بغداد – تبارك المجيد
تواجه منطقة سنجار تحديات بيئية وخدمية خطيرة، مثل تلوث الهواء والمياه بسبب حرق النفايات، ونقص أنظمة الصرف الصحي. في سنجار، يؤدي القطع الجائر للأشجار إلى تهديد الغطاء النباتي، بينما يعاني السكان من ضعف في خدمات جمع النفايات. رغم الجهود المبذولة من قبل البلدية، إلا أن العوائق الإدارية والفنية تعرقل تنفيذ المشاريع الحيوية، مما يفاقم من معاناة السكان ويزيد من التحديات البيئية في المنطقتين.
يرى الأكاديمي صقر الوزان، أحد سكان الموصل، أن الوضع الحالي للتعامل مع النفايات في المدينة لا يقدم حلاً جذريًا للمشكلة، بل يُبقيها قائمة بشكل أو بآخر. فهو يصف عملية جمع النفايات من الأحياء السكنية والتجارية ونقلها إلى مواقع أخرى بأنها مجرد نقل للأزمة من مكان إلى آخر دون معالجتها بشكل فعلي. ويضيف الوزان في حديث لـ(المدى)، أن "هذه النفايات، التي غالبًا ما تُحرق أو تُترك مكشوفة، تطلق انبعاثات ضارة تتطاير مع الرياح، لتنتشر إلى مختلف أنحاء المدينة، مما يتسبب في تلوث الهواء الذي يستنشقه السكان يوميًا. كما أن مياه الأمطار تزيد الأمر سوءًا، إذ تختلط بالمخلفات السامة وتصل إلى المياه الجوفية، مما يعرض السكان لخطر أكبر على صحتهم وبيئتهم". وفي حديثه، يصف الوزان المواقع التي تُستخدم لتجميع النفايات بأنها بؤر للتلوث ومصدرًا لانتشار القوارض، الكلاب السائبة، والحشرات، مما يحولها إلى خطر صحي وبيئي يهدد سكان المدينة. وأوضح أن الموصل شهدت مؤخرًا زيادة في مواقع الطمر العشوائي، التي لا تراعي أي معايير بيئية سليمة، مشيرًا إلى أن الطريقة الوحيدة المُستخدمة حاليًا للتعامل مع النفايات هي دفنها تحت التراب، دون أي جهود تُذكر لإعادة التدوير أو استخدام تقنيات أكثر تطورًا.
ويرى الوزان أن هذه الأساليب قد تكون كانت فعّالة عندما كانت الموصل مدينة أصغر بكثير من حيث عدد السكان والمساحة العمرانية، لكن اليوم، مع تضخم عدد السكان إلى ما يقارب المليوني نسمة، والتوسع العمراني الكبير خارج حدودها القديمة، بات من الواضح أن هذه الحلول التقليدية أصبحت غير كافية. ويشدد الوزان على الحاجة الملحة لإيجاد حلول جديدة ومستدامة لإدارة النفايات، مشيرًا إلى أهمية التركيز على مشاريع إعادة التدوير واستخدام أساليب بيئية حديثة تحمي صحة السكان وتساهم في الحفاظ على البيئة.
وفقًا للناشط البيئي محمد سلوان من مدينة الموصل، فإن غياب أنظمة الصرف الصحي أدى إلى غرق الشوارع بمياه الأمطار خلال المواسم الممطرة، مما يجعل حركة المواطنين صعبة ويعرضهم لمخاطر صحية متزايدة بسبب تجمع المياه الراكدة التي تُعتبر بيئة مثالية لانتشار الأمراض.
يضيف:"تُجمع النفايات في المدينة بطرق غير منتظمة وتُحرق بطرق غير سليمة، مما يطلق مواد ضارة تؤثر بشكل مباشر على صحة السكان والبيئة. الأخطر من ذلك هو حرق النفايات الكيميائية الناتجة عن المستشفيات والمراكز الصحية، وهو ما يشكل تهديدًا مباشرًا للحياة البيئية والإنسانية في المنطقة". الأزمة لا تتوقف عند إدارة النفايات، بل تمتد إلى غياب برامج التشجير والعناية بالأشجار في جبال سنجار. القطع العشوائي للأشجار بهدف تحويلها إلى فحم يُعتبر أحد أخطر التحديات البيئية التي تواجه المنطقة، حيث يؤكد شلال أن استمرار هذا الاستنزاف البيئي سيؤدي إلى تحويل سنجار إلى صحراء قاحلة خلال سنوات قليلة إذا لم يتم اتخاذ إجراءات عاجلة لحماية الغطاء النباتي، وفقا لسلوان.
يتابع: "السكان يعانون أيضًا من قلة الخدمات البلدية، حيث تُجمع النفايات من الأحياء السكنية مرة واحدة في الأسبوع فقط، مع غياب الحاويات أمام المنازل، مما يؤدي إلى تكدس النفايات لفترات طويلة. كما أن المجمعات السكنية تفتقر إلى أنظمة الصرف الصحي، مما يزيد من معاناة المواطنين اليومية ويُفاقم من سوء الأحوال البيئية والصحية في المدينة".
محمد سلوان ناشد الجهات الحكومية بضرورة التدخل السريع لمعالجة هذه الأزمات، مشددًا على أهمية وضع خطط شاملة للتنمية المستدامة والبنية التحتية البيئية. وأكد أن هذه التدابير ضرورية لتجنب كارثة بيئية وصحية محتملة قد تكون لها تداعيات خطيرة على المنطقة وسكانها في المستقبل. سنجار اليوم بحاجة إلى اهتمام حقيقي وإجراءات عاجلة لإنقاذها من هذا المصير المظلم.
فمدير بلدية سنجار، جميل سفوك، أوضح أن البلدية تبذل جهودًا كبيرة لتحسين الأوضاع في المنطقة، رغم العقبات التي تعترض تنفيذ بعض المشاريع الحيوية. من بين هذه المشاريع، أشار إلى مشروع الطمر الصحي الذي حصلت البلدية على كافة الموافقات اللازمة لتنفيذه. غير أن المشروع يواجه تأخيرًا بسبب مشكلة تتعلق بملكية الأرض المخصصة له، والتي لا تزال قيد المعالجة. وأكد سفوك أن المسألة الآن بين أيدي الجهات المعنية لحلها، وأن البلدية تنتظر الانتهاء من عملية الإطفاء للبدء في التنفيذ الفعلي.
وتحدث سفوك لـ(المدى)، عن التحديات اليومية التي تواجه البلدية، مسلطًا الضوء على نقص المعدات المستخدمة في جمع النفايات. وأوضح أن البلدية تمتلك شاحنة واحدة فقط لجمع النفايات، وهي معطلة حاليًا، مما أدى إلى تراجع كفاءة جمع النفايات في المنطقة. وذكر أن النفايات كانت تُطمر عادة كل ثلاثة أشهر، لكن منذ شهر فبراير الماضي لم يتم طمر أي نفايات بسبب تعطل الشاحنة.
وفيما يتعلق بخدمات الصرف الصحي، أشار سفوك إلى "غياب نظام صرف صحي متكامل في سنجار". وأوضح أن "البلدية تعتمد حاليًا على مجاري مؤقتة لتصريف المياه، لكنها لا تفي بالغرض، خاصة في المناطق السكنية والمجمعات". وأكد أن عدم وجود شبكات صرف صحي في المنطقة يُفاقم الوضع البيئي ويشكل تحديًا إضافيًا.
كما ألقى سفوك الضوء على حجم المسؤوليات التي تتحملها بلدية سنجار، التي تُعتبر واحدة من أكبر البلديات في المنطقة من حيث المساحة والكثافة السكانية. وأوضح أن "البلدية تخدم مركز ناحية الشمال وست مجموعات سكنية رسمية، وجميع هذه المناطق لديها تصاميم أساسية وقطاعية جاهزة للتنفيذ. ومع ذلك، تقف العقبات الإدارية والفنية في طريق تحقيق التنفيذ الكامل لهذه المشاريع".
ورغم هذه التحديات، أكد سفوك أن "البلدية تعمل بالتعاون مع الجهات المعنية للتغلب على هذه العقبات"، معربًا عن أمله في أن يتمكنوا قريبًا من تحسين الخدمات المقدمة لسكان سنجار وتحقيق تقدم ملموس على أرض الواقع.