيق الذي يبدو وكأنه تآكل بفعل الزمن هو جزء من رؤيتي الفنية، فهو يمثل التفاعل المستمر بين الحاضر والماضي، وكأنني أبعث تلك الحضارات القديمة وأمنحها حياة جديدة بلغة معاصرة.
تجربة الفنان فائق العبودي تأخذ أبعاداً تطورية مختلفة تتموضع بين التعبيرية والواقعية التشخيصية. وكأنك تحاول والبحث عن خصوصية ما، تمثل ما يدور في اعماقك؟
في بداياتي اشتغلت عن التعبيرية والواقعية، اما اليوم أنا أعمل على الرمزية في أعمالي، حيث أعتبر الرموز وسيلة قوية للتعبير عن الأفكار والمشاعر العميقة، الرمزية تمنحني القدرة على التواصل مع المشاهد بطريقة غير مباشرة، حيث يحمل كل رمز في لوحاتي معانٍ متعددة ترتبط بتجربتي الشخصية أو بالموروث الثقافي الذي أستلهم منه.
الرمز في أعمالي يتميز بتعدد القراءات، مما يجعله غنيًا ويفتح المجال لتفسيرات متنوعة من قبل المتلقي، هذه التعددية تتيح لكل شخص أن يجد في العمل الفني معنى يتناسب مع تجربته الشخصية، وتدفعه لطرح تساؤلات واستكشاف أبعاد جديدة في الرمز، هذا التنوع في الفهم هو ما يجعل الرمزية قوية وفعّالة، حيث لا تقتصر على رسالة واحدة، بل تخلق حواراً مفتوحاً ومستمراً بين العمل الفني والجمهور.
تنشغل في اعمالك بخلق نوعاً من التفاصيل متناثرة في أجزاء اللوحة سرعان ما تجذب المتلقي، هل تتعمد ذلك لتجعل الفكرة هي خلفية اللوحة؟
نعم، في أعمالي أتعمد خلق تفاصيل متناثرة في أجزاء اللوحة بهدف جذب انتباه المتلقي وإشراكه في اكتشاف العمل بشكل أعمق، هذه التفاصيل الصغيرة ليست مجرد عناصر زخرفية، بل هي جزء من القصة الكامنة وراء اللوحة، من خلالها أحاول أن أوصل فكرة أو مشاعر معينة قد تكون خلفية اللوحة أو مخفية بين طبقاتها.
أعتقد أن هذه التفاصيل تلعب دورًا في تحفيز المشاهد على التفاعل مع العمل بشكل أكثر دقة، حيث تجعل كل زاوية في اللوحة نقطة بداية لاستكشاف فكرة أكبر، والهدف هو أن يشعر المتلقي بأن كل عنصر في العمل يحمل دلالة، وأنه لا يمكن الاكتفاء بنظرة واحدة أو تفسير واحد، بل تتطلب اللوحة قراءة مستمرة ومتجددة، والجميل سمعت من عدد من المقتنيين، قالوا لي: كل يوم نكتشف شيء جديد بلوحتك، رغم مرور زمن على اقتنائهم للعمل الفني.
من هم اباؤك في الرسم.. وبمن تأثرت منهم من هؤلاء؟
على مر مسيرتي الفنية، تأثرت بالعديد من الفنانين كل منهم أضاف شيئاً خاصاً إلى تطوري الفني وشكل نهجي الإبداعي.
من أبرز هؤلاء:

  1. فنسنت فان غوخ: استلهمت منه الحس التعبيري القوي واستخدامه للألوان الجريئة في التعبير عن المشاعر والانفعالات. فان غوخ ألهمني في كيفية التعامل مع الألوان كوسيلة لنقل الأحاسيس بشكل فني مباشر وصادق.
    2. بول كلي: أثرتني رمزية كلي وفلسفته في الفن، حيث كان يتعامل مع الأشكال والرموز بطريقة تختصر معاني معقدة. استخدامه للرموز البسيطة والعميقة في الوقت نفسه ألهمني في تطوير اللغة الرمزية الخاصة بي.
  2. جواد سليم: باعتباره أحد أبرز الفنانين العراقيين، تأثرت بقدرته على المزج بين التراث العراقي القديم وبين الفن المعاصر، وهو ما انعكس في أسلوبي الذي يسعى لتجديد الرموز العراقية القديمة وإعادة إحيائها في سياق حديث.
  3. شاكر حسن آل سعيد: الذي استطاع ان يخلق في لوحاته، ابعاد معرفية وروحانية.
    كل هؤلاء الفنانين، مع اختلاف أساليبهم واهتماماتهم، شكلوا جزءاً من تطوري الفني ودفعوني لاستكشاف أساليب جديدة ومختلفة.
    ما الذي تراه في المشهد التشكيلي العراقي؟
    المشهد التشكيلي العراقي يتميز بالغنى والتنوع، متأثراً بتراث حضاري عريق وتاريخ طويل يمتد إلى حضارات بلاد الرافدين.
    على الرغم من التحديات التي تواجه الفنانين في العراق بسبب الظروف السياسية والاجتماعية، إلا أن هناك حركة فنية قوية تسعى للتجديد والتعبير عن الهوية العراقية بأساليب معاصرة، والكثير من الفنانين العراقيين، سواء داخل البلاد أو في المهجر، يحاولون إيصال رسائلهم للعالم من خلال الفن التشكيلي، معبرين عن آمالهم وآلامهم، وفي الوقت نفسه يساهمون في الحفاظ على الهوية الثقافية والفنية للعراق.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق معرض العراق للكتاب

الأكثر قراءة

موسيقى الاحد: هندل وثيودورا

العُثَّةُ… رواية جديدة للكاتب يوسف أبو الفوز

علم السرد والوسيط الرقمي

جائزة نوبل وجنون العظمة

الوهم كإلهام أدبي

مقالات ذات صلة

جائزة نوبل وجنون العظمة
عام

جائزة نوبل وجنون العظمة

توم هارتسفيلد*ترجمة: لطفية الدليميالفوزُ بجائزة نوبل يعدُّ -بالقناعة السائدة عالمياً- الإنجاز المهني الأعلى لكلّ مشتغل بالعلم. غواية الجائزة تبقى دوماً عظيمة إلى حدود قد تدفعُ بحاملها إلى الشعور بأنّ أفكاره ومحاججاته لا ينبغي أن...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram