مصطفى قرنفل
يجلس يوسف الذي سنتعرف عليه لاحقًا صامتًا وسط قبور مبعثرة ومجهولة. هكذا يفتتح المخرج الأردني يحيى العبدالله فيلمه الموسوم "الجمعة الأخيرة" الذي تدور أحداثه حول يوسف، موظف المبيعات الذي يفقد وظيفته، أسرته، في وقت واحد، بسبب الأزمة المالية التي تمر بالبلاد، الأمر الذي سيجعل منه سائق سيارة أجرة يجوب الشوارع صامتًا يبحث عن مبلغ مادي يسد حاجته لإجراء عملية جراحية مستعجلة
الفيلم من بطولة علي سليمان وياسمين المصري من فلسطين ونادرة عمران وفادي عريضه ولارا صوالحة من الأردن وآخرون، وتم تصويره في مناطق متفرقة من العاصمة الأردنية عمان.
ومفهوم الرجولة في الوطن العربي، يستعرض المخرج المسؤوليات الواقعة على عاتق الرجل العربي من جهة، والأزمات الوجودية التي يعيشها من جهة ثانية، إذ يرفض يوسف رغم الأزمة التي يرزح تحت وطئتها أن يتولى شخص آخر وهو شريك طليقته أن يتحمل أقساط دراسة إبنه الذي لا زال لا يجيد القراءة بشكل جيد، من جهة أخرى نرى بعين المخرج خجل البطل يوسف والذي يعاني من مشكلة في الخصية من إخبار من حوله بالمشكلة الصحية التي يعاني منها لما تسببه مثل هذه العمليات من إحراج في مجتمع محافظ.
أجاد المخرج تناول هذا الجانب من القصة بطريقة متقنة وسلسة تنساب بإنسياب الفيلم وصوره رغم صمته، إذ نلاحظ أن 70% من زمن الفيلم كان صامتًا، حين يقع يوسف في اختيار آخر صعب، بين عملية تنقذ حياته من ضعف جنسي، وبين كلب يريده ابنه المدلل في عيد ميلاده، ويخاف من أن يشتريه له زوج أمه ما قد يسلب يوسف (بوجهة ننظره) رجولته.
في فترة تعد نقلة في تاريخ المنطقة العربية وميلها تجاه الحركات الثورية وستسمى لاحقًا بثورات الربيع العربي، والتي لا زالت الى يومنا هذا تعاني بعض شعوب المنطقة من مضاعفاتها، سلط المخرج الضوء على تداعيات الأزمة الإقتصادية التي عصفت بدول المنطقة نتيجة الإرتباك الحادث في تلك الفترة على منظومة القيم والأخلاق التي يتحلى بها خاصة أبناء الطبقة المتوسط التي تكاد حسب تعليق المخرج، بالإختفاء تدريجيًا، ذائبة بين مطرقتي الطبقة الفقيرة والمتوسطة. فالطبقة الوسطى التي تحمل معايير أخلاقية أكثر تأثرًا بالأزمة المالية وبارتفاع وتيرة الفقر تنهار قيمها الاجتماعية وتتراجع لديها قيمة العائلة وتماسكها ونظرة الإنسان لمجتمعه.
ورغم أن الفكرة تبدو واضحة بعد مشاهد الفيلم رغم عمقها المعرفي والاجتماعي، إلا أن بعض المشاهد على امتداد الفيلم المستوحى من الفيلم الكوميدي الأسود "العشاء الأخير" للمخرجة الأمريكية ستايسي تايتل، كانت مرتبكة وغير مترابطة في بعض الأحيان، ووقع المخرج في نفس المأخذ في ما يخص كتابة سيناريو الفيلم، إذ كانت بعض المشاهد بحاجة الى دلالات أكثر إلا أن المخرج أصر على إبقاءها صامتة والاستعاضة عنها بمشاهد ممطوطة أكثر من اللازم إيمانًا منه بلغة الصورة، وهذا قد يبدو صحيحًا في بعض الأحيان، إلا أنه جاء في أحيان أخرى على حساب الحوار، مما يضع المشاهد بموقف صعب ومتشتت بين الصورة التي لم تكتمل والحوارات الفقيرة والناقصة والموزعة بشكل غير دقيق بين شخوص المشهد.
تجدر الاشارة الى انه ومنذ إطلاق الفيلم سنة 2011، قوبل الفيلم بإشادات دولية هائلة، حيث تحصل على جائزة لجنة التحكيم الخاصة وجائزة أفضل ممثل وجائزة الموسيقى التصويرية للإخوة جبران من فلسطين خلال مهرجان دبي السينمائي عام 2011، كما حصل على أربع جوائز في مهرجان سان سباستيان الإسباني، كما حصل على جائزة لجنة التحكيم الخاصة من مهرجان فريبورغ السينمائي الدولي بسويسرا.
فيلم "الجمعة الأخيرة" صمتٌ مبالغ، وأزمة لابد منها
نشر في: 14 نوفمبر, 2024: 12:02 ص