عادل العاملسيكون الواحد مدفوعاً بقوة إلى اسم مؤلف معاصر على هذه الدرجة من النجاح كالكاتب السلفادوري هوراسيو كاستيلانوس مويا، حين يصل الأمر لديه حدَّ الكشف عن الأوجه الأكثر فحشاً و إحراجاُ للوعي الإنساني، كما يقول جورج فراغوبولوس في عرضه النقدي هذا.
فروايات مويا، الذي ولد في عام 1957، و عمل أولاً في الصحافة قبل أن يُصبح روائياً، تتحدث بإلحاح عن الوقائع السياسية المزعجة التي غالباً ما تكون بعيدةً عن أذهان معظم الأميركيين الشماليين. و قد أحرز مويا قدراً معيناً من " سوء السمعة " في بلده بعد نشر روايته في عام 1997. و سرعان ما بدأ الكاتب يتلقى تهديدات بالموت، مما أدى بالكاتب التشيلي الراحل روبيرتو بولانو إلى القول إن إحدى فضائل مويا المركزية هي أنه يدفع القوميين إلى الخَبَل.و هو، في تأثره بأسلوب أحد أسلافه الكتّاب، توماس بيرنهارد، يُعد أستاذاً في سخريته اللاذعة الموجعة؛ و أصواته المتّسمة برهاب الاحتجاز claustrophobic ( الخوف من الأماكن المغلقة ) تنضح و تقطر يأساً، و عنفاً، و تحفيزاً ( في الأقل تلك الأعمال التي ظهرت له مترجمةً إلى الانكليزية لحد الآن قد وقعت تحت هذا التصنيف ). و يبدو مويا أنه قد أخذ جدياً بدعوى دوستويفسكي القائلة بأن الوعي مرض، لكن هذا لا يعني أننا ينبغي أن نحسبه من المؤمنين بأن لا وجود لشيء غير الأنا solipsist : فبالنسبة لمويا لا وجود لوعي، و لا نفس، لا يكون عرّضياً لوقائع اجتماعية و سياسية أكبر تعبّر أو تُخبرعن أوجهٍ كهذه للتجربة الإنسانية. بمثل هذه الاعتبارات، فإن أحدث رواية ظهرت لمويا في الترجمة الانكليزية، ( الشيطانة في المرآة The She-Devil in the Mirror )، تُعد قطعةً رفيقة ممتازة لعملٍ تُرجم سابقاً،( سُخف . ( Senselessnessو هي، مع شبهها الكبير بسابقتها، و كونها أيضاً موجزةً و لاذعة، فإنها تحدث كلّيةًً في عقل شخصيةٍ وحيدة على حافة الجنون. و في حين أن رواية ( سُخف ) يرويها مصحح طباعة بطيء يبدأ على نحوٍ بطيء بإدراك أنه " غير كامل في عقله " و هو يحرر تقريراً حكومياً يفصّل فظاعات مرتكبة بحق سكان محليين في بلد أميركي لاتيني غير مسمَّى، فإن ( الشيطانة ) ترويها لورا ريفيرا، عضو النخبة الاجتماعية بالسلفادور، و هي امرأة تشكل حياتها مادةً لتلينوفيلا telenovela ( و هو نوع أدبي شعبي بصيغة أرفع لإلقاء الضوء على الأوجه الأكثر سخفاً لقصة بطله القصصي ). و مثلما هي الحال كثيراً مع المصحح الطباعي لمويا، تصبح لورا أيضاً تدرك، و إن متأخراً جداً، " أن هناك شيئاً ما غير صحيح مع عقلي ".و يبدأ انحدار لورا إلى الجنون ( فيما يبدو ) مع الاغتيال العنيف لصديقتها الحميمة، أولغا ماريا. و حين تبدأ الراوية بمحاولة الكشف عن غموض الاغتيال، نعلم أموراً أكثر عن لورا و معارفها، و أسرتها، و عشاقها. و يمكن القول إن بطلة القصة الحقيقية في ( الشيطانة في المرآة ) هي البلاد نفسها، ألسلفادور التي عاثت بها الحرب الأهلية، و المناخ السياسي الذي أعقب ذلك. و كما قال نيتشه، " إن الخبَل في الأفراد أمرٌ نادر، لكنه في الجماعات، و الأحزاب، و الأمم هو القاعدة ".و ما جنون لورا إلا امتداد للإعصار السياسي، و الجنون، الذي هو تاريخ بلدها الحديث. غير أن الأمور أكثر تعقيداً نظراً لأن لورا يمكن أن تكون ضحيةً و مضحّية : فبينما هي تعيش وجوداً امتيازياً في نواحٍ عدة، فإنها أيضاً جزء من نخبة تتّسم بسفاح القربى و تمتّع أفرادها بطريقة مغرية ــ فليس مصادفةً أن تتشاطر لورا و أولغا الكثير من العشاق أنفسهم، أو غالباً ما تجدان نفسيهما تتعرضان لخيانة أقرب الأشخاص إليهما.و من البداية، ترى لورا أن اغتيال أولغا أمر لا يمكن تفسيره. لمن غياب الإدانة هذا هو مركز الرواية الحقيقي. إذ نبقى بلا جواب بشأن لماذا اغتيلت أولغا ماريا. و يلمّح الكاتب و يلقي بإشارات فيما يتعلق بمكائد سياسية أكبر فوق فهم لورا، لكننا نحن القراء نظل غير مدركين لذلك أبداً. و بتخيلات لورا و استطراداتها الذهنية، يُنشئ مويا مرآةً نصّية لأمراض زمنٍ و مكانٍ خاصّين. و ما يجعل الرواية على هذه الدرجة من الإلزام compelling هو هذا النسج للإدانة و الشر. فالشر، و العنف، و الرعب جميعاً مفصلة هنا. و يؤكد الناقد سكوت إسبوسيتو في هذا الإطار أن روايات مويا منغمرة جدا في السياسة إلى حد أنها، للغرابة، لا تبدو سياسية تقريباً، و هو ما يدعوه " جزءاً من ما دون الوعي السياسي العظيم الذي يغلي من خلال الحياة في أميركا القرن الـ 21 اللاتينية".rnعن wordswithoutborders
السلفادوري مويا.. وانعكاسات "الشيطانة فـي المرآة"
نشر في: 22 يناير, 2011: 05:31 م