TOP

جريدة المدى > مقالات واعمدة ارشيف > فـي الحدث: الضربة التي لا تميتني تقويني

فـي الحدث: الضربة التي لا تميتني تقويني

نشر في: 26 يناير, 2011: 06:03 م

 حازم مبيضينليس غريباً هذا التزامن بين التطورات المتسارعة على الساحة اللبنانية، ولم تتضح بعد نتائجها، وبين نشر فضائية الجزيرة لما سمته وثائق سرية، قالت إنها تكشف حجم التنازلات التي قدمتها السلطة الفلسطينية لإسرائيل، خلال المفاوضات المستمرة بين الجانبين منذ عدة سنوات، والتي تؤكد السلطة أنها كانت الأكثر شفافية من بين الأعمال السياسية التي جرت في المنطقة في التاريخ المعاصر، وهي تؤكد أنه لم تحدث خلالها واقعة إلا وتم الكشف عنها أمام الرأي العام، وأن سير المفاوضات بمجملها كان مكشوفاً للجميع ويخضع للنقاش العلني، وللتدليل على صحة مواقفها رفضت السلطة مناقشة صحة أو عدم صحة وثائق الجزيرة، ودعت مؤسسات الأبحاث الفلسطينية المستقلة، إلى تشكيل لجنة لدراسة هذه الوثائق وتدقيقها، وإعلان النتائج أمام الرأي العام.
الرئيس محمود عباس رد بكلمتين حين أعلن أن السلطة تطلع القادة العرب أولاً بأول على تفاصيل ما يجري في المفاوضات، وأكد مجدداً أن ما سيختاره القادة العرب سيوضع موضع التطبيق، وقال إن ما نشرته الجزيرة خلط مقصود بين المقترحات الإسرائيلية وهي كثيرة، والمواقف الفلسطينية، فهم يعرضون شيئاً يقولون إنه فلسطيني بينما هو إسرائيلي، ويبدو ملفتاً للنظر أن حملة الجزيرة تأتي متزامنة مع دعوة وزير الخارجية الاسرائيلي، إلى مشروع دولة مؤقتة على حدود 43 % من أراضي الضفة الغربية، كما أنها تتزامن مع الحملة الصهيونية المنظمة ضد الرئيس عباس، وبشكل يبدو محاولة بائسة لاغتيال الرجل سياسياً وضرب ثباته وصموده.وحملة فضائية الجزيرة تعيد إلى الذاكرة حملة مماثلة، تم شنها على ياسر عرفات حين تمسك بالثوابت، واستعصت مواقفه الوطنية على الإسرائيليين، واستهدفت تلك الحملة التشكيك بوطنيته ومواقفه، ودفعه إلى الضعف والانهيار، والتاريخ اليوم يعيد نفسه لنشهد الحملة الراهنة ضد أبو مازن، الذي يرفض بإصرار العودة الى مائدة المفاوضات في ظل الاستيطان، ويسعى بدأب لإشراك المجتمع الدولي بمن في ذلك ممثلو الجاليات اليهودية في العالم، والرأي العام الإسرائيلي، كأطراف فاعلة في القضية الفلسطينية، وعدم تركها بين يدي حكومة اليمين الصهيوني المتطرف والأطراف الداعمة لها في الإدارة الأميركية.تزاود الجزيرة على السلطة الفلسطينية وموقفها الوطني المتميز بالواقعية، خصوصاً بعد رفضها المستمر لأي تبادل للسكان أو الأراضي، وتمسكها بثبات بعروبة القدس باعتبار عائديتها للفلسطينيين بحدود عام 1967، ولسنا هنا بصدد الدفاع عن مواقف السلطة ورئيسها بقدر ما ندافع عن حقوق الشعب الفلسطيني، الذي سلم قيادته لمنظمة التحرير، واعتبرها ممثله الشرعي الوحيد، وإلى قيادة وصلت إلى موقعها عبر تضحيات الشهداء، وليس عبر انقلاب قصر، ولا على ظهر دبابة يقودها ضابط طامح ومغامر، وهي سلطة تستمد شرعيتها من صناديق الاقتراع، وليس من أكياس الأموال التي تتدفق بين أيدي البعض ممن لا يملكون تاريخاً يؤهلهم لمحاولة التعامل مع الكبار.وبعد، هل نحن أمام دعوة للشعب الفلسطيني للوقوع في فخ اليأس؟ وهي تأتي مباشرة بعد وصف نتنياهو لعباس بأنه أخطر زعيم فلسطيني وعربي على إسرائيل، كما تأتي بعد عرض قدمه كبير المفاوضين  صائب عريقات لفضائية الجزيرة عن استعداد السلطة لنشر وثائقها وأرشيفها الخاص بملفات المفاوضات مع إسرائيل، لتوضيح المواقف للرأي العام الفلسطيني والعربي، لكن الواضح أن تلك الفضائية اجتزأت من الوثائق المسربة إليها مواقف من خارج السياق، وقدمتها بشكل يدعي المهنية، ولعبت دوراً سياسياً بناءً على موقف عدائي مسبق من السلطة والمنظمة، ولو اعتمدت الجزيرة المهنية الحقيقية لكان عليها الاتصال بالسلطة ومنحها فرصة إبداء وجهة نظرها في الموضوع كما تقتضي الأصول المتعارف عليها في العمل الإعلامي وليس الاستخباري الذي لجأت إليه. والحاصل أن على الجزيرة أن تمثل القول الجميل " الضربة التي لا تميتني تقويني ".

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق معرض العراق للكتاب

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

حياتي وموت علي طالب

حياتي وموت علي طالب

غادة العاملي في لحظة تزامنت فيها الحياة مع الموت استعدت ذكريات عشر سنوات ،أو أكثر .. أختصرها الآن في ذاكرتي بالأشهر الثلاثة الأخيرة. حينما اتفقنا أناقرر هو أن يسافر ملبيا الدعوة التي انتظرها لأكثر...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram