علي حسينولد لقيطا تخلى عنه والده، فتنقل للعيش بالملاجئ، مارس جميع انواع الانحراف، وعرفته معظم سجون باريس، وحين حكم عليه بالاشغال الشاقة وقف جميع ادباء فرنسا يطلبون له العفو، فيما بعد تحول صاحب هذه السيرة السيئة الى اشهر كتاب العالم يرتبط بصداقات مع جان كوكتو وسيمون دي بوفوار والبير كامو واندريه بريتون واندريه مالرو.. يكتب الرواية والسيرة الذاتية ويصبح احد ابرز كتاب المسرح الحديث وينهي حياته بكتابين عن القضية الفلسطينية " أسير عاشق " و" اربع ساعات في شاتيلا "
كيف استطاع هذا المنحرف " جان جينيه " ان يتحول الى كاتب كبير يفرد له سارتر كتابا خاصا "جان جنيه قديسا وشهيدا" يقول في مذكراته " في السجن اكتشفت ان هناك مكتبة صغيرة، يستعير منها النزلاء، هناك عثرت على كتاب مارسيل بروست البحث عن الزمن المفقود " رحت اقرأ الصفحات ببطء، لا اريدها ان تنتهي لقد شعرت بسكينة عجيبة وادركت بعد الان انني سوف انتقل الى حياة اخرى " هكذا بدأت سيرة حياة رجل اخر في حوار مع سعد الله ونوس نشر اوائل الثمانينات قال جنيه انه يسعى إلى تدمير الغرب وحضارته، ورأى أن العرب ينبغي أن يرفضوا هذه الحضارة المحتضرة " ينبغي أن تبدعوا أنفسكم بأنفسكم" ولعل هذه النصيحة بصرف النظر عن بواعثها، هي التي بقيت لنا من جان جنيه، لأنه وهو الذي حُرم من كل شيء وحاول أن يقدم نفسه كابداع أدبي، فالصبي الذي تجول بين سجون الاصلاحيات، ولع بالأدب والكتابة، فكانت هواية سرقة الكتب من بين الجرائم التي دفع ثمنها عقوبات سجن متكررة. ظل جان جنيه طوال حياته التي تجاوزت السبعين عاما يمثل علامة من علامات التمرد على العصر،، ينفق ماله الذي يبعثه الناشرون في مغامرات العيش في بلدان متفرقة، وبين أناس غرباء. صورة المتصعلك الأبدي وجوّاب الطرقات التي اشتهر بها، ولكنه في مواجهة هذه الحياة كان يملك القدرة على مواجهة الواقع وفضح الظلم والاستبداد والتسلط بكل اشكاله، كتب عن المضطهدين من كل الأصناف، مثلما كتب في أدبه المسرحي عن المهمشين الذي كان منهم، اللصوص والخادمات والزنوج والقتلة ورجال الشرطة وبنات الهوى، ولكن تلك الشخصيات التي كانت جزءا من تاريخه، أدركها في لحظات تقف بين الصحو والغيبوبة، الوعي واللاوعي، فقد كان يبحث من خلال شخصياتهم عن ذاته وهي تقف خارج الأسوار. شغلته فكرة الحرية لا كمفهوم اجتماعي، بل كاثبات للذات، وبدت حتى اهتماماته بالقضايا الإنسانية الكبرى، مثل نضالات الفهود السود والفلسطينيين والجزائريين، على صلة بمفهومه المبتكر للحرية، حيث تقترب الكتابةُ من فعل الحرية في الحياة،لم يستسلم إلى الشهرة وإغراء المال. أصرّ على أن يتابع حياته على الهامش وأن يواصل الكتابة ضد مجتمع القهر، وضد العالم المصاب باختلالات ظالمة منذ البدء، يكتب عن قسوة الحياة: " أدبكم وفنونكم الجميلة، وتسلياتكم بعد العشاء، كل ذلك يحتفل بالجريمة إن موهبة شعرائكم قد مجدت المجرم الذي تكرهونه فى الحياة. اسمحوا لنا بدورنا أن نحتقر شعراءكم وفنانيكم " ولم يكن هذا الانشقاق يقوم على الزعم بالقدرة على تقديم البديل، وإنما كان موقف رفض جذري لا ينطوي على أوهام، إذ يقول: " ليس لى صورة عن مجتمع أعارض به مجتمعكم، فهذه مسألة لا تهمني...". ويضيف فى مكان آخر: " أتمنى ألا يتغير العالم لكي أسمح لنفسي بأن أكون ضدّه "
العمود الثامن: أسـير الحريـة

نشر في: 26 يناير, 2011: 05:30 م