بغداد / عمر الشمري
مع التطور الحاصل في مجال الذكاء الاصطناعي، أصبحت تقنية التزييف العميق قادرة على استنساخ أصوات الأشخاص بشكل متطابق، مما يثير القلق بشأن الاستخدامات غير الأخلاقية لهذه التقنية، مثل إنشاء مقاطع صوتية أو مرئية مزيفة لأشخاص مشهورين أو مسؤولين سياسيين. يمكن لهذه المقاطع أن تضلل الجمهور وتُستخدم في نشر معلومات كاذبة أو لتحقيق أهداف خبيثة، مما قد يؤدي إلى تدهور الثقة في وسائل الإعلام وخلق اضطرابات اجتماعية وسياسية. يبرز ذلك الحاجة إلى تطوير آليات متقدمة للكشف عن المحتوى المزيف وتعزيز التوعية حول مخاطره وأهمية التحقق من المصادر.
في بلد مثل العراق، الذي يعاني من خلافات سياسية وتنافس شرس، تتزايد المخاوف من استغلال تقنية التزييف العميق لتحقيق أهداف سياسية وإعلامية غير نزيهة، خاصةً مع تداول اتهامات لجيوش إلكترونية باستخدام هذه التقنيات لتشويه سمعة شخصيات سياسية.
تحديات جديدة في الساحة السياسية
آخر الحوادث المسجلة في هذا السياق، قبل أيام، كانت انتشار تسجيل مسرب نُسب إلى رئيس تحالف "السيادة" خميس الخنجر، تطرق فيه للحديث عن رئيس حزب "تقدم" محمد الحلبوسي.
ورد في التسجيل المسرب، المنسوب للخنجر الذي قيل إنه أرسله إلى رئيس الوزراء محمد شياع السوداني: "مرحبا دولة الرئيس.. أريد الاتصال بك للخروج بموقف مع حيدر العبادي ضد الحلبوسي وزبانيته لأنهم يريدون إثارة مشاكل طائفية لا أكثر ولا أقل، ونحن في غنى عنها، لذلك أردت التشاور معك بهذا الخصوص".
ورداً على ذلك، قالت الدائرة الإعلامية لحزب "السيادة": "ضمن حملة الاستهداف الممنهجة لرئيس التحالف خميس الخنجر، تتداول بعض المنصات تسجيلات على أنها مسربة للشيخ الخنجر يتحدث فيها عن تبني موقف من تصريحات أحد قادة الكتل السياسية، أو الحديث عن وزراء وشخصيات وكتل سياسية وهي محل تقدير واحترام، إضافة إلى تسجيلات مزيفة نُسبت للدكتور رافع العيساوي وإلى شخصيات أخرى".
وأضافت في بيان أن "استمرار سياسة الاستهداف بالتلفيق عبر تقنيات الذكاء الصناعي واجتزاء ومَنتجة مقاطع صوتية، أو استعمال الجيوش الإلكترونية مدفوعة الثمن، من قبل جهات مفلسة حاولت ابتزاز تحالف السيادة لتبني مواقف بعينها أو التخلي عن مواقف أخرى، محاولات بائسة تصدى لها التحالف ورفضها جملة وتفصيلا، فلجأت تلك الجهات إلى هذه الحملات الصفراء".
تتجاوز هذه الأحداث مجرد استهداف شخصي أو أي سياسي آخر، بل تعكس تحدياً جديداً يواجه الساحة السياسية العراقية في ظل تطور التكنولوجيا الحديثة التي تجعل من الممكن تصنيع وتعديل المحتوى ليظهر بشكل قريب من الواقع، مما يصعب اكتشافه والتصدي له.
إطار قانوني للمواجهة
يرى الخبير في مجال التكنولوجيا والاتصالات علي الزبيدي أن "الحكومات بحاجة إلى اتخاذ خطوات جدية لمواجهة مخاطر التزييف العميق، وذلك من خلال تطوير آليات متقدمة للكشف عن المحتوى المزيف واعتماد تقنيات تكنولوجية متطورة تعتمد على الذكاء الاصطناعي لتحليل وتتبع المصادر الرقمية".
وأكد الزبيدي لـ(المدى) أن "هذه الإجراءات تتطلب أيضاً توفير التدريب والتقنيات اللازمة للقضاة والمحامين لتمكينهم من فهم الأدلة الرقمية المعقدة التي قد تتضمن محتوى مزيفاً، مما يسهم في تعزيز العدالة ومنع استغلال هذه التقنيات في النزاعات القانونية".
ودعا الزبيدي إلى "وضع إطار قانوني واضح لمحاسبة الجهات التي تستخدم هذه التقنيات بشكل غير أخلاقي، إضافة إلى تعزيز التعاون الدولي لمواجهة هذا التحدي التكنولوجي الذي لا يقتصر تأثيره على بلد واحد".
مع تزايد التسريبات في العراق، تلجأ الأحزاب إلى الزعم بأنها مزيفة ومصنعة باستخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي، ما يؤدي إلى تشويش الرأي العام وخلق حالة من الضبابية حول حقيقة ما يُنشر. يصبح من الصعب على المواطن التمييز بين الحقيقة والتزييف، في ظل هذا التدفق الهائل من المحتوى الإعلامي المتنازع عليه.
التسريبات الصوتية تُشعل الجدل: الذكاء الاصطناعي في خدمة الصراعات السياسية!
نشر في: 10 نوفمبر, 2024: 12:09 ص