ترجمة: عدوية الهلالي
بعد غياب دام ثلاث سنوات عندما تم عرض فيلمهما الموسيقي " ترالالا" في عام 2021، يعود الشقيقان أرنو وجان ماري لاريو إلى الشاشة الكبيرة بفيلم جديد بعنوان " حكاية جيم" والذي يعرض حاليا في دور العرض وهو مقتبس عن رواية مؤثرة وحساسة ولطيفة تحمل الاسم نفسه للكاتب بيريك بايلي، والتي نشرتها دار نشر P.O.L في عام 2021..الفيلم من بطولة الرائع كريم ليكلو ولاتيسيا دوش وبرتراند بيلين وسارة جيرودو.
لأكثر من عشرين عامًا، صورت أفلام أرنو وجان ماري لاريو الخطوط الغامضة للحياة الطبيعية. واليوم يطرح الفيلم الطويل التاسع لهما سؤالاً أساسيًا: مامعنى أن تكون أبًا؟ وهل ان الاب هو الذي زرع بذرته الصغيرة في رحم الأم أم الذي يأخذ بيدك لاكتشاف العالم؟
بعينيه البنيتين الكبيرتين ووجهه المستدير، يبدو أيمريك (كريم ليكو الحيوي) كرجل لطيف. وبعد أن يقضي عقوبة السجن بسبب عملية سطو بسيطة سيئة التخطيط، يصبح حرًا ومستعدًا لاستئناف حياته في بلدته الصغيرة سان كلود في جورا.وهناك يلتقي بزميلة عمل سابقة،هي فلورنسا (ليتيتيا دوش)، وهي حامل في الشهر السادس وعزباء. إنها حرة، وبسيطة وبعد ان ينشأ بينهما علاقة عاطفية تقول لأصدقائها: "سيكون والد الطفل هو الموجود وقت الولادة".وبعد سنوات يقول ايمريك: "عندما ولد جيم، كنت هناك، ثم بقيت هناك، وقضينا العديد من السنوات الرائعة معًا، واعتقدت أنني سأصبح والده".
لذلك فمن قبيل الصدفة تقريبًا أن يتولى اميريك الدور الحقيقي لـ "الأب الزائف" لجيم، إذ يقدم له القدر هذا الرابط ويأخذه دون طرح الكثير من الأسئلة. فالطفل جيم لا يحمل اسمه، لكن أيميريك يمارس أبوته خارج روابط الدم.ومنذ ذلك الحين، يتحول ما قد يراه البعض على أنه مبالغة أو كذب إلى علاقة حقيقية،ويقول للصغير أثناء نزهة في الغابة: "أنا وأنت، نحن مغامران، ونتحمل المخاطر".
وفي منزلهم في جورا، تتمتع العائلة الصغيرة بأيام سعيدة قبل العودة غير المتوقعة لكريستوف (برتراند بيلين)، والد جيم البيولوجي، الذي يواجه مأساة شخصية فتعرض فلورنس مساعدته. وما كان من المفترض أن يستمر بضعة أيام فقط سوف يستمر إلى الأبد. لدرجة أن إيميريك سيفقد مكانه تدريجياً.ومن أجل الحفاظ على ارتباطه بجيم، فإنه سيوافق حتى على أن يصبح الأب الروحي له، يقول: "الأمر يشبه إلى حد ما الانتقال إلى الدرجة الثانية". وشيئًا فشيئًا، سوف تتفكك الروابط أكثر وسيتعين على أيميريك أن يخلق حياة أخرى. ولكن بعد سنوات، يطرق جيم، البالغ من العمر 23 عامًا، باب إيميريك.
يتفوق الممثل الفرنسي من اصل جزائري كريم ليكلو الذي عرفه الجمهور في أفلام (قطرة من ذهب) و(فانسان) في الفيلم الجديد (حكاية جيم) بدور الاب اللطيف وتغمر هشاشته ورقته والتزامه ودقته أجواء الفيلم..
أما بالنسبة لمخرجي الفيلم الأخوين لاريو، فتلعب المناظر الطبيعية دورًا مركزيًا إذ يكثر المشي في الغابة أو بالقرب من البحيرة، ويبقي العرض الدقيق والسلس المشاهد في حالة تشويق، كما إن اقتحام شخصية أوليفيا (سارة جيرودو الرائعة) حياة أيميريك تمنحها أفقًا جديدًا. وتلتقط كاميرا الأخوين لاريو أجساد الشخصيات ومظاهرها بذكاء وحيوية ويأخذنا الفيلم الذي أخرجه وكتب له السيناريو جان ماري وأرنو لاريو بعيداً فيقدم صورة مؤثرة للأب حيث يتم عرض العلاقات الإنسانية مثل قصيدة نائية في فيلم روائي طويل ينعش القلب.
طور أرنو لاريو وشقيقه جان ماري شغفهم بالسينما في وقت مبكر جدًا بفضل جدهم الذي قام بتصوير أفلام جبلية مقاس 16 ملم عندما كانوا مراهقين، فقاموا بدورهم بالتصوير والمشاركة في المسابقات الخاصة به، ثم در سوا الأدب والفلسفة. ومنذ منتصف الثمانينيات، قام الشقيقان لاريو بتصوير العديد من الأفلام القصيرة التي عرضت في المهرجانات – ثم اخرجا عددا من الأفلام الطويلة التي حظيت باعجاب الجمهور والنقاد.. ويقول المخرجان عن اسلوبهما في العمل: "كانت فكرتنا دائمًا هي تصوير الأجساد في المناظر الطبيعية أو الأجساد مثل المناظر الطبيعية"، وهو الامر الذي برز بوضوح في فيلمهما الأخير (حكاية جيم)..