عصام الياسري
مع هاجس التحديات الخطيرة التي تواجه المنطقة والعراق على وجه الخصوص منذ اندلاع الحرب على غزة ولبنان في أكتوبر من العام الماضي، واستمرار تفاقم الأوضاع الأمنية وانتشار السلاح المنفلت وتسويف أحزاب السلطة مشاريعها الرامية لتغيير قانون الانتخابات - من جديد - وتجييره لصالحها، واحدة، من أهم الموضوعات التي تخيف الكتل السياسية الماسكة بسلطة الدولة العميقة مسألة تحقيق الانتخابات بالشروط التي يطالب بها المجتمع العراقي وحراكه الشعبي في أغلب المدن العراقية. ورغم تأكيد المرجعية الدينية في بيانها الأخير حول الشأن العراقي برمته وإستقرارها على ما كانت تدعو إلية في كل مناسبة مصيرية، إلا أن الطبقة السياسية التي تتشدق بالتزامها بآراء المرجعية، لا تزال تتصرف بمنطق: "المصالح الشخصية والفئوية أولا. بمعنى آخر، انها مصرة على عدم التفريط بمصالحها الفئوية الضيقة بأي حال من الأحوال، بالضد من رأي المرجعية الموقر الذي يهم مصالح العراق ومواطنيه".
وعلى قدر أهمية آراء سماحة السيد السيستاني ودلالاتها فيما يتعلق بمفهوم الدولة المدنية والقضايا التي يتطلع لها الشعب العراقي، هناك مسألتان لا بد من الوقوف عندهما بحذر: (تركيبة الأحزاب وطريقة الانتخابات)، لللوقوف بحذر تجاه المسارات الفاشلة للدولة العميقة. الأمران في العراق، الأحزاب والإنتخابات، من الناحية الواقعية، لا يعكسان 5% من مضامين لا غنى عنها في تكوين الإرادة السياسية للشعب وتحقيق مفهوم الدولة المدنية كما هو الحال في الدول والمجتمعات المتطورة.
وإذا ما استمرت التجاذبات السياسية بالاتجاه المعاكس لما هو منشود وتطالب به المرجعية الدينية الموقرة، فلم تعد الانتخابات المبكرة لاعتبارات محقة، مطلبا حكيما، بالنسبة للمعارضين لطبيعة نظام الحكم الذين يهمهم بالأساس، محاربة الفساد وحصر سلاح الميليشيات بيد الدولة والكشف عن قتلة المتظاهرين وتقديمهم للعدالة، أيضا، تحقيق مطالبهم الأخرى ومنها إقرار قانون الانتخابات وتشريع قانون الأحزاب وإعادة تشكيل مفوضية الانتخابات على أسس سليمة ونزيهة تكشف عن جدية مؤسسات الدولة، التشريعية والتنفيذية والقضائية حلحلة جميع الأزمات المتراكمة منذ أكثر من عقدين. فأن لم يكن بالمستطاع تحقيق كل هذه الأمور العالقة، فليس من الناحية المنطقية والموضوعية أمام العامة من المجتمع العراقي ومن بينهم المتظاهرون والقوى المدنية التي تسعى إلى التغيير، إلا مقاطعة الانتخابات ومطالبة رئيس الوزراء، إن كان جاد بتنفيذ شعاره بأنه "رجل أفعال وليس أقوالا" إن يمارس صلاحياته الدستورية، أو الذهاب إلى المؤسسات الدولية لقطع الطريق أمام نوايا الأحزاب الطائفية.
ينظر القانون الدولي للدولة: أجهزتها، شعبها، مناطقها، أشكالها يرتبط بموجبها الناس بعضهم ببعض لحماية مصالحهم المشتركة في شأن ذلك، يعتمد على وجه التحديد، وفقا لعقيدة العناصر الثلاثة الدولة والشعب والسلطة، على أهم الوقائع والمعايير، لضمان التوازنات المتبادلة بين الحقوق والواجبات داخل المجتمع تحت رقابة أحزاب فاعلة داخل وخارج المنظومة البرلمانية لكننا نتساءل ببساطة: أين هو دور الأحزاب الحاكمة داخل مؤسسات الدولة، وما هو دورها في بناء دولة المواطنة وتحقيق ما يطمح إليه المجتمع العراقي بكافة أطيافه؟. لنحكم بينها وبين قراءة الحدث السياسي وما يحيط مؤسسة الدولة من إشكاليات جعلت حال العراق بؤسا ويأسا لا نظير له…
الأحزاب السياسية في البلدان الديمقراطية، لديها مهمة أساسية: تمثيل المصالح الاجتماعية والسياسية للشعب. لكي يتمكنوا مرشحيها ((النواب)) من أداء هذه المهمة، يتمتعون بحقوق والتزامات خاصة. ووفقا لأحكام "قانون الأحزاب"، فإنها تعتبر ((الأحزاب)) من الجماعات المجتمعية التي تؤثر بشكل دائم أو لمدة طويلة على صنع القرار السياسي وتمثيل الشعب في "البرلمان" بكل صدق ونزاهة وأمانة، تبعا للقواعد الفعلية العامة. فيما يحظر "القانون" في الدولة المدنية الأفراد والأحزاب والمنظمات التي تمارس الفساد الإداري والمالي ولها أذرع مسلحة من المشاركة في الانتخابات، ويطالبها تقديم تعهد يتضمن مادة واضحة بذلك. وعليها تبيان مواردها المالية قانونيا، كيف ومن أين؟ كذلك طبيعة عملها وأماكنها المحددة وعدد أعضائها. والأهم اعترافها بالقانون الأساسي للدولة "الدستور" والالتزام بمبادئه. ذلك لضمان المنافسة العادلة بأحدث الأساليب المعروفة باسم "تكافؤ الفرص المتدرج" للحصول على أصوات المواطنين الناخبين وفقا لأهمية الحزب ونزاهته وخبرته السياسية.