المدى/ حيدر هشام
في تطور مثير للجدل، تتفاقم ظاهرة إفلات المتهمين بالفساد في العراق من العقاب، بل وتكريمهم بمناصب جديدة بدلاً من محاسبتهم. هذه الظاهرة، التي وصفت بـ«الخطيرة»، أثارت استغراب جهات سياسية، فيما طالبت شخصيات نيابية برفع الملفات إلى القضاء لردعهم.
ويُصنَّف العراق ضمن الدول الأكثر فساداً في العالم، إذ احتل المرتبة 157 عالمياً بين 180 دولة ضمن مؤشرات مدركات الفساد الذي أصدرته منظمة الشفافية الدولية العام الماضي 2021.
وصف الباحث في الشأن السياسي، زياد العرار، إفلات المسؤولين المتهمين بقضايا الفساد من العقاب بـ«سابقة خطيرة»، معبّراً عن استغرابه من حصولهم على مناصب جديدة.
وقال العرار، في حديثه لـ(المدى)، إن «من يتهم بالفساد في العراق لا يُحال للقضاء، ولا يتم التحقيق معه، بل إن الأمر الأكثر غرابة يتمثل في تعيين بعض الشخصيات المتهمة بالفساد في مناصب أخرى، وتدويرهم». وأضاف أن «هذه حالة مستغربة ولم تحصل في أي دولة حول العالم»، مشيراً إلى أن «جميع ملفات الفساد لا تنتهي بنهاية واضحة، أي أن التحقيقات الإدارية لا تصل للقضاء».
ولا ينكر المسؤولون العراقيون وجود فساد مستشرٍ في الدولة، إذ إن رئيس الوزراء الأسبق حيدر العبادي كان قد كشف في أيلول/سبتمبر 2014 عن وجود نحو 50 ألف موظف وجندي في وزارة الدفاع العراقية يتلقون رواتبهم دون أن يكون لهم وجود على أرض الواقع. أما في آب/أغسطس 2015، فكشف عادل عبد المهدي، الذي كان يشغل حينها منصب وزير النفط، أن الموازنات العراقية منذ 2003 ولغاية 2015 بلغت 850 مليار دولار، وأن الفساد في العراق أهدر 450 مليار دولار، مضيفاً أن استغلال المناصب من جانب المسؤولين لمصالح خاصة كلف الدولة 25 مليار دولار.
بدوره، أبدى عضو مجلس النواب، محمد الزيادي، موقفه من الاكتفاء بالعقوبات الإدارية بحق المسؤولين الفاسدين، مشدداً على ضرورة رفع الملفات إلى القضاء.
وقال الزيادي في حديثه لـ(المدى)، إنه «لا يمكن ربط العقوبة الإدارية بالقانونية، وعلى كل دوائر الدولة والوزارات، في حال وجود ضرر بالمال العام، ضرورة رفع التحقيق إلى الجهات القضائية بالإضافة إلى شكوى الممثل القانوني، وعدم الاكتفاء بالتحقيقات الإدارية».
وأكد أن «الطرد والإعفاء من المنصب يمثل عقوبات إدارية، لا يمكن الاكتفاء بها، فأي مؤسسة لا يحق لها معاقبة المسؤول الذي أثّر على المال وهدره بعزله»، داعياً وسائل الإعلام إلى «الكشف عن الشخصيات الفاسدة لمحاولات فرض العقوبات القضائية بحقهم وردعهم».
وأشار إلى أن «المتهمين تلاحقهم العقوبات القانونية وكذلك القضائية والتي يصل بعضها إلى درجة الإعدام والمؤبد، وهو ما يؤكد ضرورة تقديمهم للقضاء».
وفي أيلول/سبتمبر 2021، كشف رئيس الجمهورية السابق، برهم صالح، في مقابلة متلفزة، أن أموال العراق المتأتية من النفط منذ 2003 تصل لنحو ألف مليار دولار، لافتاً إلى أن التقديرات تشير إلى أن الأموال المنهوبة من العراق إلى الخارج تقدر بنحو 150 مليار دولار، مشدداً على أن العراق يعمل على استعادتها من خلال مطالبته العالم بتشكيل تحالف دولي لمكافحة الفساد واسترداد الأموال المنهوبة.
من جانبه، فصل الخبير القانوني، علي التميمي، ثلاث حالات يطبق عليها القانون بحق موظفي الدولة، معتبراً إجراءات سحب اليد وإطلاق سراح المتهمين «قانونية».
وأوضح في حديثه لـ(المدى)، أن «هناك حالات يطبق عليها قانون انضباط موظفي الدولة رقم 14 لسنة 1991، والذي أوجب تشكيل اللجان التحقيقية في حالة وجود تجاوز أو إخلال بالوظيفة، وتقرر إما إحالة الملف إلى محكمة التحقيق أو الاكتفاء بتوصيات لفرض عقوبات كالتوبيخ والإنذار وقطع الراتب».
وبيّن أن «الحالة الثانية تتمثل بقيام أحد النواب بإحالة الملفات إلى الادعاء العام للتحقيق بقضية معينة، والذي يكون تحت أنظار محكمة التحقيق، والتي تشرع باتخاذ الإجراءات القانونية وفق قانوني العقوبات وأصول المحاكمات الجزائية، وإحالة الملف إلى المحكمة المختصة».
وأضاف أن «الحالة الثالثة تتمثل بهيئة النزاهة، التي تعمل بالتحقيق بملف معين، والتي ترتبط بقاضي متخصص، تحيل له ما يشكل جريمة لها، من موظف أو مكلف بتقديم خدمة عامة، والتي تكون قادرة على إحالته إلى المحكمة المختصة وتتم محاكمته».
ويوضح الباحث في الشأن القانوني أن «الأحكام التي تصدر كسحب اليد من الوزير، أو إطلاق سراحه من قبل المحكمة، تعتبر إجراءات قانونية».
الأمر لا يقتصر على العراق والعراقيين، ففي دول كثيرة تبرز هذه الظاهرة غير القانونية للإفلات من العقاب. وفي تقرير صدر عن مجلس حقوق الإنسان بتاريخ 20 شباط/فبراير 2007، أعده الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون، تبرز إشارات عن وقائع في دول مثل أفغانستان والبوسنة والهرسك وسريلانكا وكمبوديا وكولومبيا وغواتيمالا ونيبال.
الفساد في العراق: المتهمون يتولون مناصب جديدة دون عقاب
نشر في: 5 نوفمبر, 2024: 12:54 ص