ثامر الهيمص
انتهت قمة قازان الروسية (بريكس) التي ركزت على موضوع تعزيز التعددية من اجل التنمية والامن العالميين، وتعد هذه القمة من ابرز الاحداث الدولية في عام 2024. اذ تضم مجموعة بريكس 10 دول، الخمسة الاولى المؤسسة وهي الصين والهند وروسيا والبرازيل وجنوب افريقيا، التي سميت المجموعة المؤسسة باسمها، اذ حروفها يرمز للخمسة باللغة الانكليزية هي اول حرف من اسم كل من الدول المؤسسة، اما الدول الجديدة فهي: مصر والسعودية والامارات واثيوبيا وايران. وتشكل المجموعة الخامسة المؤسسة 2’45% من سكان العالم في حين يمثل سكان الدول الكبرى السبع اقل من 10% من سكان العالم.
يبدوا ان جدول الاعمال خال من ذكر مركزنا المفترض في طريق الحرير بجزئه البري الى اوروبا, ولا حتى كمراقب كطرف معني! و الاسباب معروفة دوليا واقليميا ومحليا, كان على الاقل احتراما لتاريخ العلاقة مع الصين. (ومما لا شك فيه’ ان اول موانئ العرب في التجارة البحرية في زمن الاسلام, مع الصين, هو مدينة البصرة, التي انشأها الخليفة الثاني من الخلفاء الراشدين. (بدر الدين حي الصيني/ العلاقات بين العرب والصين / ص/109 / 1950 / ط الاولى).
والان اليس البصرة تستعد عمليا لتكون الميناء الرئيس في سلاسل التوريد الى اوروبا مباشرة بحيث ترحب الان تركيا لاحتضانه كدولة جارة مشتركة مع اوروبا بعد حساب المصلحة الوطنية في عالم الترانزيت المثمر. اضافة لمدننا الصناعية قيد الانشاء.
اتضح اليوم وامس ان مصالح اقليمية ودولية بادوات داخلية تحجب هذا التراث, وتراهن على هامش القوة الناعمة لبريكس والصين خاصة, كونها اكبر مستورد واكبر مصدر للعراق وعلاقة ذلك بالتصدير للنفط الخام واسيراد بضائع الدرجة الادنى لتدمر المنتج المحلي وتحول دون تطوره, وهذا ليس ذنب الصين ولا ذنب تركيا ولا ذنب ايران’ اذ لا تضاهيها دولة في هذا الجانب, ناهيك عن جدول الاستثمار المتعثر عشائريا معجون بفساد, عكس الحليف الاكبر الذي نلمسه صيفا وشتاء و بغيابه اقتصاديا على الاقل, ليكون احد ابرز اسباب غيابنا كمراقب في قازان, رغم المؤهلات الجغرافية والتاريخية والعلاقات الطيبة مع باقي الاعضاء الجدد والسابقين. اذ اللبرالية والانفتاح البريمري كان ولا زال سيد الموقف الاقتصادي, من خلال نافذة العملة وفشل الضرائب والرسوم كأدارة وقانون.
وهكذا علينا العمل وفق الايقاع العالمي او الاقليمي, من خلال المباشرة على الاقل بالانظمام لبنك الاستثمار الاسيوي للبنية التحتية, الذي اعلنته وزارة المالية الصينية بتاريخ 15/ نيسان 2015 ب 57 عضو بما فيها خمسة دول عربية وستة دول اوروبية من المانيا الى فرنسا والنمسا وسويسرا, والدول العربية من السعودية والكويت وعمان وقطر والاردن (د. جعفر بهلول جابر الحسيناوي /امريكا ما بين القطبية الصلبة والتحديات /تكتلات البريكس وشنغهاي انموذجا/2017)’ لنسأل هنا هل صندوق النقد الدولي العتيد المراقب الامين لكبار مساهميه ليفعل بنا كما فعل في اغلب تاريخة كيف يدمر امريكا الاتينية, لتطلب الاتظمام الى البريكس’ اسوة بقدوتها البرازيل.
فهذه التكتلات يبدو ان التأثير الامريكي غير واضح في خياراتهم وعلاقاتهم وحتى العسكرية نظرا لانظمام البعض منهم لحلف الناتو. اذن اين الخلل؟؟ اذهنا العلة ليس بامريكا كعدو اول لامريكا ومن ورائها’ فحتى اسرائيل لها علاقات غير بسيطة مع الصين.
العيون العراقية تتسائل ان طريق الحرير هو الاضمن عندما يكون العامل السياسي والدبلوماسي مؤهلا ومدججا بارادة وطنية, ليس في طريق الحرير فقط بل حتى في بناء مدرسة كانت ولا زالت بعضها طينية مزدوجة الدوام ومكملاتها فنيا وعلميا واثاثا, هل يمكن الرهان على ادوات ينخرها الفساد؟ وبالمناسبة هذا تفسير معقول عربيا, وهذا يعلل الفشل العربي الساطع في فلسطين ولبنان. فقد اظهر مسح اجري في تسع دول عربية (الجزائر ومصر والاردن ولبنان والمغرب والمناطق الفلسطينية والسودان وتونس واليمن) وشارك فيه 11000: ان شخصا من بين كل ثلاثة راشدين دفع رشوة مقابل حصولهم على خدمة حكومية في الظاهر, وان واحد من اصل كل ثلاثة اشخاص.. دفع رشوة في محكمة, وان واحد من اصل كل اربعة رشا رجل شرطة, وان واحد من اصل كل خمسة اشخاص رشا شخصية رفيعة, وان نسبة الثلاثين بالمئة من المشاركين في المسح والذين دفعوا رشا بشكل او بأخر, يعادلون 50 مليون شخص من سكان المنطقة.
وعلى العموم, يعد الموظفون العامون الاكثر فسادا مثل جباة الضرائب, واعضاء البرلمان والموظفين الحكوميين, علما بأن الموظفين في المحاكم ورجال الشرطة لا يختلفون عنهم كثيرا. بل ان رجال الاعمال اعتبروا اشد فسادا من المسؤولين في القطاع العام. (كسيومينغ كيان / العلاقات العربية –الصينية /ص 170 /مركز دراسات الوحدة العربية /2017).
اذن هناك تباين شديد لا تسوغه غير قوى الفساد, اذ ليس العراق فقط او العشرة دول عربية, كون هناك قاسم مشترك واحد يجمع دول المحيط العربي هو خروجهم من الناحية الدينية والاخلاقية بقوله تعالى: ان الله لا يغير بقوم حتى يغيروا بانفسهم.
فهذا ليس تفسيرا دينيا فقط بل موضوعيا علميا, كما يجسده الفساد والتطبيع مع العدو التاريخي, ليصبح مجرد نتيجة طبيعية لهذا الصمت والخلل. والا كيف نفسر تفاعل جيراننا المسلمين هم اكثر اندفاعا في حرب هيروشيما العرب (غزه ولبنان). فمن تكون مقدماتة في الفساد لابد ان ان يكون التخاذل في الخارج والداخل كنتيجة طبيعة. لتتحقق مقولة الدكتور عبد الوهاب المسيري رحمه الله: اسرائيل قائمة بدعم امريكي لا محدود وصمت عربي لا محدود. فامريكا نراها تلعب بذات الادوات في التخلف ومع التقدم بذريعة المصلحة, وهكذا جميع الدول اي المصلحة الوطنية المتعشقة ستراتيجيالهدف العزة’ ومع ذلك حضرت الدول العربية مصر والسعودية والامارات و انظمت للبريكس’ والاردن حضرت كمراقب. رغم ان امريكا صديقة رقم واحد للاردن والسعودية ومصر والامارات. وهكذا انظمت ايران واثيوبيا كدول كاملة السيادة.
لا نجد تفسيرا سوى اننا غير مؤهلين رغم خطورة جغرافيتنا في مشروع الحزام والطريق, ورغم التاريخ الحافل, عكس تاريخ الاستعمار الغربي عموما والامريكي الان خصوصا.
اذن لدينا من يتقاطع مع مشروع الفاو الكبير من الكويت الى السويس مرورا بالحديدة وجبل علي ودبي والشويخ وخور عبد الله, ولكن الصين لم تذكر الى ان التجارة الدولية تتوسع كما ونوعا, وسوف لا تستوعبها الموانئ المذكورة, كما ان الطريق البري المار بايران فتركيا يدخل منافسا, اضافة للمشروع الهندي السعودي الواصل الى ايلات الاسرائيلية, بعد حل الدولتين وهو حبر على ورق لحد الان, وبعد التطبيع يرفع صوته سيما وان الاوربيين يقبلونه, والامريكان يدفعون باتجاهه ليتم على جماجم العرب ودماء مسلمي الجوار.
لمواجهة هذا الاشكال او المأزق التالريخي علينا اولا: لكي نقفز الفجوة لابد من الرجوع قليلا للوراء من خلال التراث الذي يقول بأن نبني البيت كاملا على الارض التي ورثناها ورسمها لنا سايكس بيكو, كما اننا لسنا بدعا من البشر, حيث اختلاط واختلاف الالسن والانحدار التاريخي, اسوة باغلب الشعوب.
ثانيا: اننا امام قفزة هائلة وهي الذكاء الصناعي كما لمسنا عسكريا في الحرب الدائرة الان, فهم لم يتقدموا بشجاعتهم بل بالدعم الامريكي المصنع بذكاء, وهذا لا توفره مدارس الطين والدوام الثلاثي والمزدوج ولا الامتيازات لذوي الحظوظ, اين مراكز البحوث في الستراتيجية والاقتصاد والسياسة والعلوم التطبيقية, اين المئة جامعة وكلية, هل لدى احداهن مركز بحوث متفقة جدول واحد عراقي يسموا فوق الهويات الفرعية وله ادواته للتفعيل؟ كلا ثم كلا.
ثالثا: هل لنا ان نتفاعل مع جيراننا غير العرب كونهم الاكثر علاقة تاريخية وسياسية واجتماعية رغم حاجزاللغة, فتركيا انجبت الستراتيجي الكبير احمد داود اوغلو ليضع تركيا على السكة, ام ايران التي اعتصمت بمبادئ عملية وضعتها كدولة اولى في الشرق الاوسط, من خلال حكمائها المعتصمين ب(العزة والحكمة والمصلحة) التي باتت الاخيرة بنظرتها البعيدة ان تعزز وحدتها الوطنية وصناعاتها التصديرية’ لتصبح لها باع طويل في السياسة الدولية.
رابعا: هل فكرنا ساسة واقتصاديون’ بدور الطبقة الوسطى التي تلاشت كطبقة زراعية وصناعية, لتحل محلها شريحة المستوردين الذين دمروا الزرع والضرع والمنتج المحلي اجمالا لنستورد سنويا اغذية وادوية بـ 40مليار دولار سنويا؟ اذ ثبت تماما ان بريمر وحصار الامريكان كان سدى الامر ولحمته ولا زال ماثلا, على الاقل من خلال الكهرباء الوطنية التي عجزنا لاكثر من ثلث قرن بترتيب امرها مثل اضعف الدول في المنطقة؟ ونستورد بثلاثة مليار وقود للكهرباء سنويا.
علينا ان نرسل عاجلا بعثات علمية صرفة للصين من اوائل الجامعات للدراسة والتخصص في الذكاء الصناعي وكيفية اقامة بنيته التحتية’ ويتم ليس بارسال الاوائل في الاثنيات والهويات الفرعية, وما يترتب عليها من ستراتيجية عملية بنتائج, كما هي في ايران وتركيا, لنواكبهم مؤهلين للاحترام المتبادل حسب الاوزان وليس بنسب الطائفة والعنصر او من حصص المكونات. اذن علينا تحديد اعداء الداخل الذي حددهم الفشل المتراكم, وعزلهم بالانجار المبتكر المبدع الخلاق كما نشمه او نلمس او نرى رفيفه.
جميع التعليقات 1
د.جواد الشيخ الزبيدي
منذ 4 أسابيع
تحياتي وأمنياتي لكم بالتوفيق