هادي عزيز علي
يطرح البعض بين الحين والاخر مقترحات او فتاوى او طلبات موجهه بخطاب سياسي وبلحن ديني يتجاوز على المتبقي من البناء المؤسسي للدولة مع نزوع ملح للولوج في الشأن العام خلافا للنظام القانوني والدستوري القائم . وتكون تلك الانشطة مصحوبة عادة ببروباغندا عالية ترافقها تحشيد للاتباع والمريدين وحضورفاعل لرجال الدين بكامل الزي الذي تتطلبه الوظيفة او من دونه مع ثلة من وعاظ السلاطين مؤدلجة لهذه المهام تملأ الفضائيات ومواقع التواصل الاجتماعي بالذي يجوز ولا يجوز وترفع السيف المقدس لكل من يعترض او يقف في طريق مسعاهم . اذ تتم الانشطة هذه من خلال الخطاب عالي النبرة الموسوم بالعلوية على الدولة ونظامها القانوني وسلطاتها ، في المقابل يلاحظ صمت الدولة واجهزتها المعنية بهذا الشأن على الرغم من التطاول على مؤسساتها والسعي لتعطيل مهامها في ادارة الشأن العام ومن دون التفكير حتى في ردع هذا التجاوز او احالته الى المساءلة .
سبقت هذا المقترح طروحات واقاويل تمهد الطريق للمطالبة بتأسيس (معهد للقضاء الشرعي) اذ انتشرت في مختلف وسائل الاعلام اقوال تقول ان : (ما يصدره قضاة الاحوال الشخصية في محاكم الاحوال الاحوال الشخصية من احكام قضائية يخالف الشريعة الاسلامية لأن القضاة المذكورين غير مؤهلين شرعا لاصدار الاحكام القضائية) ، او القول ان (كل النساء اللائي حصلن على احكام قضائية بالتفريق من ازواجهن ثم تزوجن برجل اخر بعد اكتساب الحكم المذكوردرجة البتات فان الزواج الاخير يعد "زنا ") وهذا القول يعد تهمة للترويج للفاحشة ، او ان (الزوجات الحاصلات على فرضهن الشرعي من الارث من الاراضي والعقارات من ازواجهن المتوفين باطل شرعا وعليهن اعادة ما استلم الى اصحابها) ، او القول بأن (كل عقد زواج ابرمته البنت البكر البالغة الرشيدة باطل شرعا اذا لم يقترن بأذن ابيها او جدها لأبيها) ، او (ان الوصية الواجبة التي حصل عليها الاحفاد والاسباط باطلة ويلزم تسليم ما استلموه الى اعمامهم وعماتهم من اعيان ومنافع) . من هذه الثقافة خرج علينا مقترح (معهد القضاء الشرعي) .
يعدهذا المقترح امتدادا للحملة الاخيرة المطالبة بتعديل قانون الاحوال الشخصية المقترن بوجود مدونة مذهبية للاحوال الشخصية لأن اصحاب المقترح على قناعة تامة بان التعديل بمدونته الشرعية لا يمكن تطبيقه الا من قبل قضاة شرعيين متماهين مع احكام المدونة ومؤهلين مذهبيا لتطبيق احكامها هذا التوجه يعني تعطيل عمل السلطة القضائية وايقاف اصدار الاحكام من قبل قضاتها وتمهيدا للوصول لهذا الهدف فقد الزمت نصوص التعديل الاخير لقانون الاحوال الشخصية قضاة الاحوال الشخصية بالرجوع الى رأى المجلس العلمي في ديوان الوقف الشيعي اوالمجلس العلمي الافتائي في ديوان الوقف السني قبل اصدار احكامهم في الخصومات المعروضة امامهم ، وبعبارة اخرى ان قضاة الاحوال الشخصية في محاكم الاحوال الشخصية بتشكيلاتها الحالية - حسب التعديل المقترح - غير مأذون لهم باصدار الاحكام القضائية ما لم تقترن احكامهم تلك بتبعيته في حكمه الى فتيا المجلس العلمي في هذا الوقف او ذاك ويعد حكمه المخالف لتلك الفتيا باطل شرعا . هذا التطاول على السلطة القضائية محظور من الوجهة الدستورية لانه يعد تدخلا سافرا في الشأن القضائي وشؤون العدالة وماسا باستقلال القضاء ومنتهكا لسيادة القانون .
ان استقلال القضاء – وقبل كل شيء –هو حق من حقوق الانسان قبل ان يكون مبدأ قضائيا (الاعلان العالمي لحقوق الانسان) اذ أن استقلال القضاء يعد تجسيدا لسيادة القانون المقصود به طاعة المواطنين ومن يحكمونهم لحكم القانون وبذلك يكون (معهد القضاء الشرعي) وماينتجه من بضاعة بشرية يعد سلطانا يفرض نفسه على السلطة القضائية وقضاتها خلافا لحكم (المادة 19 / اولا من الدستور) ، عليه ولما كان الدستور قد حصر اعمال السلطة القضائية بالمحاكم على اختلاف انواعها ودرجاتها المشكلة بموجب قانون التنظيم القضائي لذا فأن اية جهة او سلطة اخرى لا تصلح ان تكون رديفا للنظام القضائي القائم بل يعد تدخلا في القضاء وفي شؤون العدالة لكون القضاة مستقلون لا سلطان عليهم في قضائهم لغير القانون المادة (88) من الدستور فضلا عن ان ادارة شؤون القضاء والاشراف على القضاء الاتحادي هو من الصلاحيات الحصرية لمجلس القضاء الاعلى وهذا مانصت عليه المادة (91) من الدستور، وقد فعل خيرا مجلس القضاء الاعلى عندما رفض دعوة احدى الجهات الدينية لفتح (معهد القضاء الشرعي) والوقوف بحزم امام هذا المشروع لكونه الجهة الحصرية المكلفة دستوريا بالقضاء وشؤون العدالة قاطعا بعدم جواز قيام اية جهة او سلطة اخرى وتحت اي مسمى ان تتدخل في عمل السلطة القضائية .