بغداد/ تميم الحسن
يبدو أن أغلب الفعاليات السياسية وحتى العسكرية في العراق استبقت أي خطوات تصعيدية متوقعة من الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، المعروف بمواقفه المتشددة تجاه الفصائل وإيران.
وفي وقت متأخر من مساء الجمعة، اتفق رئيس الوزراء محمد شياع السوداني وترامب على التنسيق معًا لإنهاء الحروب في المنطقة، بحسب بيان حكومي.
وكانت زيارة سابقة لترامب في ولايته الأولى إلى قاعدة عين الأسد غربي الأنبار قد أثارت انتقادات قوى سياسية عراقية شيعية.
وأفاد البيان أن السوداني "أجرى اتصالاً هاتفيًا مع الرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترامب، عبّر فيه عن التهنئة للرئيس والشعب الأمريكي بمناسبة الفوز بالانتخابات والثقة الكبيرة التي منحه إياها الشعب الأمريكي".
وأضاف: "كما أكد الجانبان الرغبة في المضي بالشراكة الستراتيجية بين البلدين، وتعزيز العلاقات الثنائية بطرق تتجاوز الجانب الأمني، من خلال التعاون الوثيق في مجالات الاقتصاد، والمال، والطاقة، والتكنولوجيا".
وأشار رئيس الوزراء، بحسب البيان، إلى "اطلاعه على وعود ترامب خلال الحملة الانتخابية، المتضمنة التزامه بإنهاء الحروب في المنطقة، واتفق الجانبان على التنسيق معًا لتحقيق ذلك".
من جانبه، عبّر الرئيس الأمريكي المنتخب عن "رغبته في العمل الإيجابي مع رئيس مجلس الوزراء، واللقاء في القريب العاجل لبحث توسيع العلاقات بين العراق والولايات المتحدة الأمريكية، والعمل على الملفات المشتركة".
وكان رئيس الوزراء العراقي قد التقى، قبل سبعة أشهر، الرئيس الأمريكي المنتهية ولايته جو بايدن خلال زيارة رسمية إلى واشنطن.
كما التقى مصطفى الكاظمي، رئيس الحكومة السابق، بترامب في عام 2020، حيث أعلن حينها أن القوات الأمريكية ستغادر في غضون ثلاث سنوات.
وقد هنأ السوداني يوم الأربعاء ترامب بفوزه في الانتخابات الرئاسية الأمريكية لولاية جديدة، معربًا عن أمله في تعزيز العلاقات الثنائية خلال المرحلة الجديدة.
وكتب السوداني على منصة "إكس": "نؤكد التزام العراق الثابت بتعزيز العلاقات الثنائية مع الولايات المتحدة، ونتطلع لأن تكون هذه المرحلة الجديدة بداية لتعميق التعاون بين بلدينا في مجالات عدة، بما يسهم في تحقيق التنمية المستدامة ويعود بالنفع على الشعبين الصديقين".
وكانت القوى السياسية الشيعية، خصوصًا، قد اتهمت ترامب في ولايته الأولى بأنه ينوي حل الحشد الشعبي، ومرة أخرى بأنه يدعم "عودة البعثيين".
نفي التعاون مع طهران
ويرى محللون أن ترامب قد يبدأ بالضغط على العراق لإجراء إصلاحات تتعلق بقضية الفصائل.
ويوم الخميس، نفت كتائب "حزب الله" الأنباء المتداولة عن نقل إيران أسلحة إلى العراق للرد على إسرائيل.
وقال الفصيل في بيان: "ما يُشاع من أخبار عن نقل سلاح، أو تحضير لعملية الرد الإيرانية على الكيان، بأنها ستكون من العراق، هي معلومات صهيونية مضللة".
وأضاف البيان: "كما لم يُطلب منا المساعدة في الرد على العدوان الصهيوني الأخير"، محذرًا من أنه "في حال فكر الاحتلال بتنفيذ أي اعتداء على العراق، فالرد سيكون حازمًا، وقد حددنا معايير لذلك".
وفي نفس اليوم، نفى "ائتلاف إدارة الدولة" ما يُشاع عن اتخاذ الأراضي العراقية منطلقًا لتنفيذ هجمات، بحسب بيان صدر عن التحالف الحاكم.
وشدد البيان على "العمل المشترك وتقديم المصلحة العليا للبلاد، وإبعاد أراضي العراق عن أجواء الحرب التي يسعى الكيان المحتل إلى توسعتها وجرّ المنطقة إليها بهدف زعزعة الأمن والاستقرار".
كما وصف المجلس الوزاري للأمن الوطني الحديث عن اتخاذ الأراضي العراقية منطلقًا لتنفيذ هجمات بأنه "ذرائع كاذبة"، مؤكدًا ضرورة إبعاد أراضي وأجواء العراق عن الحرب، وذلك خلال عقد اجتماعه الدوري برئاسة رئيس الحكومة محمد شياع السوداني.
وكان تقرير أمريكي قد كشف عن معلومات استخباراتية تشير إلى أن "الحرس الثوري الإيراني يقوم بنقل طائرات بدون طيار وصواريخ باليستية إلى الميليشيات الشيعية في العراق، ويُخطط لشن هجوم مشترك ضد إسرائيل انطلاقًا من الأراضي العراقية".
"لا تستفزوا ترامب"
ويرى الباحث والأكاديمي محمد نعناع أن هناك تخوفًا من قِبل "محور المقاومة" من عودة ترامب. وأضاف: "حتى وإن وعد ترامب بالتهدئة وإنهاء الحرب، إلا أنه يتمتع بنوع من العدوانية في تنفيذ الأهداف، خاصة إذا كانت هذه الأهداف ذات خلفيات عدوانية".
وأوضح نعناع في حديث لصحيفة (المدى) أن تنفيذ الولايات المتحدة ضربة المطار في عام 2020 (التي أدت إلى مقتل أبو مهدي المهندس وقاسم سليماني) "جاء بعد سلسلة من الاستفزازات قامت بها الفصائل، بدأت من قصف القواعد الأمريكية وقتل متعاقد أمريكي، وصولاً إلى اقتحام السفارة الأمريكية وكتابة شعارات تهدد موظفيها".
ويرى الباحث أن القوى السياسية الشيعية والفصائل "أدركت أن رغبة ترامب في التهدئة لا تعني أنه لن يوجه ضربات إذا استُفز".
وكان القضاء العراقي قد أصدر في عام 2021 مذكرة اعتقال بحق ترامب، بعد مغادرته البيت الأبيض، ولم يتوقع كثيرون عودته للرئاسة مرة أخرى.
وألمحت لجنة العلاقات الخارجية في مجلس النواب إلى أن مذكرة الاعتقال قد تهمل بسبب صعوبة تنفيذها.
وكان القضاء العراقي قد أعلن في السابع من كانون الثاني 2021 صدور مذكرة اعتقال من محكمة تحقيق الرصافة في بغداد بحق الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، في إطار التحقيق الخاص باغتيال رئيس أركان الحشد الشعبي، أبو مهدي المهندس، وقائد فيلق القدس الإيراني قاسم سليماني، بضربة أمريكية استهدفتهما في العاصمة بغداد.
وأوضح بيان رسمي صدر حينها أن "القرار يستند إلى أحكام المادة 406 من قانون العقوبات العراقي النافذ"، مؤكداً أن "إجراءات التحقيق لمعرفة المشاركين الآخرين في تنفيذ هذه الجريمة ستستمر، سواء كانوا من العراقيين أو الأجانب".
وصرّح رئيس مجلس القضاء الأعلى في العراق، فائق زيدان، في وقت سابق، بأنه "أصدرنا مذكرة قبض بحق ترامب ولن نتردد في اتخاذ الإجراءات القانونية".
ويرى الباحث أن تراجع الفصائل عن المواقف التصعيدية ضد الولايات المتحدة يعد أمرًا واقعيًا، لأن "الفصائل ليست لديها القدرة الكافية على الرد على أي هجوم أمريكي أو منع إسرائيل من استهداف العراق".
وكان مستشار للسوداني قد توقع تعرض الأراضي العراقية لهجمات إسرائيلية، وقال إن رئيس الحكومة منع 6 ضربات على الأقل.
وذكرت مصادر لصحيفة (المدى) أن "الولايات المتحدة تدخلت لوقف تلك الهجمات".