د. فالح الحمــراني
يتمحور فكر الكسندر دوغين الفيلسوف السوفيتي/ الروسي وعالم سياسي وعالم اجتماع والشخصية الاجتماعية، حول إنشاء قوة أوراسية عظمى من خلال اتحاد روسيا والجمهوريات السوفيتية السابقة في اتحاد أوراسي جديد ليكون محط جذب لدائرة واسعة من دول القارات الاسيوية والافريقية وحتى الشرق أوروبية، الذي كما يرى سيكون الطريق الرابع في السياسة الدولية بعد انهيار السبل الثلاثة الأولى: الليبرالية والاشتراكية والفاشية. وهو من المتحمسين لإقامة نظام عالمي متعدد الأطراف، ووضع حد لهيمنة الغرب وحضارته على العالم، وتسيره وفق قيمه، فضلا عن مناهضته لتيارات العولمة المنفلتة، التي يرى أن هدفها يكمن في محو أصوليات وهويات الأمم وخلق حضار " لقيط" بدون ملامح ولا إصالة. ويتردد إن دوجين مقرب من إدارة الرئيس الروسي ويشاطره الكثير من مواقفه. وترجمت في السنوات الأخيرة أعماله إلى مختلف اللغات الأجنبية بما في ذلك العربية.
ويتابع دوجين باهتمام شديد التطورات المأساوية في الشرق الأوسط، ويساهم في تحليلها ووضع تصورات مستقبلية عنها، ويدعم بلا حدود حق الشعب الفلسطيني في نيل حقوقه المشرعة وإقامة دولته المستقلة. وفي هذا السياق تابع دوجين أعمال القمة العربية/ الإسلامية الطارئة المكرسة للقضية الفلسطينية التي انعقدت ي في الرياض في 11 تشرين الثاني/نوفمبر. ووصفها ب "الحدث الهام للغاية".
ولفت في مقالاته إلى مشاركة كل من الرئيس السوري بشار الأسد والتركي طيب رجب أردوغان فيها في إشارة على ما يبدو الى جمع القمة لهما رغم الخلافات والتناقضات العميقة في مواقفهما. وكما قال " في الآونة الأخيرة، كان مثل هذا التقاطع مستحيل". ولاحظ أن عاهل السعودية محمد بن سلمان لم يتحدث عن فلسطين فحسب، بل عن ضرورة دعم القوى التي تقف في مواجهة إسرائيل، وهو أمر مثير مرة أخرى، لأن السعودية وإيران كانتا تعتبران عدوتين حتى وقت قريب. وينطبق الشيء نفسه على حزب الله. وأضاف، إن ولي العهد محمد بن سلمان قال في خطابه بصورة مباشرة: ليس وجود فلسطين بات موضع تساؤل الآن فحسب، بل أصبح أيضا مصير المسجد الأقصى، ثاني أقدس موقع في الإسلام بعد مكة.
وضمن هذا السياق أعاد الأذهان إلى أن عملية حماس في 7 في تشري الأول/ أكتوبر 2023 سميت "بطوفان الأقصى" وجرى تبريرها بالتهديد الذي يتعرض له هذا الحرم. وقال: من الواضح أن زعماء حماس كانوا يأملون بلا ريب أن مثل هذه القمة العربية / الإسلامية الطارئة سوف تنعقد في وقت أبكر كثيراً، على سبيل المثال، مباشرة بعد بدء العملية البرية الإسرائيلية في غزة. وانعقدت القمة للتو بعد ان دمرت إسرائيل غزة وصفت قيادة حماس وحزب الله.
وتساءل دوجين: لماذا القمة الآن؟ وبرأيه: من الواضح بسبب عودة دونالد ترامب الى البيت الأبيض. وحسب تقديراته إن ترامب يتعاطف مع الصهيونية اليمينية - نتنياهو والمتطرفين مثل سموتريش وبن جفير والحاخام دوف ليئور. وأوضح: إنهم يعلنون بصراحةً بوجوب تفجير المسجد الأقصى في أسرع وقت ممكن. بعد انتخاب ترامب، وأعلن سموتريتش صراحة أنه يجب علينا الآن أن نبدأ أيضًا في القضاء على الفلسطينيين في الضفة الغربية. وبالطبع تفجير الأقصى. ومهما حاول الرئيس الفلسطيني محمود عباس الحفاظ على موقف معتدل، ومراقبة الإبادة الجماعية لشعبه في غزة، فإن الإرادة الحديدية للصهاينة تهدف للتوصل إلى إنهاء المشكلة الفلسطينية وفق مخططها. ويعقدون الأمل على أن ترامب سيساعد على تسريع هذه العمليات.
والآن فقد أنصار الموقف المعتدل في العلاقات مع الغرب عموماً حججهم، والكلام لدوجين: فإسرائيل عازمة إبادة الفلسطينيين أو ترحيلهم إلى خارج دولتهم، وهدم المسجد الأقصى والبدء في بناء الهيكل الثالث. ويدعو كتاب "توراة الملك" الذي ألفه الصهيوني اليميني إسحق شابيرا، والذي نُشر في عام 2009 وأقره دوف ليئور، مُنظِّر المسيحية اليهودية، صراحةً إلى التدمير الجسدي لكل "أعداء إسرائيل"، بما في ذلك النساء والأطفال والمسنين. وهذا بالضبط ما يفعله الإسرائيليون في غزة ويستهدفون الآن السلطة الفلسطينية (دولة معترف بها من قبل الأمم المتحدة) في الضفة الغربية.
ولاحظ: كل هذه العوامل دفعت زعماء العالم الإسلامي إلى تجاوز التناقضات الداخلية والاجتماع في الرياض. ودعا أردوغان إلى مقاطعة إسرائيل. وطالب بن سلمان بالاعتراف بفلسطين وتوحيد كافة الدول الإسلامية لصد العدوان الصهيوني على الفلسطينيين ولبنان وإيران. وفي الوقت نفسه، تهاجم إسرائيل أيضًا سوريا، لذا فإن وجود الأسد كان رمزيًا للغاية.
وخلص دوجين إلى انه: في مثل هذه الظروف، لم تصبح قمة الرياض مجرد منصة لمناقشة التسوية الفلسطينية، بل أصبحت أيضاً مؤشراً لتغير الأولويات الاستراتيجية في الشرق الأوسط. وإن كلمات محمد بن سلمان بشأن إيران والاتصالات الدولية الأخيرة تُظهر مستوى جديد من التحرك الدبلوماسي في المنطقة، حيث يمكن إعادة النظر في التحالفات التقليدية. ومع استمرار اشتعال الصراع ومواجهة جهود الوساطة الدولية للصعوبات، فإن السؤال حول كيف ستتطور العلاقات بين العالم العربي والغرب والجهات الفاعلة الأخرى يظل سؤالاً مفتوحًا. وستكون هناك تحديات كثيرة في المستقبل، وقد أثبتت القمة نظريا أن الدول العربية مستعدة للعمل كجبهة موحدة في مواجهة التغيرات العالمية والواقع الجديد في الشرق الأوسط، ولكن من الناحية العملية لا يوجد لحد الآن فهم للخطوات العملية.
وخرج باستنتاج مفاده إن القطب الإسلامي في العالم المتعدد الأقطاب أخيرا ـ وبتأخر كبير ـ بدأ في اكتساب تعبير مرئي واضح، و "ربما يفضل القادة أنفسهم الاستمرار في تجنب التوحد والتسوية مع الغرب". لكن هذا الأمر أصبح خطيراً بالفعل بالنسبة لهم: فالسكان المسلمون في بلدانهم، الذين يرون التحرك البطيء لقياداتهم، ويشاهدون كل دقيقة الإبادة الجماعية للفلسطينيين ويتوقعون تدمير ضريحهم الديني، لا ينوون التسامح مع هذا لفترة طويلة. ووفقا لرأيه الذي يحتاج إلى مناقشة ومراجعة: "لا يمكن للمسلمين أن يتحدوا إلا بحرب مشتركة مع عدو مشترك. إنها على عتبة الباب". وأضاف: فالغرب كما هي العادة يدعم الأمم في الانفصال وتقرير المصير عندما يكون ذلك مفيداً له. ولا يعترف به عندما لا يكون كذلك. لا توجد قواعد.
وأشار الى أن العالم الإسلامي، متنوع ومتناقض للغاية، لكن وحدته ضرورية في مواجهة التهديد الإسرائيلي، وقد توصلت الدول الإسلامية إلى هذا الاستنتاج. وقال الفيلسوف: و"حتى لو أرادت تجنب المواجهة، فإن للمجتمعات رأي آخر". حسب ما يرى دوجين.