ميسان / مهدي الساعدي
تعيش مواقع التواصل الاجتماعي في ميسان حالة من النشاط الملحوظ، حيث تتزايد حملات التبرع لإنقاذ حياة المصابين بمرض الفشل الكلوي. وقد برز العديد من الناشطين في المجال الإنساني، الذين قاموا بجمع مبالغ مالية طائلة لدعم هذه الشريحة التي باتت تتوسع يوماً بعد يوم، خصوصاً أن مراحل العلاج تتطلب أموالاً كبيرة، إضافة إلى تكاليف السفر إلى خارج المحافظة.
تشهد محافظة ميسان زيادة مقلقة في أعداد الإصابات بمرض الفشل الكلوي، حيث لا يقتصر الأمر على فئة عمرية أو جنس معين، بل تشمل كافة مناطق وأقضية ونواحي المحافظة.
وفي هذا السياق، كشفت الحكومة المحلية في ميسان أن الأعداد المتزايدة للإصابات جعلت من المحافظة في مقدمة المحافظات العراقية الأخرى من حيث عدد الحالات. وأوضح مدير الدائرة الإعلامية في مجلس محافظة ميسان، مصطفى عجيل، في تصريحات إعلامية خلال شهر آب من العام الحالي، والتي تابعتها صحيفة (المدى)، قائلاً: «ميسان تتصدر محافظات البلاد بعدد الإصابات بالعجز الكلوي في حالة مؤلمة أخرى، خاصة وأن كلفة العلاج والعمليات الجراحية باهظة جداً، وهو ما يعجز 90% من المرضى عن تحمله، خصوصاً من الفقراء والبسطاء».
وأضاف: «ميسان تسعى حالياً إلى تطوير قدرات مراكز غسيل الكلى، التي تُعد من العلاجات الأساسية للمرضى، لتفادي تفاقم حالاتهم، ريثما يتم إجراء عمليات زرع الأعضاء».
وفيما يخص الأعداد المعلنة للمصابين، أكدت مصادر غير رسمية لـ(المدى) أن الأرقام المُعلنة لا تعكس الحقيقة، إذ أن الأعداد أكبر بكثير من تلك المعلن عنها. وقال متحدث لم يكشف عن اسمه للصحيفة: «هناك عدم تصور واضح للمصابين، وذلك لأن الإحصائيات الحقيقية تعتمد فقط على المرضى الذين يخضعون لعمليات غسيل الكلى في مركز غسيل الكلى بمستشفى الشهيد الصدر في العمارة، وهناك أعداد أخرى مصابة بالمرض لكنها لا تخضع لعمليات الغسيل، إضافة إلى أعداد أخرى غير مشخصة، أو الذين يتلقون العلاج في محافظات أخرى مثل البصرة أو بغداد أو المحافظات الشمالية دون المرور بالمؤسسات الصحية في المحافظة».
وأضاف: «هناك اعتقاد سائد في دائرة صحة المحافظة بسبب ازدياد الأعداد، وعدم وجود حلول جذرية، أن جميع الحالات تُدرج ضمن المصابين بأمراض الكلى دون التمييز بين الفشل أو العجز الكلوي».
كما أشار المهتمون والناشطون في المجال الصحي والإنساني إلى تلوث المياه في المحافظة كأحد الأسباب الرئيسية في ازدياد حالات الفشل الكلوي. في هذا السياق، أكد الناشط إحسان عبد علي لـ(المدى) أن «السبب الرئيسي في ازدياد حالات العجز الكلوي في محافظات الجنوب، وبالأخص في محافظات واسط وميسان والبصرة، هو تلوث المياه الناتج عن طرح الفضلات والمياه الثقيلة في نهر دجلة، بدءاً من العاصمة بغداد وصولاً إلى المدن والمحافظات الأخرى. ويزيد من تركيز المواد الملوثة في المياه نقص جريانها إلى محافظات الجنوب».
وأضاف: «الحالات المرضية، بما في ذلك الفشل الكلوي، لم تكن موجودة بهذا الشكل في السابق، لكنها ظهرت بشكل واضح في الآونة الأخيرة».
من جهته، أشار أستاذ تلوث البيئة في كلية العلوم بجامعة ميسان، الدكتور صالح حسن، خلال حديث إعلامي تابعته (المدى)، إلى أن «الفحوصات المخبرية والبحوث العلمية لمياه نهر دجلة أظهرت وجود العديد من الملوثات التي تشكل تهديداً صحياً كبيراً على الإنسان والكائنات الحية الأخرى، مثل المعادن الثقيلة والملوثات النفطية، وخاصة المركبات الأروماتية متعددة الحلقات، والمبيدات، والفينول، ومركبات ثنائي الفينيل متعدد الكلوريد، والنترات، والنتريت، إضافة إلى البلاستيك».
وأكد الدكتور حسن أن «معظم هذه الملوثات مسرطنة، وبعضها مواد سامة تؤثر على أجهزة جسم الإنسان المختلفة، لا سيما الجهاز التنفسي، وجهاز الدوران والقلب، والجهاز المناعي. ولا تقتصر تأثيرات هذه الملوثات على ذلك فحسب، بل تؤثر أيضاً على الخصوبة لدى الرجال والنساء».
فيما بين الأطباء المختصون أن هناك أسباباً أخرى وراء زيادة حالات الإصابة بالفشل الكلوي، مثل مضاعفات ارتفاع ضغط الدم، والسكري، وعدم الالتزام بالعلاج أو استخدام الأدوية بشكل مفرط. وأوضح آخرون أن الزيادة أو النقصان في عدد الإصابات لا يُقاس بالأعداد فقط، بل يجب أن يتم الأخذ بعين الاعتبار النسب السكانية ودقة الإحصاء، لأن العديد من الإحصائيات غير دقيقة.
في ظل هذه التجاذبات حول تحديد مسببات المرض، دعا نواب محافظة ميسان إلى اتخاذ إجراءات عاجلة. وقد توجهوا بطلب إلى رئيس الوزراء لتكليف وزارة الصحة بتشكيل لجنة مختصة للوقوف على أسباب المرض ووضع الحلول المناسبة. جاء ذلك بعد مخاطبة النائب عن محافظة ميسان، أسامة البدري، الذي طالب بتشكيل لجان مختصة للوقوف على أسباب المرض ووضع المعالجات اللازمة للحد من انتشاره. وأكدت الوثيقة الصادرة عن مكتب النائب البدري واطلعت عليها صحيفة «(المدى)»، على «انتشار مرض الفشل الكلوي بشكل كبير وإصابة أعداد كبيرة من أبناء محافظة ميسان بهذا المرض، وعدم وجود حلول حقيقية حتى الآن، سوى بعض الحلول الترقيعية التي لا ترتقي إلى المستوى المطلوب».