ترجمة: عدوية الهلالي
بعد نجاح رواية "كنا ذئاب"، تعود الكاتبة ساندرين كوليت برواية جديدة تتنافس الآن على أحدث ترشيحات لجائزة غونكور.
في الأصل، أرادت ساندرين كوليت أن تؤلف "رواية أرضية"، ترتكز في مكان ضائع في أعماق الزمن. قصة نستشعر فيها بطء الفصول، والبرد، والجوع، وجحود الطبيعة، وثقل العمل، وعنف الأسياد. وهاهي المؤلفة، الحائزة على جائزة رينودو لطلاب المدارس الثانوية وجائزة جيونو لعام 2022 عن روايتها الأخيرة "كنا ذئاب"، تحقق ذلك ببراعة مع روايتها الجديدة (مادلين قبل الفجر)، التي نشرتها دار جي سي لاتيس في أواخر آب عام 2024، وهي واحدة من الروايات المتأهلة للتصفيات النهائية لجائزة غونكور.
انها حكاية تفجر آليات الخضوع القديمة بالديناميت، من خلال اقتحام طفل بري إلى عالم فلاحي خاضع للخوف والاستسلام. وهو كتاب متحمس، ذو نفس رومانسي قوي.ففي قرية لي مونتيه النائية، تعمل ثلاث عائلات من الفلاحين في أرض ليست ملكهم في منطقة معادية مع فصول شتاء لا نهاية لها. ويعمل التوأم إيليس وأمبر مع زوجيهما: يوجين، المزارع، وليون، صانع السدادات في القرية، في حياة يومية قاسية يتخللها العمل في الحقول والخوف من أسيادهم، ويقومون معًا برعاية مزارعهم مع أولاد إيليس الثلاثة. وفي أحد الأيام، تكتشف جارتهم روز طفلة ضائعة في حظيرتها، "فتاة جائعة"، ألقاها القدر هناك بعد نوبة من البرد القارس فتأخذها أمبر لتجعلها الطفلة التي لا يمكن أن تنجبها أبدًا. وشيئًا فشيئًا، ستغير مادلين عاداتهم، وتتحدى المحظورات التي يمليها أسيادهم بالتدريج…
في هذه السيرة الفلاحية التي يمكن ان تكون حدثت قبل الثورة بوقت طويل، في منطقة تشبه منطقة مورفان حيث وضعت ساندرين كوليت حقائبها، قبل حوالي عشر سنوات، لكتابة الروايات، نغوص في قلب مجتمع من المزارعين الذين يناضلون من أجل حقوقهم في البقاء والحرية.
وفي وسط الطبيعة المنتشرة في كل مكان، وهي شخصية بحد ذاتها في الكتاب، يعمل الرجال باستمرار للحفاظ على الأرواح في الوقت الضائع. "سيتعين علينا أن نتعامل مع الطبيعة، وأن نتعلم الصبر، ونقبل أن كل شيء يتم تدميره في بعض الأحيان".. في الرواية " تظهر مشاعر متناقضة، مثل تلك الأيام من الفرح التي تم وصفها بشكل رائع عندما تأتي كل عائلة لتخبز خبزها في الفرن المشترك وحيث ينتظر الأطفال الأرغفة البنية الصغيرة التي سيتم خبزها بجوار الأرغفة الكبيرة والتي سيتم تقديمها لهم أولاً.
انها قصة تتخللها أيضًا رؤى الرعب، عندما يهلك البرد والجوع القرية، وعندما لا يتبقى سوى القليل من "نشارة الخشب لطهو حساء الفول، وعندما تمنع الأرض المتجمدة الدفن. "كان على الرجال أن يرفعوا الجثث الملفوفة بالقماش إلى أغصان الأشجار الكبيرة لحمايتها من الحيوانات المفترسة ". وهذا ما يجعل الفواكه المجمدة غريبة فوق الرؤوس عندما نسير عبر الغابة، ونرى تلك الظلال الكبيرة التي تتأرجح ببطء، وتنعكس على الأرض."
ومع ذلك، فإن غريزة البقاء ليست كافية لتفسير كيفية صمود الناس رغم كل شيء. ثم تتكشف الفرضية التي بموجبها تشكل قوة المجموعة والتضامن المتعدد الأمل الوحيد الصحيح في عالم بدون إله. "لو عرفوا كيف يقولونها لتكلموا عن الحب - حب العائلة، حب الدم، حب الوفاء والعطاء، الذي يرفعهم عندما يسقطهم الإرهاق.. " وحدهم، لم يكن من الممكن أن يحققوا شيئًا، ولكن بمجرد أن أدركوا أنه من خلال الاتحاد، يصبح كل شيء ممكنًا، ويصبحون قبيلة".
وعندما تظهر مادلين الصغيرة، تبدأ الشخصيات صراعًا آخر، أكثر سرية، وأكثر جوهرية. في عالم تحكمه عبودية الأسلاف، حيث الاستسلام "مطبوع في الجينات"، "ما الذي يجعل الإنسان في يوم من الأيام متمردًا؟.. ما لدينا اليوم، نملكه، حتى لو كان صغيرا..هل لدينا مصلحة في تغيير العالم؟ هذا هو السؤال الرئيسي للكتاب الذي تجسده هذه الطفلة البرية، "الماس الذي لا يمكن لشيء أن يقطعه"، انها روح قوية لم تتآكل حريتها بعد بسبب عقود من الاستعباد، على عكس الآخرين الذين تسلل الخوف إلى أجسادهم. ونقله اليهم آباؤهم وأجدادهم".
ومن خلال روح التمرد التي تتمتع بها في مواجهة قسوة السادة الذين يجوعون الرجال ويغتصبون النساء، ستطيح مادلين بالنظام القائم، دون خوف ودون ندم. أولا مع أعمال العصيان الصغيرة عندما تقوم بصيد الغزلان في أراضي اللورد عندما يستنفد الشتاء جميع الاحتياطيات، وذلك ببساطة لتجنب الموت من الجوع. "لقد تجاوزنا شيئًا ما. نعرف ذلك من الأب إلى الابن أو من منزل إلى منزل دون حتى أن نقوله لبعضنا البعض، إنه أمر فطري تقريبًا: نحن لا نلمس حيوانات السيد. مادلين، من جانبها، لا تعرف شيئًا، إنها تفعل ذلك فحسب." حتى اليوم الذي ستنفذ فيه، بعد أن أصبحت فتاة صغيرة، انتقام طبقتها، حتى لو كان ذلك يعني دفع الثمن. ومنذ ذلك الحين، لن يعود أي شيء كما كان مرة أخرى. وكأن مادلين، النموذج الأصلي لغريزة الثورة التي زرعت في القلوب مقدمات الثورة التي سنتصور، ونحن نقرأ الكتاب أنها ستقوم قريبًا على الأراضي الجليدية في قرية ليه مونتيه.
"مادلين قبل الفجر" للروائية ساندرين كوليت: حكاية ريفية تحتفي بروح الثورة
نشر في: 10 نوفمبر, 2024: 12:02 ص