علي حسين
اسمحوا لي اليوم أن أترك هموم بلاد الرافدين التي تعيش مرحلة انتصار محمود المشهداني وعودته سالما غانما الى كرسي رئاسة البرلمان لكي يبدا تطبيق نظريته في " التفليش " ، وأخصص هذه الزاوية لأيقونة من أيقونات هذا الزمن اسمها فيروز، المطربة التي غنت للعشق والهوى والأوطان ، والتي لم تكن مغنية فقط، بل فنانة تدرك أن الفن جزء من نضال لا يموت، يستمر ليهز وجدان الناس ومشاعرهم، الفنانة التي صدح صوتها يغني لبغداد وصورها وشعرائها، وهي نفسها التي افتخرت ببلاد الرافدين عندما غنت عام 1976 في بغداد لتقول للسيدة ابتسام عبد الله في حوار أجرته معها ونشرته في صحيفة الجمهورية قبل ما يقارب النصف قرن: "لقد أحببت بغداد.. وكل شيء فيها جميل.. وأجمل ما فيها ناسها الذواقين للفن" ثم تضيف "بغداد المدينة المتكئة على تأريخ عريق يمتد إلى طفولة العالم".
تدخل فيروز عامها التسعين، المطربة التي تهز وجدان المستمعين لصوتها، والتي يرى المستمعون في صورتها وصوتها حلما يطبقون عليه اهداب عيونهم.. صاحبة "رجعت الشتوية" حيث صدح صوتها بأسماء المدن العربية من مكة واهلها الصيدا الى دمشق شمسِ الضحى الطالعَةْ ، مرورا بمصر التي نقشت في الصخر أَسفارَها ، وليس انتهاء ببغداد حيث يَغنى الوُجودُ بِها ويُختصَرُ ، وفلسطين التي لم تترك وجهاً من وجوهها من دون ان تتغزل به، فمن يافا، إلى زهرة المدائن ، الى القدس العتيقة ، مرورا ببيسان ، وياربوع بلادي وليس انتهاء بـ "سيفٌ فليشهر" ، اغنيات أخلصت فيها فيروز للمستمع العربي كما لم يفعل احد من الفنانين . يكتب محمود درويش: صارت فيروز هي إطار قلوبنا المرجعي، هي الوطن المُستعاد وحافز السير على طريق القوافل الطويل".
اختصرت فيروز في اغنياتها حقيقة بلداننا، والمآسي التي نعيش في ظل انظمة سياسية لا تزال تتقاتل من اجل الكرسي والطائفة .
تعود ست الدنيا بيروت ، الى واجهة الاحداث ، وهي التي لم تغب يوما عن ضمائر الاحرار ، وها هو شاعر لبنان جوزيف حرب يوجه لها التحية من خلال صوت فيروز :" لبيروت، من قلبي سلامٌ لبيروت ..وقُبل للبحر والبيوت ..لصخرةٍ كأنها، وجه بحارٍ قديمِ".
نتذكر فيروز ونحن ننظر الى ما يدور في لبنان ، منارة الشرق التي اصر ساستها ان تعيش مأساة الطائفية والحرب الاهلية ، واخيرا صواريج الاجرام الاسرائيلية .
نتذكر فيروز وعيوننا صوب بيروت مدينة الاحلام وقلعة الحروف .. بحر وشمس وكتاب ومعارك فكرية .. بيروت الطائفة الواحدة الممتدة من جبران الى ابو ماضي ومي ونعيمة ومعلوف والريحاني وانسي وبعلبكي وعامل ومروة.