ناتالي ماير
ترجمة: عدوية الهلالي
بدأ معدل البطالة في فرنسا في الارتفاع مرة أخرى في الربع الثالث من عام 2024. ومن 7.3% في الربع السابق، يرتفع إلى 7.4% وفقا للمؤشرات التي نشرها المعهد الوطني للإحصاء. وقد تبدو الزيادة طفيفة، لا تكاد تتجاوز الخط الفاصل، لكنها تأتي في سياق الإعلانات عن خطط اجتماعية لا تكاد تشجع على التفاؤل وتقوض بشكل خطير وعد رئيس الجمهورية إيمانويل ماكرون بتحقيق معدل تشغيل كامل بنحو 100% في 2027.
فبعد تعطله بشدة بسبب تجميد معظم الأنشطة الاقتصادية خلال فترة كوفيد (آذار2020 – حزيران 2021)، عاد سوق العمل إلى سرعة الانطلاق في عام 2022، حيث وصل معدل البطالة إلى أدنى مستوياته بنسبة 7.1٪ في بداية العام.وكان عام 2023 فترة ذهبية، وفترة كل الاحتمالات، بحسب وزير الاقتصاد آنذاك برونو لومير، وبالنسبة له، فهي فرصة متجددة دائمًا لتهنئة نفسه على النتائج الجيدة لسياسته الاقتصادية تجاه فرنسا.
وفي تفاصيل أرقام البطالة الصادرة عن المعهد الوطني للإحصاء والدراسات الاقتصادية، يمكننا أن نرى أن أداء النساء أفضل من أداء الرجال. وينخفض معدلهن من 7.4 إلى 7.2% بين الربعين الثاني والثالث من عام 2024، بينما يرتفع معدل الرجال خلال نفس الفترة من 7.3 إلى 7.6%. ولكن قبل كل شيء، قفزت معدلات البطالة بين الشباب الذين تتراوح أعمارهم بين 15 و24 عامًا، من 17.9 إلى 19.7% بين حزيران وأيلول 2024. وفي المجمل، ووفقًا للمعايير التي يستخدمها المعهد الوطني للإحصاء والدراسات الاقتصادية، وهي معايير المكتب الدولي للعمل (BIT)،يوجد في فرنسا اليوم 2.33 مليون عاطل عن العمل، من بينهم 671000 شاب.
وفي هذه المرحلة،فإن معدل البطالة ليس هو الطريقة الوحيدة لحساب العمالة في بلد معين إذ يتم حساب هذا المعدل بالنسبة لعدد السكان النشطين الذي يشمل كلا من العاملين والعاطلين عن العمل رسميا. لكن السكان النشطين لا يمثلون سوى جزء من السكان في سن العمل (من 15 إلى 64 سنة حسب تعريف منظمة العمل الدولية).
ولهذا السبب، ومن أجل معرفة ما إذا كان اقتصادنا يستخدم موارد العمل لديه بحكمة، فمن المفيد أيضًا مراقبة معدل النشاط الذي يعطي حصة السكان النشطين مقارنة بالسكان في سن العمل ومعدل العمالة الذي يعطي نسبة السكان العاملين إلى السكان في سن العمل.
أولا وقبل كل شيء، فإن تلك الاحصائيات تضع فرنسا في وضع ضعيف مقارنة بنظيراتها في منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، بين البلدان التي تسجل أعلى معدلات البطالة. ويمكن بالفعل مقارنة معدلها البالغ 7.4% على المستوى الدولي بـ 3.5% في ألمانيا، و3.7% في هولندا، و4.3% في المملكة المتحدة، و4.4% في أيرلندا.
لقد كانت هذه سمة من سمات البطالة الفرنسية لسنوات عديدة: فهي ترتفع وتنخفض اعتماداً على الوضع الاقتصادي العالمي، ولكنها تفعل ذلك في حين تظل أعلى بنحو نقطتين إلى ثلاث نقاط من نظيراتها في البلدان المجاورة الأكثر كفاءة اقتصادياً. الأمر الذي يكشف بوضوح عن وجود عوائق هيكلية قوية أمام التوظيف..
ولا يفتقرالخيال الفرنسي إلى حلول بسيطة ومؤثرة لمسألة البطالة.. سيكون كافياً، أولاً، تجميد عمليات تسريح العمال، وثانياً، اشتراط منح المساعدات للشركات بالحفاظ على التوظيف.وسيكون من الأفضل عدم تقديم أي مساعدة لهم على الإطلاق. لكن هذه نقطة لا تنوي الحكومة المطالبة بها، إلا بطريقة سياسية بحتة، لأنه مهما قالوا، فإن وجود هذه المساعدة يسمح لهم بالحصول على وسيلة للضغط على الشركات.
وفي الواقع، فإن التحدي برمته الذي تواجهه الشركات الفرنسية مقارنة بمنافسيها في بقية أنحاء العالم يدور حول الإنتاجية، وحول تكلفة العمالة وجميع التكاليف الأخرى لعوامل الإنتاج. سواء كنا نتحدث عن (الائتمان الضريبي للقدرة التنافسية للتوظيف) أو ما إذا كنا نتحدث عن تخفيضات في الرسوم الاجتماعية على الرواتب المنخفضة، فإننا في الواقع نتحدث عن تقنيات صغيرة تم إعدادها بشكل تدريجي لتصحيح العيوب العديدة التي تعيب نموذجنا الاجتماعي، وعلى وجه التحديد، النموذج الباهظ التكلفة من حيث الرسوم الاجتماعية والضرائب.
أضف إلى ذلك طوفانًا من اللوائح والالتزامات والمحظورات التي لم يعد حتى المشرع يسيطر عليها (فمن الشائع بالفعل رؤية النواب يقترحون أحكامًا "جديدة" موجودة بالفعل).إذن، سيكون من المستحيل إيجاد التشغيل الكامل للعمالة ــ وما يرافقه من النمو والرخاء ــ في إطار نموذجنا الاجتماعي الجماعي القائم على إعادة التوزيع والإنفاق إلى حد كبير. ويؤسفني أيضًا أن أخبركم أن سياسيينا وقادتنا بعيدون جدًا عن إدراك ذلك. ألم يكن رئيس الوزراء ميشيل بارنييه نفسه هو أول من أعرب عن قلقه بشأن المساعدات العامة التي تلقتها شركتا ميشلان وأوشان عندما أعلنت الأخيرة عن رغبتها في إغلاق مواقع الإنتاج في فرنسا بسبب انخفاض ربحيتها؟!