طالب عبد العزيز
لا رهان على الحزبين الأمريكيين، فكلاهما صهيوني. وإذا كان بيننا من يتشفى بهزيمة الديمقراطيين وبايدن وهيلاريس في الانتخابات الأخيرة، فستكون أفعال الجمهوريين وكبيرهم ترامب مدعاةً للترحم على هؤلاء ربما، وتجربة العرب المسلمين مع الفريقين جلية وواضحة، إذْ لم يحدث أن انتهت فترة حكم أحدهم بلا حرب، حتى لتبدو جزءاً مما يخططون له، ويعملون بموجبه، ولا أكثر من أفعالهم في فيتنام وكوبا وكمبوديا وأفغانستان والعراق وسوريا وليبيا وفلسطين ولبنان دليلاً على ذلك.
ثلاثة في حكومة ترامب هم مايك هاكابي الذي سيعمل سفيراً لواشنطن في إسرائيل ورجل الاعمال اليهودي وقطب العقارات ستيف ويتكوف مبعوثاً الى الشرق الأوسط واليز ستيفانيك مبعوثة لدى الأمم المتحدة والثلاثة يمتلكون سجلاً حافلاً بالحطاب المتشدد والداعم لإسرائيل، بمعنى أنَّ هؤلاء الثلاثة سيمررون برنامج الحزب الجمهوري وأمريكا لصالح إسرائيل، حيث يكونون، وسيضيف لهم مرشحه لوزارة الخارجية مارك روبيو المعروف بمواقفه المناوئة للصين وإيران، وهناك مرشح لوزارة الدفاع وآخر للأمن القومي وكلاهما يجمع على معاداة واحتقار العرب والمسلمين وايران والصين والعمل لصالح أمريكا وإسرائيل.
إذن، الفريق الذي يعده ترامب لحكومته القادمة ألعن وأخطر من أي فريق يهودي صهيوني آخر، والله وحده من يعلم ماذا ينتظر المنطقة العربية في قابل السنوات الأربع. ربما ستنتهي الحرب في أوكرانيا، وسيجد الصينيون والكوريون والايرانيون وسواهم حلولاً لقضاياهم، ذلك لأنهم يدركون معنى الحاجة للسلام والمستقبل الآمن، أما نحن في الشرق العربي، وفي العراق بالذات فمازالت بعض الجهات السياسية- الدينية المسلحة تعتقد بأنَّها قادرة على المواجهة، وأنَّ ما بين أيديها من السلاح مجزٍ لمقارعة العدو، أيَّ عدو، ذلك لأنها لا تريد أن تعيش بدون عدو، ففكرة العدو صميميه ومتأصلة في الفكر لديها.
لا تتردد أمريكا بضرب إيران إن رأت ذلك يقع ضمن مصالحها ويعزز من نفوذها في المنطقة، لكنَّ المحاور الإيراني، الذي عرف بمطاولته وقدرته على ترويض خصمه تمكن من تمرير ضربات متوقعة في أكثر من موقعة ومنازلة، وواضح أنَّ رسائل كثيرة تمرر للقيادة الإيرانية، تلخص خطورة ما هي فيه، وربما ستفصح الأيام القادمة عن فهم جديد للأزمة السياسية والأمنية بين أيران من جهة وأمريكا وإسرائيل من جهة أخرى، فالمصالح المشتركة تجمع الفريقين وتحتمل الكثير من التنازلات وإن كانت على حساب الجماعات المسلحة في المنطقة التي تدور في فلك إيران، فالدولة القومية واضحة المعالم في طهران تعنى بمصالح بلادها قبل أي مصلحة دينية وسياسية وحتى اقتصادية.
كيف نقرأ خبر اللقاء بين إيلون ماسك مستشار ترامب والسفير الإيراني في الأمم المتحدة بنيويورك؟ وسواء أفصحت وسائل الإعلام عن تفاصيل اللقاء، الذي قيل بأنه تم في سرية تامة، وخارج أروقة الأمم المتحدة أم لم تفصح إلا أنَّ التحرك الإيراني كان ذكياً، ويبعث لنا برسائل هامة، خارج تفكير الجماعات المسلحة التي لا ترى النصف الملآن من الكاس! الحكومات التي تأتي بزعاماتها من معاهد الخبرة والوعي والفكر والحكمة تقود بلادها الى جادة الصواب، أما مصيبتنا فهي بزعامات مازالت تعمل بعقلية إمام المسجد والاستخارة، والببغاوية المضحكة، فما نشاهده من لقاءات مع العديد من الساسة العراقيين يدعونا للضحك والبكاء في آن.
مشروع الشرق الأوسط الجديد سيمرر، وصمت الدول العربية عمّا يجري في غزة ولبنان جزء من آلية تمريره، ويتوجب على الزعامات هذه أنْ تدرك بأن حماس لم تعد حماس قبل أكتوبر 2023 ولا حزب الله قبل استشهاد السيد حسن نصر الله، وهناك لبنان أخرى ستقوم، خارج أسلحة المقاومة، وستُجبر سوريا على التخلي عن الكثير من تصلبها تجاه الجماعات المسلحة، التي تعمل على أراضيها، ولن يكون العراق واليمن والخليج والمنطقة كلها بمنجاة عن ذلك. أمريكا وإسرائيل وأوروبا هم من يفعل ويحدد مصير العالم اليوم، لأن مجموعة البريكس (الصين والبرازيل وروسيا والهند وجنوب أفريقيا) لم تكتمل أداتها في الفعل والتحديد بعد، أما نحن العرب المسلمين فستظل أعيننا شاخصة نحو السماء، ننتظر وقوع الفعل والتحديد لا أكثر.