TOP

جريدة المدى > مقالات واعمدة ارشيف > قناديل ..كتاب كأنه العيد:عن الثقافات والبحر والريح وأهواء البشر

قناديل ..كتاب كأنه العيد:عن الثقافات والبحر والريح وأهواء البشر

نشر في: 22 يناير, 2011: 05:33 م

لطفية الدليمي كتاب ( تراتيل متوسطية ) الساحر  في فرادته وجنسه الإبداعي - للكاتب  بريدراج ماتفيجيفتش  – يعد سفرا  يجمع بين ثقافة كونية ومعارف واسعة  ويقارب في جدليته كما يقول – كلوديو ماجريس في مقدمة الكتاب – بين تقارب وتباعد الحياة والأشياء والتاريخ  ، وهو منحاز للذاتية في الرؤية دون أن يتنكر للكونية ويقاوم الكليانية دون تجاهل منظور شمولي للواقع
، والكاتب  يوغوسلافي واستاذ للادب الفرنسي بجامعة زغرب والأدب المقارن في السوربون عاش منذ بدء الحرب اليوغوسلافية  ثلاثة اعوام في باريس ثم انتقل للعمل في جامعات ايطاليا  وهو رئيس اللجنة الدولية لمؤسسة ( مشغل البحر المتوسط )في نابولي ومستشار شؤون المتوسط في مجموعة العلماء بالمفوضية الاوروبية . وهو كاتب شجاع له مداخلات سياسية وابحاث ادبية واسعة ورسائل مفتوحة وجهها الى قادة العالم من اجل الدفاع  عن الحريات وضحايا السلطة..يتحدى الكتاب –  جميع الأجناس الادبية فبحره المتوسط ليس المجال التاريخي الثقافي فقط والذي  درسه  الباحثون وليس هو المجال الصوفي الروائي الذي احتفى به اندريه جيد وكامو ، إنه عمل  ينهل من الخرائط البحرية والرحلات والهجرات والمعاجم ومن البحث العلمي والرواية ،  الكتاب الكنز-   لعلي لا أبالغ اذا ما  قلت أنه ذكرني  بكتاب الرمل الخرافي الذي ابتدعه بورخيس فكل صفحة من الكتاب عبارة عن مكتبة هائلة من المعلومات والمتع الابداعية  فهو لم يستند الى المصادر ويقرأ الموسوعات حسب بل قرأ العالم والواقع والحركات ونبرات البشر واسلوب ادارة الموانئ وتمدد الطبيعة في التاريخ والفن  واتخاذ اشكال السواحل أشكال المعمار وهو يرسم حدود ثقافة شجر الزيتون في امتداد الديانات اوهجرة سمك السلور ، يقرأ التواريخ والمصائر في اللغات الزائلة ولغة الامواج  والأرصفة يصير الكتاب ملحمة سخية بالأسفار  وبهذا وغيره يمسك الكاتب بالبحر المتوسط ويمازجه بمذاق الزيت والخمر ولون الامواج  وحمرة المرجان ..ساقتطع فقرات من هذا الكتاب الساحر  الممتع فهو جنس أدبي اكثر حضورا من البحث العلمي واجمل من الرواية، انه بحث في مجاري الانهار الذي سعى كاتبه في الأنهار العظمى ومنها نهر الدانوب ليتحدث عن الحنين الكبير للبحر  وتداخل الثقافات ..(    يحتضن المتوسط ، اجزاء واسعة من القارة الأوروبية ، ويخضعها لتأثيره ، فحدود ثقافته غير مندرجة لافي المكان ولافي الزمان  (....) إن هذه الحدود ليست تاريخية ولاعرقية ولا وطنية ولا دولية ، إنها دائرة طباشير لاتتوقف عن الرسم والامحاء (...) فعلى طول الساحل كانت تمر طريق الحرير وطريق العنبر وتتقاطع مع طريق الملح والتوابل والزيت والعطور،، طرق الأدوات والأسلحة والفنون والمعرفة والنبوءات والإيمان  ) يمضي بنا ماتفيجيفتش ليحدثنا عن معاناة الخطاب المتوسطي من الثرثرة  حول الشمس والعطور وجزر السعادة والفتيات سريعات النضج والأرامل المتشحات بالسواد  والموانئ والنخل والزهو والبؤس والأوهام ،وما كرره الأدب من أوصاف وأقوال  ،خدمت البلاغة المتوسطية  الديمقراطية  والديماجوجية ،خدمت الحرية والاستعباد ، واستحوذت على المعبد والسوق ، على العدالة والوعظ  الفارغ..يلاحق الكاتب المتناقضات المتوسطية ، الهندسة والشكل والمنطق والعلم ومن جهة أخرى أضدادها :الكتب المقدسة وكتب التصوف في مواجهة الحروب الصليبية او الجهاد ، الذهن الكنائسي ونبذ التعصب ساحة السوق والمتاهة الديونيسية ومكر سيزيف وخداعه ،المشرق والمغرب، النصرانية والاسلام . يتفحص الكاتب مزاج البشر المتوسطيين وشتائمهم وشهواتهم وعلاقتهم بالموج والريح  والنجوم ، يكتشف تدفق الأنهار إلى البحر وحنينها له  ( تخترق الانهار المتوسطية البحر بطرائق مختلفة : يفعل بعضها ذلك باحتفال وكأنها راضية بإنجاز واجبها ،البعض الآخر يبدو مفاجئا ويدخل بفتور ، يكون بعضها راضيا والآخر مترددا او مستسلما ، تزج الأولى مياهها على مضض بالبحر ..لا يحتفظ لها البحر بنفس الاستقبال (..)  ...( عبرت كثيرا من انهار المتوسط متتبعا مجراها واستحممت فيها وتنشقت الروائح التي تفوح من نباتاتها ، تختلف أنواع القصب  من مصب لآخر  .. وليس للصنوبر نفس الرائحة في محيط الأنهار او بعيدا عنها  إننا نعرف في روائحه مختلف مناطق المتوسط )..يظهر هنا عالم النبات الشاعر والضليع بالشجر الخالد ( ترسم شجرة التين حدود ثقافة المتوسط وتوسعها في المكان الذي يتراجع عنه شجر الزيتون .. تختفي شجرتا البرتقال والليمون فيما وراء المصبات ..يصف الكاتب ترحل البدو بين ليبيا والمغرب ، يحدثنا عن دولتهم التي يمثلها العراء الصحراوي ، يروي عن هجرة الأتراك من أعماق آسيا الى سواحل المتوسط وعن تسمياتهم وعاداتهم ،مثلما يتحدث عن الأقباط وهجرة اليهود مع موسى ،عن العرب الذين فتحوا البحر بسيادتهم على البر من الشرق الى الغرب جاؤوا  وهزموا الأسطول البيزنطي قرب رأس ال

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق معرض العراق للكتاب

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

حياتي وموت علي طالب

حياتي وموت علي طالب

غادة العاملي في لحظة تزامنت فيها الحياة مع الموت استعدت ذكريات عشر سنوات ،أو أكثر .. أختصرها الآن في ذاكرتي بالأشهر الثلاثة الأخيرة. حينما اتفقنا أناقرر هو أن يسافر ملبيا الدعوة التي انتظرها لأكثر...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram