د. أحمد عبد الرزاق شكارة
يوم عظيم انتصاراللعدل عبارة تنم عن وصف واضح مركز ساقه الاستاذ المحامي الفلسطيني راجي صوراني عن طبيعة الدور الايجابي المؤثر للمحكمة الجنائية الدولية متمثلا بإصدار مذكرتي القاء القبض تخص كلا من بنيامين نتنياهو رئيس وزراء الكيان الصهيوني ويوآف غالانت وزير دفاعه المقال حول جرائم الحرب ضد الانسانية التي ارتكبت في قطاع غزة. رئيس وزراء ماليزيا قدم هو الاخر وصفا دقيقا بالقول أن مذكرة الاعتقال التي اصدرتها المحكمة الجنائية الدولية بحق نتنياهو وغالانت" تعد نصر عظيم لكل من يدافع عن العدالة الانسانية وانه سيخفف من معاناة الشعب الفلسطيني ". أن تأتي متأخرا كما يقول المثل افضل وخيرا من أن لاتاتي بتاتا وكذا الحال نحن في عالمنا العربي والاسلامي أمام المسؤولية الكبرى التي تنتظرنا إتساقا مع مؤسسات المجتمع الدولي من دول ومنظمات حقوقية عالمية التي لابد أن تجاهد راهنا ومستقبلا في سبيل استقدام ومحاسبة مجرمي الحرب نتنياهو وغالانت أمام المحكمة الجنائية الدولية بهدف توقيع اقصى العقوبات
عليهما خاصة وإن ما اقترف من فضائع جرمية يندى لها جبين الانسانية قد وثق بصورة لاتقبل الشك بصحتها كونها جرائم خطيرة تهدد بقاء الجنس البشري بحيث وصلت وفقا لتوصيف محكمة الجنائية الدولية لمرحلة الاقرار بجريمة الابادة الجماعية التي وإن وجهت للكيان الصهيوني من قبل محكمة العدل الدولية ولكنها لم تصل بعد لمراحلها الختامية بعد.. علما من منظور مكمل بإن المحكمة الجنائية الدولية وخلال فترة جاوزت 6 اشهر عملت على الاجابة عن كافة التساؤلات التي طرحت من قبل حكومة الكيان الصهيوني حول مدى مصداقية ما اعلنته المحكمة من مبررات قانونية تدين كلا من نتنياهو وغالانت وغيرهم بشكل قاطعحيث تبين للمحكمة ان كل ما قدم امكن بالفعل من دفوعات لا يمكن تفنيده بالوثائق والادلة ومن أن اقوال الشهود على مجازر الفلسطينين ارتكبت ضمن نوايا سيئة وخطيرة كان من آثارها تصاعد اعداد الضحايا المدنيين الابرياء مؤدية بحياة مئات الالاف من الشهداء وكذا من اعداد كبيرة جدا من الجرحى واصحاب الاحتياجات الخاصة.
صحيح ان الدول غير الموقعة والمصدقة على بروتوكول نظام روما للعام 1998 ليست ملزمة قانونيا بملاحقة وإعتقال مجرمي الحرب نتنياهو ويوآف غالانت ولكن من باب إحترام وتقدير جهود المؤسسات القضائية الدولية يفترض على هذه الدول التي اخفقت في واجباتها الانسانية أن تلتزم على الاقل بقرارات قانونية حازمة من الناحية القيمية - الاخلاقية. مسألة تستدعي تفعيل وتكثيف جهود التقصي، التحري واحضار مجرمي الحرب أمام المحكمة الجنائية الدولية. لعل عددا كبيرا من دول العالم التي انضم للمحكمة ومنها دول في الاتحاد الاوروبي وغيرها من دول في أسيا وافريقيا وامريكا اللاتينية وصلت اعدادها 124 دولة تقر جميعها بأنها ملتزمة باعتقال نتنياهو وغالانت ان وصلوا اراضيها أو حتى إذا ما عبروا اجوائها. علما بإن عدد الدول العربية وقعت وصدقت على ميثاق روما لاتتعدى ست دول هي المملكة الاردنية الهاشمية، تونس، اليمن، جزر القمر وجيبوتي وفلسطين فقط. بالتالي لابد للدول العربية ان تسرع في التوقيع والتصديق على ميثاق روما كي تكتسب مصداقية دولية بل ووطنية تحفظ عزتها وكرامتها امام شعوبها.
في هذا المقال اود أن أتطرق لابعاد وتداعيات الجرائم الصهيونية المسجلة منذ الـ7 من اوكتوبر والتي لازال الكيان الصهيوني يقترفها يوميا دو هوادة بصورة أودت لحد خرقت فيها كل المحرمات الانسانية بحيث أن قطاع غزة الذي لايتجاوز 365 كم مربع نال الحصة الاكبر من الضحايا الابرياء والتي وصلت اعدادهم المسجلة إلى ما يقارب من أكثر من 45 الف شخص من الشهداء واكثر من 150000 جريح جروح بعضهم خطيرة جدا نصفهم و اكثر من الاطفال والنساء. علما بإن الكثير منهم لم تحصى اعدادهم لازالت اجسادهم مسجاة تحت الانقاض تنتظر من يخرجها ويقوم بواجب الصلاة عليها قبل دفنها بصورة أنسانية تليق بالانسان الذي كرمه الله تعالى. ليس هذا فحسب بل أن منع الغذاء، الماء، الدواء، الوقود والطاقة وغيرها من مستلزمات الحياة تعد انتهاكا صريحا للحياة الانسانية التي وصلت لحد حرمان الالاف من حق البقاء على الحياة خاصة وأن مظاهر وظواهر الموت جوعا وعطشا اضحت ماثلة للعيان من قبل الكثير من العاملين بالمؤسسات الطبية من اطباء ومسعفين الذين في الاصل يجابهون يوميا وصول جثامين اشخاص يصعب التعرف عليهم نظرا للتشوهات التي اصابت اجسادهم الزكية بنتيجة القصف المستمر المدمر للبشر وللحجر بصورة لايمكن معها أن تدعي اسرائيل انها تلتزم بحق الدفاع عن النفس أو أنها تقوم بمثل هذه الاعمال العسكرية بهدف القضاء على حماس ومن يمثلها من سكان ابرياء مدنيين لاحول ولاقوة لهم. ولم تعد تنطلي اكذوبة ان من قتل مساهم فعلي في دعم حماس عسكريا او ان هؤلاء كما تشيع دعاية الصهاينة أنهم جميعا بمثابة سياج لحماية قادة منظمة حماس في قتالهم ضد اسرائيل. الدليل الساطع ان مقاتلي حماس لم يغيبوا كليا عن ميدان القتال حتى بعد أن مسحت بالارض كل المباني واي مظهر من مظاهر العمران. إذ يمكننا رؤية عملياتهم القتالية من المسافة صفر في جباليا وبيت لاهيا وغيرها من مناطق شمال غزة التي اعترف الاسرائيليون ان عملياتها انتهت من مدة طويلة جدا. بالعودة لموضوع المقال الاساسي يمكن القول أن اهداف ما تقوم به اسرائيل بناءا على اوامر قادتها بدءا من نتنياهو مرورا بوزير دفاعه المقال غالانت ورئيس اركان حربه وغيرهم من كبار ضباط الكيان الصهيوني واعداد كبيرة من جنده سيتوالى انضمامهم لقوائم اعتبارهم مجرمي حرب سيخضعون أجلا ام عاجلا للمحاسبة القانونية الدولية.علما بإن استمرار اسرائيل بحربها الجارية في لبنان ضد قادة واركان قوات حزب الله ستتضمن شخصيات اسرائيلية اخرى ستنالها يد القانون من قبل المحكمة الجنائية الدولية نظرا لإن القصف المدمر لقطاع غزة انتقل للبنان من اقصى جنوبها إلى وسطها وشمالها. ذات تكتيك الارض المحروقة مستخدم خاصة وأن الولايات المتحدة الامريكية وعددا من دول العالم لازالت تقف مع اسرائيل في إطار تحالف استراتيجي ظالم ضد شعب كل همه سواءا في فلسطين ولبنان أن يعيش حرا كريما على ارضه في ظل السيادة الوطنية ( برغم صدور مذكرات الاعتقال والاستقدام للمحاكمة امام المحكمة الجنائية الدولية).
اخيرا ما أود الاشارة إليه أن ما حصل في الايام القليلة الماضية من صدور مذكرات الاعتقال والاحضار امام المحكمة الجنائية الدولية مستقبلا سيضع نتنياهو وعصبته اليمينية المتطرفة بل وحتى اية حكومة اسرائيلية مقبلة امام استحقاقات المحاسبة الصارمة أمام المحكمة الجنائية الدولية وبالتالي يمكننا توقع ان تداعيات حرب غزة - الضفة الغربية وحرب لبنان لن تكون فقط مدمرة للفلسطينيين او اللبنانيين وللسوريين بل وللمنطقة برمتها خاصة إذا اتسع نطاقها على مساحة الشرق الاوسط.
الشيء الواضح حاليا ان اسرائيل وقادتها بل وبلادهم ستنال نصيب الاسد من الاتهامات التي تتمحور حول الانتهاكات القانونية والاخلاقية التي ستدخل الكيان الصهيوني في عزلة شديدة في ظل مجتمع دولي ظل صامتا او ربما تواطئت بعض دوله مع الكيان الصهيوني من خلال استمرار التسليح وغيرها من اشكال الدعم. ولكنه في تقديري وعقب حربي غزة ولبنان سيصحى ويعي ولاشك مدى ضرورة أن تنعم منطقتنا بالسلم والامن بمفهومه الستراتيجي مستقبلا. إن دور المجتمع الدولي ونخبه في العالم ادرك أهمية قيام دولة فلسطينية مستقلة حرة.
تساؤل يراودني ولا اعرف اجابة قاطعة له: هل نتكلم عن حلم زائل أو وهم أوواقع ينطلق من إرادة صلبة للتضامن العربي والاسلامي حقيقي من خلال الاستعانة بمواردنا البشرية والمادية بصورة تمكننا من إحداث نهضة وصحوة نستعيد من خلالها كرامتنا التي لن تحصل إلإ إذا قمنا شعوبا وانظمة سياسية بإعادة بناء بيوتنا من الداخل، مع سعينا لتنمية علاقتنا مع كل الدول العربية وغير العربية (ايران وتركيا) على اسس اكثر صلابة ومتانة مع وجود حالة مناسبة من الردع الجيوسياسي لمواجهة للكيان الصهيوني ومنعه من التمدد الجيوسياسي اقليميا هذا إذا حبذ العيش وفقا لمعايير السلم والامن الاقليمي والدولي بعيدا عن دوره الأعتدائي ووفقا لضرورة قيام دولة فلسطينية حرة مستقلة. وإلا سيؤسس شرق اوسط غير متيقن من شكله او مضمونه خاصة مع بقاء هيمنة اسرائيلية أو مع بقاء الصراعات الداخلية او الاقليمية مع اسرائيل أو مع غيرها بصورة قد تهدد التماسك المجتمعي والاقتصادي بل والستراتيجي؟. إن مثول نتنياهو وغلانت امام المحكمة الجنائية الدولية يعد مسؤولية كبرى اخلاقية - قيمية وقانونية للمجتمع الدولي برمته مسالة يفترض أن تعيها اولا قياداتنا السياسية بكل حكمة من خلال تعجيل عضويتنا في المحكمة الجنائية الدولية ودعمها ماديا ومعنويا.