أمس حضرتُ ندوتين قدّم المشاركون فيهما أبحاثاً قيّمة تتعلق ببعض المشاكل التي تواجهها دولتنا ومجتمعنا للسنة العاشرة على التوالي. الأولى صباحية نظمها مكتب المفتش العام في الهيئة العراقية لخدمات البث والإرسال، وموضوعها "دور الإعلام في مكافحة الفساد". أما الثانية، وهي مسائية، فكانت من تنظيم المؤتمر الوطني العراقي وموضوعها "السياسة النقدية في العراق وموازنة 2012".
هل ثمة علاقة بين الموضوعين؟ نعم هناك علاقة وثيقة، فبينما عرض الباحثون والمداخلون في الندوة الأولى رؤية تفصيلية للدور الذي يمكن أن يؤديه الإعلام في الكشف عن الفساد المالي والإداري ومكافحته، فان أبحاث الندوة الثانية قدمت حقائق وأرقاماً عن طبيعة الفساد في دولتنا ومظاهره من دون يكون هذا هو موضوع الندوة.
في ندوة الإعلام سعى بعض الموظفين الحكوميين إلى التهوين من المدى الذي بلغته ظاهرة الفساد في دولتنا، محاولين اختصار الأمر بأنه من مبالغات الإعلام، وهذا مجاف للحقيقة، من دون نفي وجود إعلام فاسد يجد دعماً له من أوساط حكومية وأخرى حزبية وشركات غسيل أموال.
إحدى الوثائق المقدمة إلى ندوة السياسة النقدية لخّصت بعض ما جاء، حول تنفيذ العقود الحكومية، في التقارير السنوية لديوان الرقابة المالية الذي يُعدّ، إلى جانب البنك، أنجح وأفضل مؤسسات الدولة. والعقود الحكومية هي المستعمرة الرئيسة للفساد المالي والإداري.
تؤكد تقارير ديوان الرقابة المالية، بحسب الورقة:
- عدم وجود دراسات جدوى اقتصادية وعدم دقتها إن وجدت لأغلب المشاريع التي تم التعاقد على تنفيذها، مما أدى إلى زيادة الكلف الكلية وتجاوز النفقات الفعلية للتخصيصات.
- يتم التعاقد مع الشركات الوسيطة بدلاً من التعاقد مع الشركات الأم وإتباع أسلوب الدعوات المباشرة.
- عدم التزام اغلب العقود المبرمة بالتعليمات (عدم تقديم كفالة حسن الأداء، وعدم تضمينها شرط الغرامات).
- طول الفترة بين تاريخ الإحالة وتاريخ توقيع العقد.
وتضيف أرقام ديوان الرقابة المالية بأنه "تم سحب 663 مشروعاً أعيد منها 137 مشروعا إلى نفس المقاولين، وبقي 526 مشروعاً بدون تنفيذ تابعة لـ18 وزارة و8 محافظات إضافة الى ديوان الوقف الشيعي وأمانة بغداد".
اكثر من هذا ان معطيات ديوان الرقابة المالية تفيد بأن بعض الوزارات والتشكيلات التابعة لها لم تقم بتشكيل لجان لجرد ومطابقة موجوداتها منذ العام 2003 حتى الآن، وان اغلب الوزارات تسلمت موجودات من منظمات إنسانية (دولية) وجهات أخرى لم يتم تسعيرها وتسجيلها في السجلات الخاصة بها، وان بعض الدوائر لم تسجل عقارات تابعة لها في دوائر التسجيل العقاري.
هذا بعض مما أفادت به تقارير ديوان الرقابة المالية.
ما معنى هذا؟ .. ليس سوى أن الفساد عام شامل في دولتنا، وانه ينخرها طولاً وعرضاً وارتفاعاً، وان هذا الفساد يحظى برعاية من مستوى خمس نجوم من الدوائر العليا في الدولة التي لا تحرك ساكناً. وإذا ما أريد الكشف عن الفساد ومكافحته فلا بدّ من البدء من هذه الدوائر، ولا بدّ من ضمان حق الناس في تلقّي المعلومات وضمان حق الإعلام في الحصول على هذه المعلومات وحقه في نشرها وبثها بحرية، وإلا فأن الفساد مستوطن في دولتنا إلى الأبد.
جميع التعليقات 1
raed albustany
الحل بتشكيل هيئه مستقله متضمنه مؤسسات المجتمع المدني تتبنى جميع العقود على ان تعرض هذه على الناس بكل تفاصيلها وفي وسائل الاعلام ويسمح للناس بابداء ارائهم ويؤخذ بها(طبعا هناك الكثير من المواطنين لديهم اختصاص ومن الممكن ابداء ارائهم)ويعلن راي يكون اشبه بالا