TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > العلاقات الدولية بين العراق والاتحاد الأوروبي مابين (2003-2025)

العلاقات الدولية بين العراق والاتحاد الأوروبي مابين (2003-2025)

نشر في: 25 نوفمبر, 2024: 12:02 ص

بيير جان لويزارد*

ترجمة: عدوية الهلالي

بعد ثمان سنوات من الحرب ضد جمهورية إيران الإسلامية (1980-1988)، وجد العراق نفسه مفلساً مالياً ومثقلاً بالديون لأجيال عديدة.وكان هناك آنذاك تقارب بين طموحات الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي. وكان كلاهما مدفوعين بالخوف من رؤية الحركة الثورية الإسلامية تنتشر خارج الحدود الإيرانية، على الرغم من أن الحركة ظلت فيما بعد محصورة إلى حد كبير في المجتمعات الشيعية. لذا قدمت فرنسا، من بين جميع الدول الغربية، أكبر قدر من الدعم لنظام صدام حسين..
وبغض النظر عن ذلك، فإن الحرب بين العراق وإيران انتهت دون منتصر واضح، رغم مئات الآلاف من القتلى، معظمهم من الجانب الإيراني. وفي هذا السياق، سعى العراق في عهد صدام حسين إلى الاستفادة من مقاومته للإسلام الشيعي من خلال وضع نفسه كقوة مهيمنة في منطقة الخليج. وكانت بغداد تأمل في أن تكافأ على تضحيات بلادها، وتوقعت أن يتم القضاء على ديونها الهائلة.لكن الخوف من ظهور "بروسيا" جديدة في العالم العربي أدى إلى إجماع بين الدول الملكية النفطية والدول الغربية على عدم مساعدة العراق. وبالنسبة لواشنطن على وجه الخصوص، كان من الأهمية بمكان منع نظام صدام حسين من الاستفادة من دوره في الصراع الإيراني العراقي.
وبقية القصة معروفة جيدا: ففي مواجهة الضغوط المتزايدة من قِبَل الأنظمة الملكية النفطية، وخاصة الكويت والمملكة العربية السعودية لحملها على سداد ديونها، وجد نظام صدّام حسين نفسه مهددا بالوصاية الدولية. ورداً على ذلك، احتل النظام الكويت في عام 1990. وأدى هذا التحرك إلى تشكيل جبهة موحدة من جميع دول المنطقة تقريباً والقوى الغربية، مما أدى إلى حرب جديدة شهدت هزيمة العراق العسكرية في عام 1991. وكان يمكن للولايات المتحدة، التي تقود التحالف، أن تعتمد على دعم الاتحاد الأوروبي، بما في ذلك فرنسا. ومع ذلك، فإن التهديد بعودة الإسلام الشيعي، الذي رأى في هزيمة العراق فرصة للانتقام من نظام صدام حسين، أقنع الأمريكيين بأنه من الأفضل إبقاء صدام في عراق ضعيف، بدلاً من المخاطرة بزعزعة استقرار البلاد..وكان العقد التالي من الإشراف الدولي من شأنه أن يقوض أي أمل في السيادة الكاملة للبلاد، التي كانت ذات يوم واحدة من أكثر الدول الواعدة في العالم العربي، بثروتها من الموارد البشرية والطبيعية. وكان برنامج "النفط مقابل الغذاء"، الذي أنشأته الأمم المتحدة في عام 1995 لأغراض إنسانية، بمثابة مثال لانتصار الفساد المستشري في العراق الذي سيظل تحت الإشراف الدولي، مع منح إقليم كردستان حكماً ذاتياً متقدماً.
لقد غيرت أحداث 11 سبتمبر كل شيء. فبعد الذهول من الهجمات الإرهابية على مركز التجارة العالمي، سعت شريحة متزايدة من الطبقة السياسية الأميركية إلى الانتقام. وكان التدخل في أفغانستان، سبباً في ظهور الحاجة إلى كبش فداء جديد، الأمر الذي أدى إلى تحول في السياسة الأميركية في التعامل مع العراق، بينما ظل الاتحاد الأوروبي منقسمًا بشدة بشأن التحول الجديد في السياسة الأمريكية تجاه بغداد.
وفي 25 ايلول 2002، كان الاستقبال المتوتر لجورج دبليو بوش في الأمم المتحدة قد سبق المواجهة بين شيراك وبوش. وعارضت فرنسا وروسيا والصين الرئيس الأمريكي وخطته للجوء إلى القوة. ومع ذلك، في عام 2003، وبدون إجماع غربي وضد القانون الدولي، استعدت الولايات المتحدة لغزو العراق. وكانت الأسباب الرسمية هي مكافحة الإرهاب وتدمير أسلحة الدمار الشامل المخفية عن مفتشي الأمم المتحدة. وبدرجة أقل، أشارت الولايات المتحدة أيضاً إلى "دمقرطة" العراق، الذي كان بمثابة "منارة" للشرق الأوسط.
ومن الجدير بالذكر أن تحالف القوات العسكرية في العراق يشير إلى القوة المسلحة المتعددة الجنسيات بقيادة الولايات المتحدة. وقد تم إضفاء الشرعية على وجودها في العراق، بعد غزو البلاد، بموجب قرار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة رقم 1483/2003، والذي ظل ساري المفعول حتى نهاية عام 2008. وهذا القرار، صاغته الولايات المتحدة وشاركت في رعايته إسبانيا والمملكة المتحدة، بموافقة 14 من أعضاء مجلس الأمن الخمسة عشر، مع امتناع سوريا عن التصويت. ومن بين الدول المشاركة في حرب العراق المملكة المتحدة، وبولندا، وكوريا الجنوبية، وأوكرانيا، وأستراليا، وجورجيا، ورومانيا، والدنمارك، بالإضافة إلى العديد من حلفاء أمريكا الآخرين.
وفي هذا السياق، لم تظهر أوروبا كلاعب موحد. وبينما شاركت المملكة المتحدة (عضو الاتحاد الأوروبي في ذلك الوقت)، أعربت دول كبيرة مثل ألمانيا، وعلى الأخص فرنسا، بقوة عن معارضتها للحرب.كما عارضت روسيا التدخل أيضاً،بينما شاركت إسبانيا وهولندا في التحالف.وكان السؤال الملح الذي حشد الملايين من المتظاهرين، من برلين إلى لندن، مروراً بباريس ومدريد، هو: لماذا جازف بوش بتكرار خطأ أفغانستان بغزو العراق من دون شرعية دولية؟
لقد أدى سقوط صدام حسين إلى انهيار الدولة العراقية برمتها..وكانت المهمة الصعبة التي واجهت الأميركيين هي إعادة بناء دولة عراقية جديدة تحت الاحتلال.وكان الاختلاف الرئيسي عن الانتداب الأول الذي منحته عصبة الأمم لبريطانيا في عام 1920 هو أن مؤسسات العراق تشكلت في البداية دون شرعية دولية من قبل الأميركيين. والجدير بالذكر أن الولايات المتحدة استبعدت الأمم المتحدة من البلد الذي كانت تحتله، وأنهت سيطرة الأمم المتحدة على برنامج "النفط مقابل الغذاء" الذي كان قائماً منذ عام 1996.
وفي هذا السياق، ما هو الدور الذي يمكن أن يلعبه الاتحاد الأوروبي؟ فلم توفر الشرعية في مرحلة ما بعد الغزو آفاقاً قوية للاتحاد الأوروبي لفرض نفسه بأي شكل من الأشكال، وظل التمويل والمساعدات الأوروبية لإعادة إعمار العراق محدودة. ومرة أخرى، أثبتت معارضة الدول الأوروبية الرئيسية للغزو أنها عامل رئيسي. وفي مؤتمر المانحين الذي عقد في مدريد في تشرين الأول 2003، تم جمع ما مجموعه 33 مليار دولار لإعادة إعمار العراق.وفي تشرين الثاني 2004، تمت معالجة مسألة الدين العام العراقي الحساسة خلال اتفاق بين الحكومة العراقية الجديدة وأعضاء نادي باريس. وتم الاتفاق على خطة كبيرة لتخفيض الديون، حيث تم تخفيضها بنسبة 80% من خلال برنامج من ثلاث مراحل (مرتبط بالتزام العراق بالبرنامج القياسي لصندوق النقد الدولي).
وسمحت أزمة أخرى للاتحاد الأوروبي بالعثور على مكانه. وفي عام 2014، وردًا على داعش، تم تشكيل تحالف دولي يضم أكثر من ثلاثين دولة، بما في ذلك فرنسا، للتدخل في العراق وسوريا تحت قيادة الولايات المتحدة. وكان هذا الحضور عسكرياً وسياسياً. وساعدت الضربات الجوية، خاصة على الموصل، الميليشيات الشيعية على التقدم على الأرض. كما ساهم الاتحاد الأوروبي في إعادة إعمار البلاد بعد هزيمة داعش في عام 2017. ونتيجة لذلك، ترك فك الارتباط الأمريكي، الذي أُعلن عنه في وقت مبكر من عام 2011، فراغًا ملأته إيران إلى حد كبير، ولكنه سمح أيضًا للجهات الفاعلة الغربية الأخرى باكتساب نفوذ في البلاد.وسبق أن أعلنت واشنطن وبغداد بشكل مشترك أن مهمة التحالف الدولي ضد داعش في العراق ستنتهي في سبتمبر 2025.
بشكل عام، يمكن للمرء أن يتوقع أن يتضاءل الوجود الأمريكي في العراق. ويأتي ذلك في وقت قد تؤدي فيه الحرب في غزة ولبنان إلى تقويض النفوذ الإيراني في البلاد. فهل سيسمح الفراغ الناتج للاتحاد الأوروبي بإيجاد دور نشط جديد؟ ولن يكون الهدف أن يحل الاتحاد الأوروبي محل الولايات المتحدة، بل يمكنه بدلاً من ذلك تحديد سياسة أوروبية مستقلة. ورغم أنه من غير المرجح أن يكتسب الاتحاد الأوروبي قدراً كبيراً من القوة في العراق، إلا أن بعض دول الاتحاد الأوروبي قد تستعيد قدراً كبيراً من نفوذها. والجدير بالذكر أن فرنسا هي إحدى الدول الغربية القليلة التي تحافظ على سمعة إيجابية بين جميع الجاليات العراقية. وقد ظهر هذا التعاطف حتى الآن من خلال بيع معدات الدفاع الجوي (الرادارات والمروحيات). ذلك إن الرغبة في مساعدة العراق على الابتعاد سلمياً عن الطائفية السياسية ستكون خياراً حكيماً.
مؤرخ فرنسي متخصص في الشأن العراقي

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

ارتفاع حصيلة حادث تصادم طريق الناصرية-السماوة إلى 13 ضحية

أنشيلوتي يتحدث عن مبابي.. "لديه فرصة" مثل رونالدو

السوداني يبحث تطورات الأوضاع في سوريا خلال اتصال هاتفي

إطلاق سراح 500 مشمول بقانون العفو العام

القبض على 7 اشخاص اطلقوا النار في الهواء ببغداد

ملحق معرض العراق للكتاب

الأكثر قراءة

العمود الثامن: السعادة على توقيت الإمارات

منطق القوة وقوة المنطق.. أين يتجه صراع طهران وواشنطن؟

تركيا تواجه التحول الجيوسياسي الناجم عن عودة دونالد ترامب إلى السلطة

كلاكيت: عن (السينمائي) وعبد العليم البناء

الطائفيّة بين الاستعمار ومناهضة الاستعمار

العمود الثامن: السعادة على توقيت الإمارات

 علي حسين نحن بلاد نُحكم بالخطابات والشعارات، يصدح المسؤول بصوته ليخفي فشله عن إدارة شؤون الناس.. كل مسؤول يختار طبقة صوتية خاصة به، ليخفي معها سنوات من العجزعن مواجهة واقع يسير بنا إلى...
علي حسين

كلاكيت: عن (السينمائي) وعبد العليم البناء

 علاء المفرجي علاقتي مع (السينمائي) لها حكاية، تبدأ من اختياري لها لكتابة عمودي (كلاكيت) منذ عددها الأول، ولا تنتهي بعددها الأخير. ولئن (السينمائي) تحتفل بعشريتها الأولى، كان لزاما عليّ أن أحتفل معها بهذا...
علاء المفرجي

تركيا تواجه التحول الجيوسياسي الناجم عن عودة دونالد ترامب إلى السلطة

جان ماركو ترجمة: عدوية الهلالي في الأسابيع الأخيرة، ومع ظهور الديناميكيات الجديدة للجغرافيا السياسية لترامب، تركز الاهتمام إلى حد كبير على اللاعبين الرئيسيين في الساحة الدولية، بدلاً من التركيز على دول الطرف الثالث التي...
جان ماركو

منطق القوة وقوة المنطق.. أين يتجه صراع طهران وواشنطن؟

محمد علي الحيدري يبدو أن ملف التفاوض بين إيران والولايات المتحدة دخل مرحلة جديدة من التعقيد، ليس بسبب طبيعة الخلافات القديمة، بل نتيجة تبدّل ميزان القوى الإقليمي والدولي، الذي بات يفرض مقاربة مختلفة عن...
محمد علي الحيدري
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram