غالب حسن الشابندر
يقولون: إذا اردت أن تعرف شخصا على حقيقته فما عليك إلّا ان تسأل عن قرينه…
ويقولون: إذا أردت أن تتقدم على اختيار شريكة حياتك فاسال عن أُمّها…
هل لي أن أقول:
إذا اردت أن تعرف عن ثقافة عالم الدين، عن سعة أفقه، عن شعوره بالمسؤولية تجاه الانسان والحياة والكون، عن مدى إيمانه بالتسامح وحقوق الانسان…
فأسل عن مكتبته؟
ربما ليست هناك علاقة منطقية ولا طبيعية بين مكتبة عالم الدين من جهة وبين شعوره بالمسؤولية العميقة تجاه جاره أو تجاه صديقه أو تجاه استاذه من جهة أخرى..
فهل يعدم التاريخ عالماً دينياً يحتفظ في بيته بمكتبة عامرة بالكتب والصمنّفات فيما هو قاس القلب، لا يفكر سوى بمصالحه الشخصية والأنانية، لا يهزّه حدث حتى وإن كان يهزّ الجبال…؟
وهل يعدم التاريخ عالما دينيا لا يحتفظ في بتيه سوى ببضع كتب في الفقه والرواية والرجال بيد أنه يحمل بين جنباته قلبا متوّهجا بحب الانسان، وبل ويتفانى في سبيل الانسان؟
وهل يعد التاريخ نماذج بين هذا وذاك؟
ولكن تنحو بك الفطرة السليمة أن تحكم بنوع من العلاقة وإنْ على مستوى الظن، فكيف إذا توفّرت دلائل عملية على تعزيز هذا الظن وترسيخه حتى ينمو إلى درجة اليقين؟
مكتبة السيد حسين بن اسماعيل الصدر عامرة بالكتب، مكتبة كبيرة، متنوّعة، فيها كتب ما إختص به من علم وفن، فقه واصول ورواية ورجال، وفيها ما خلّفه لنا مؤرِّخو الاسلام والمسلمين، الطبري والمسعودي واليعقوبي، وفيها من تراث فلاسفة الاسلام ما يملأ العين، ابن سينا في شفائه، والفارابي في مدينته الفاضلة، والكندي في فلسفته، والملا صدرا في أسفاره ومشاعره…
كتب كثيرة…
في علوم شتّى..
ولكن في ركن خاص من هذه المكتبة الكبيرة المتنوّعة تطالعك كتبٌ أخرى…
مؤلفات ومصنّفات السيد حسين الصدر نفسه…
وهي أيضا، كما هي مكتبته، في الفقه والاصول والرجال والتفسير والاخلاق والتاريخ نوعا ما…
ولكن…
هناك مفارقة تصدمك…
رجل دين…
أحلامه متعلقة باللاهوت، خلايا تفكيره مشبّعة بالايات والروايات والاحكام، أمّا ان تقرا لهذا العالم الديني اللاهوتي عن (الوطنية) فذلك ما يثير الاستغراب…
وكيف لا؟
وبعضهم يعتبر الوطنية بدعة استعمارية، بل هي سبب تقسيم العالم الاسلامي وتمزيقه وبعثرته…
ليس كتابا واحدا…
بل سلسلة كتب، كما هي سلسلته في الفقه والاصول على سبيل المثال.
بل تزاد صدمة عندما تعلم أنه مشروع وليس كتابا، إنه وبالحرف الوحد:
(المشروع الوطني)
أجزاؤه
ــ المشروع الوطني الجزء الاول (السلام، مفاهيم وقيم)
ــ المشروع الوطني، الجزء الثاني (السلام من منظور تطبيقي).
ــ المشروع الوطني، الجزء الثالث (السلام في مدرسة الاسلام)
ــ المشروع الوطني الجزء الرابع (الوطن… أرض وحضارة تجمعنا)
ــ المشروع الوطني، الجزء الخامس (الوطن، حاضرنا ومستقبلنا)
ــ المشروع الوطني، الجزء السادس (الوطنية، مدخل التكامل بين الانسان والوطن).
ــ المشروع الوطني، الجزء السابع (الوطنية، حداثة المفاهيم وأصالة القيم).
_ المشروع الوطني، الجزء الثامن (الوطنية، العمل من أجل بناء الوطن والمواطن).
ــ المشروع الوطني، الجزء التاسع (الوطنية، فكر… ثقافة… تطبيق)
_ المشروع الوطني، الجزء العاشر (أصالة الماضي، وعمق الحاضر، وامتداد المستقبل).
ــ المشروع الوطني، الجزء الحادي عشر (ممارسة الوطنية، بين حق المواطن وحق المواطنة)
ــ المشروع الوطني، الجزء الثاني عشر (ممارسة الوطنية… شراكة إنسانية لبناء الوطن).
بماذا تشعر وعناوين الوطن والوطنية والمواطنة تلاحق عينيك، لتنتقش في ذهنك بقوة، وتتحد بكل مشاعرك واحاسيسك؟
مجرّد أن تتصفح أي كتاب من هذه الكتب حتى تصطدم بكم كبير م من الآيات الكريمة والاحاديث الشريفة والقصص العلمائية والاحكام الشرعية للاستدلال على أصالة الوطنية، وكون الوطنية هي الرابطة الاقوى والامتن من بين كل الروابط الاخرى، بما فيها رابطة العقيدة!
ثورة مفاهيمية..
الوطن قيمة عليا ليس على صعيد السياسة بل على صعيد تكوين المجتمع، والارتفاع به إلى ذروة القيم الروحية والاخلاقية.
فهل بعد كل هذه الحقائق الساطعة لا يحق لي أن أقول أن منتَج السيد حسين بن اسماعيل الصدر الوطني نظريا دليل على الممارسة الوطنية العملية.
وليس ذلك غريبا على آل الصدر الذين عُرِفوا بحبهم الفائق للعراق والعراقيين.