بغداد / محمود الجبوري
منذ سقوط النظام السابق عام 2003 وحتى الآن، لا يزال الكرد يتطلعون إلى الفرج والإنصاف المحبوس الذي غيبته الإجراءات والقرارات المقيدة بالنظام السابق. ولم تفلح القرارات والإجراءات التي أقرتها الحكومات المتعاقبة في حل وإنهاء هذا الملف الشائك والمعقد على مر العقود الماضية.
مارس النظام العراقي السابق سياسات التعريب الديموغرافي وإبعاد المكون الكردي عن أراضيه والاستيلاء عليها لدواعٍ قومية وطائفية امتدت منذ السبعينيات حتى سقوط النظام السابق. وما زالت الكثير من دعاوى الملكية الخاصة بحسم ممتلكات وعائدية الأراضي في كركوك لم تُحسم حتى الآن بسبب التأثيرات السياسية والطائفية والمصالح الانتخابية.
لا تزال أراضي الكرد محل نزاعات قومية متجذرة في مناطق أطراف ديالى وكركوك وصلاح الدين، رغم إنجاز جانب مهم من إجراءات وقرارات المادة 140 الخاصة بتطبيع الأوضاع وتعويض المتضررين وحسم عائدية الأراضي الزراعية والأملاك قانونياً وقضائياً.
وأقدم النظام السابق، عبر ما يسمى «لجنة شؤون الشمال» التي ترأسها آنذاك نائب الرئيس السابق طه ياسين رمضان في السبعينيات والثمانينيات، على تنفيذ سياسات التعريب الديموغرافي باستبدال الكرد بالعرب وتجريدهم من أملاكهم في عدة محافظات لأهداف سياسية تزامناً مع النزاعات والحروب مع الجانب الإيراني.
أبرز المشاكل والنزاعات القومية حيال عائدية الأراضي الزراعية شهدتها مناطق أطراف جنوبي وغربي كركوك ومناطق واقعة بين قضاء طوزخورماتو شرقي صلاح الدين وأطراف جنوب قضاء داقوق جنوبي كركوك.
يعتبر الناشط المدني فرات رايان، من سكان قضاء داقوق، أن أراضي الكرد التي اغتصبها النظام السابق ضمن سياسات التعريب الديموغرافي والقومي لا تزال حبيسة القرارات المسيسة «شوفينياً وبعثياً»، ولم تتحرر المحاكم والمؤسسات المعنية بملفات الأملاك والأراضي من قوانين النظام البائد التي سلبت الحق من المالك وسلمته للوافدين، في إشارة منه إلى القومية العربية.
ويرى رايان في حديثه لـ(المدى) وجود عراقيل قومية تقودها جهات سياسية من أيتام النظام السابق وتحت مسميات جديدة لنقض وإجهاض أي قرارات أو إجراءات من شأنها إعادة الأراضي والحقوق للمكون الكردي، منوهاً إلى أن القوى السياسية العربية في المفاصل التشريعية والتنفيذية لا تزال تقوض جهود نزاعات الملكية وتعطل حسمها أو التقدم بأي خطوات ملموسة منذ أكثر من عقدين.
وينتقد رايان فشل الساسة الكرد في استعادة حقوق أبناء مكونهم رغم تبوئهم مناصب تنفيذية وتشريعية رفيعة، أبرزها رئاسة الجمهورية ونائب رئيس البرلمان، إضافة إلى الجهات التشريعية والقضائية والتنفيذية في عموم الدوائر المختصة.
أكد نائب مسؤول مكتب الاتحاد الوطني الكردستاني في صلاح الدين وعضو مجلس المحافظة السابق، حسن محمد أحمد، في حديثه لـ(المدى)، سطوة أتباع وأعوان النظام السابق على مئات الآلاف من الدونمات الزراعية في أطراف كركوك وصلاح الدين نتيجة لتسييس وضعف الإجراءات القانونية والقضائية بهذا الخصوص، معرباً عن استغرابه من استمرار هيمنة العرب الوافدين من محافظات أخرى إلى أطراف كركوك على أراضي الكرد واستغلالها دون المبالاة للحقوق الشرعية والقانونية.
ويعتبر أحمد أن المكون الكردي، وبالخصوص شريحة المزارعين، حبيسو قرارات النظام البعثي الشوفيني، ولا زالوا يدفعون أثماناً باهظة منذ سبعينيات القرن المنصرم وحتى الآن، إلى جانب استمرار عمليات التعريب الديموغرافي التي تستهدف أملاك وأراضي الكرد بشكل واضح وسط تفرج الجهات الحكومية والنيابية على مر السنوات الماضية.
ويبين أن «الأراضي عادت للكرد بعد عام 2003 وتم تعويض العرب الوافدين وعودتهم إلى مناطقهم السابقة بموجب المادة 140، إلا أنهم عادوا وبدعم حكومة كركوك مرة أخرى للاستيلاء على أراضي الكرد خلال السنوات السبع الأخيرة رغم أن المادة 140 تمنع ذلك».
عضو مجلس صلاح الدين عن الاتحاد الوطني الكردستاني، ياسين محمد علي، أوجز مشاكل المزارعين الكرد بين صلاح الدين وداقوق قائلاً: «منذ ستينيات القرن الماضي، قام النظام آنذاك بتهجير 7 قرى كردية إلى المجمعات السكنية لإنشاء مطار "حليوة" بحجة وجودها ضمن محارم المطار، وفي عام 1987 فُتحت طرق وممرات نحو أراضٍ زراعية تجاوزت مساحتها 50 ألف دونم، ووزعت في تسعينيات القرن الماضي للعرب بنسبة 75% وللكرد بنسبة 25% رغم أحقيتهم السكانية والقانونية في تلك الأراضي، معتمداً سياسات التعريب القومي والديموغرافي بحق الكرد».
ويوضح علي في حديثه لـ(المدى) أن نزاعات الأراضي في أطراف طوزخورماتو لا يمكن حسمها محلياً وبنزاعات ملكية، بل تتطلب حسم وتدخل حكومي في بغداد من قبل الجهات العليا كونها ملفاً شائكاً ومعقداً منذ عقود طويلة.
ويستدرك حديثه: «أحقية الأراضي قائمة بين العرب والكرد، وكل طرف يملك حق التمليك في مناطق عديدة بحسب قرارات المحاكم المختصة والدعاوى القضائية المقامة والمحسومة»، لافتاً إلى أن الكرد قدموا طلبات لتشكيل لجنة جديدة لحسم ملف الأراضي واستجابت إدارة المحافظة لهم رغم أن الملف يحتاج لتدخل من أعلى المستويات في الدولة.
ويعزو علي أسباب تعطيل حسم عائدية الأراضي والأملاك الزراعية المغتصبة من الكرد إلى المقايضات والمصالح السياسية في البرلمان العراقي على حساب مصالح المكون الكردي الذي عانى الظلم والتهجير وسلب الممتلكات من قبل النظام السابق.
ويدعو عضو مجلس صلاح الدين الجهات المعنية في السلطتين التشريعية والتنفيذية إلى حسم نزاعات الأراضي وإعادة الحقوق لأصحابها في المناطق المتنازع عليها لتفادي الفتن والاضطرابات المحتمل وقوعها في ضوء المعطيات الحالية.